ابتهجت جريدة “الأخبار” بتبني وثائق ويكيليكس الأخيرة التي تناولت عمل وزارة الخارجية السعودية، ونشرت كل ما يمكن بنظرها أن يسيء الى المملكة العربية السعودية. أرادتها “الأخبار” أن تكون جزءًا من حملة “حزب الله” ضد المملكة، فإذا بالسحر ينقلب على الساحر، فيضطر الحزب أن يكون أول طرف لبناني يصدر بيان نفي لما ورد في هذه الوثائق، بعدما ظهر أنه الضحية الأبرز لهذه الوثائق.
أن تدّعي وثائق لا يستطيع أحد أن يتأكد من صدقيتها أن السعودية تموّل قوى 14 آذار، فليس في الأمر جديداً على الإطلاق من الناحية السياسية. فالاصطفاف السياسي في لبنان منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أو ربما حتى منذ صيف الـ2004، واضح جداً لناحية انتفاضة المحور السيادي في البلد ضدّ نظام الوصاية السورية الذي كان قابعاً على صدور اللبنانيين، وضد “حزب الله” الذي بات يمثل نظام الوصاية الإيراني الجديد.
وفي ظل أزمات المنطقة وحروبها، أصبح من الطبيعي أن يشكل الاصفاف السياسي اللبناني الداخلي جزءًا من المحاور الإقليمية، مع العلم أن انخراط “حزب الله” في المشروع الإيراني ثابت منذ تولي الحرس الثوري الإيراني إنشاء الحزب في لبنان اعتباراً من العام 1982 وتولي تمويله وتسليحه وتدريبه والإمرة المباشرة عليه باعتراف مسؤولي الحزب أنفسهم على كل المستويات. كما أن تشكّل فريق 8 آذار بشكل “رسمي” اعتباراً من 8 آذار 2005، وانضمام “التيار الوطني الحر” إليه اعتباراً من شباط 2006 تمّ برعاية أسدية- إيرانية واضحة وبتمويل مباشر شاركت في مراحل منه دولة قطر التي أمّنت على سبيل المثال تمويل إنشاء تلفزيون الـOTV.
لكنّ مناقشة موضوع التمويل والخضوع للجهات الممولة لا بدّ من التوقف عنده برويّة وعدم تسرّع. فعلى سبيل المثال لا يمكن اتهام “حزب الله” بأن إيران تموله ولذلك هو ينفذ تعليماتها. فهذا الحزب هو حزب إيراني بالكامل يتبع أوامر الولي الفقيه وتعليماته وإرشاداته، ولا “علم وخبر” له في وزارة الداخلية اللبنانية. وبالتالي يشكل تمويله بالنسبة الى إيران جزءًا من تمويل الباسدران والباسيج الإيرانيين، وكل من يتعاطى مع الحزب بخلاف ذلك يكون بعيداً عن الواقع السياسي الى أقصى حدّ.
في المقابل ثمة تمويل إيراني، قطري سابقاً وحتى أسدي لمجموعات من 8 آذار تشكل مرتزقة لدى محور الممانعة. وهؤلاء ينفذون ما يُطلب مقابل أجر، وقد يغيّرون سياساتهم عندما يأتيهم عرض أفضل.
كما ان تمويل هذا المحور ساهم على سبيل المثال في نقل “التيار الوطني الحر” من الموقع السيادي الرافض لأي سلاح غير شرعي الى قلب المحور الممانع المدافع عن سلاح “حزب الله” بكل قوته، كما يتم استقباله في دمشق على السجاد الأحمر!
في المقابل فإن أياً من أطراف قوى 14 آذار الأساسية، أي تيار المستقبل، “القوات اللبنانية”، “الكتائب اللبنانية”، “الوطنيين الأحرار”، “حركة الاستقلال”، الشخصيات المسيحية المستقلة… أي منهم لم يبدّل سياساته على الأقل منذ صيف الـ2004 وحتى اليوم. وبالتالي إذا صحّت أخبار التمويل غير المؤكدة، يكون أطراف 14 آذار استعملوا هذا التمويل لتحقيق مشروهم السيادي، رغم أنهم أخفقوا في محطات كثيرة من دون أدنى شك. وفي إطار هذا النقاش يصحّ هذا السؤال الأساسي: من الذي رهن نفسه ومواقفه السياسية مقابل مال سياسي؟
أياً يكن، فإن “حزب الله” أنهى النقاش الدائر منذ أيام حول الوثائق المنشورة عندما نفى بشكل قاطع ما تضمنته إحدى الوثائق عن أحد الأميركيين اخترقوا الحزب عبر نائب “حركة أمل” علي بزي. هذا النفي أجهض حملة “الأخبار” السخيفة على المملكة العربية السعودية، إلا إذا كان القيمون عليها يأخذون الوثائق بحسب الـMenu فيقبلون ما يتهم قوى 14 آذار ويرفضون ما يتهم “حزب الله” و”حركة أمل”… ويبقى السؤال الأبرز عن مصادر تمويل “الأخبار” والجهات التي أمّنت لها الشراكة مع موقع “ويكيليكس” الذي يعطي هذه الصحيفة حق الاطلاع المسبق على الوثائق؟!
قليل من الحياء يا سادة، فمن بيته من زجاج لا يجب ان يراشق غيره بالحجارة!