Site icon IMLebanon

تغري إيران المستثمرين لإنجاح المفاوضات النووية


طالما تعرضت المفاوضات النووية الإيرانية مع الغرب لعراقيل وصعوبات عديدة أخرت التوصل لاتفاق نووي عدة مرات خلال جولات الحوار السابقة، ولكن خلال الجولات الحاسمة التي يخوضها الوفد المفاوض حالياً والتي من المفترض أن تستمر حتى الثلاثين من يونيو/حزيران الجاري، تبدو إيران أكثر جدية للتوصل لاتفاق نووي توقعه البلاد مع دول 5+1، يحقق لها بالدرجة الأولى مكسب إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة والتي كبدت البلاد خسائر باهظة. وحسب مراقبين، تدرك إيران أهمية إغراء أوروبا بمنحها فرصاً استثمارية في العديد من القطاعات وتعمل على الاستفادة منها، وهو ما سيساهم بشكل أو بآخر بالضغط باتجاه توقيع الاتفاق لأن هذا سيعود بالنفع على كل الأطراف.

تصريحات وزير النقل الإيراني عباس أحمد أخوندي الأخيرة والتي صدرت من فرنسا تعكس هذا التوجه حسب خبراء، فقد قال خلال زيارته إلى العاصمة باريس أخيراً إن مؤسسة النقل والمواصلات الإيرانية بحاجة لمشاريع بقيمة 80 مليار دولار، منها ما يتعلق بترميم وتجديد الأسطول الجوي الإيراني، فضلاً عن مشاريع مد السكك الحديدية، مشيراً إلى أن فرنسا ستخسر وجودها في السوق الإيرانية إذا ما استمرت بوضع العراقيل على طاولة الحوار النووي، وطالب الفرنسيين باتخاذ مواقف سياسية واضحة إزاء إيران في وقت ستحل فيه المسألة النووية عاجلا أم آجلا. وفي هذا السياق، قال الخبير في الاقتصاد الإيراني محمد رضا فتح أبادي، لـ “العربي الجديد”، إن الاستثمار الأجنبي يعني اقتصاد البلاد كثيراً هذه المرحلة، فهي تحتاج مشاريع استثمارية ضخمة في مجال الطاقة والبنى التحتية والإعمار وغيره من القطاعات، معرباً أن حجم الاستثمار الأجنبي قبل أربع سنوات أي قبل تشديد الحظر بلغ أربعة مليارات دولار أميركي، بينما تقلص إلى مليار دولار فقط بعد هذا التاريخ بفعل العقوبات.

وأضاف فتح أبادي أن إيران تدرك وجود فرنسا في معسكر الأطراف المتشددة على طاولة الحوار النووي، وبحال إقناعها بأن تشارك بشكل أساسي في جملة الاستثمارات المتوقعة في البلاد، ولا سيما في مجال صناعة السيارات التي توجد فيها فرنسا، فهذا قد يساعد على تسهيل توقيع الاتفاق، حسب فتح أبادي. وقال إن الاهتمام بالطرف الفرنسي يحمل أهدافا اقتصادية كما يحمل أهدافا سياسية في الوقت ذاته، ففرنسا تمثل عامل ضغط له علاقة وطيدة بإسرائيل والسعودية، فهذان البلدان يخشيان التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران، لأسباب عدة، أبرزها الخوف من تعاظم الدور الإيراني في المنطقة بعد تطوير العلاقات الإيرانية مع الآخرين إبان تجاوز عقبة النووي.

وفي نفس الوقت، يعتبر فتح أبادي أن فرنسا تخشى من فتح السوق الإيرانية أمام زبائن أوروبيين جدد، وهذا يعني أن الاتفاق النووي لن يصب لصالحها اقتصاديا في وقت كانت تحظى فيه بحصة الأسد من بين هذه البلدان، وخاصة فيما يتعلق بالاستثمار في قطاع النقل.

كان وزير النقل الإيراني قال في تصريحات سابقة إن طهران ستكون قادرة على الحصول على أكثر من 100 مليار دولار من أموالها المجمدة في الخارج فور إلغاء الحظر، وهو ما سينعش اقتصادها، معلناً أنه أجرى مفاوضات مع شركتي تالس وإيرباص الفرنسيتين حيث تعمل طهران على شراء أكثر من 300 طائرة مدنية بقيمة عشرين مليار دولار.
وأضاف الوزير أن الاستثمار في مجال النقل والمواصلات في إيران سيصل إلى معدل 25 مليار دولار، وهذا بعد إلغاء العقوبات، فيما أعلنت السفارة الإيرانية في فرنسا أن شركة بوينغ الأميركية دخلت على الخط وبدأت تبحث مع إيران توقيع عقود مستقبلية، في إشارة إلى أن طهران ستتحول سوقاً تنافسية ضخمة وهذا بعد توقيع الاتفاق، كما يبدو من هذه التصريحات أن طهران تغازل الطرف الفرنسي وهو ما سيعود على كليهما بالنفع.
ويعكس ذلك مدى اهتمام إيران بعدة أطراف وخاصة أوروبا وليس بالجانب الفرنسي فقط، حسب فتح أبادي.
وفي هذا الإطار، يقول عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني، أبو ذر نديمي، لـ “العربي الجديد”، إن لدى إيران مشاريع كبرى وعديدة تتعلق بجذب رؤوس الأموال وزيادة الاستثمار الأجنبي في البلاد، وهي مشاريع تم إقرار خططها منذ سنوات عدة وليس حديثاً، حيث تريد البلاد الاستفادة من قدراتها وهو ما سيعود على الاقتصاد الإيراني بتبعات إيجابية واضحة، حسب تعبيره.
وأضاف نديمي أن طهران تركز كذلك على سوق الدول المجاورة، معرباً أن الغرب من أبرز المهتمين حالياً بالاستثمار في إيران، قائلا إن لدى هؤلاء فرصا كبرى لتوقيع عقود تتعلق بالقطاعات الجوية، السكن، الزراعة والصناعة وغيرها.

ولا يتوقع نديمي أن تتطور العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة حتى مع توقيع اتفاق نووي، قائلاً إن تطوير هذا النوع من العلاقات يعني توطيد التعاون السياسي وهذا أمر يخالفه الكثير في الداخل الإيراني حسب قوله، وأضاف أنه من المتوقع أن تستفيد طهران من علاقاتها مع الدول الأخرى، فجذب رؤوس الأموال وتوقيع عقود للاستثمار بإمكانه أن يسرع كل الأمور كما سيسهل توقيع اتفاق نووي.
وحسب نديمي، أمام طهران فرص كبرى بالفعل، تعمل البلاد على الاستفادة منها رغم تعليق كل المشاريع بسبب الحظر، وتركز البلاد على الاستثمار في مجال النفط، إذ تحاول استعادة زبائنها القدامى ولاسيما الغربيين منهم، وبحال الإعلان عن اتفاق فهذا يعني أن عامل الضغط بجذب رؤوس أموال أجنبية وتوقيع عقود استثمارية قد جاء بنتائج إيجابية، وستعلن البلاد عن مشاريعها هذه في مهلة أقصاها ثلاثة أشهر بعد التوصل لاتفاق مع الغرب المفترض الإعلان عنه مطلع يوليو/تموز القادم.