أجبرت أزمة الاقتصاد الروسي والتراجع الحاد في سعر صرف الروبل، الكثير من السياح الروس على تبديل خياراتهم ومخططاتهم للراحة والاستجمام في العام الأخير. كما اشتعل التنافس بين الشركات لتشجيع السياحة الداخلية وتطوير برامج ووجهات جديدة كانت حتى الأمس القريب غير مفضلة، أو غالية الثمن، بالنسبة للمواطن الروسي ذي الدخل المتوسط، ما أسفر عن هبوط تكاليف السياحة الداخلية للمرة الأولى في تاريخ روسيا ما بعد الحقبة السوفياتية.
وكشفت هيئة الإحصاء الروسية عن تراجع أعداد الروس إلى الخارج نحو 40 في المئة في الربع الأول من السنة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. وأفادت البيانات الرسمية بأن عدد السياح إلى إسبانيا وإيطاليا واليونان تراجع بنحو 41 و31 و29 في المئة على التوالي. فيما هوى عدد قاصدي ألمانيا وفرنسا والنمسا إلى نحو النصف.
لم يقتصر تراجع أعداد السياح على الوجهات الأوروبية المكلفة نسبياً، بل تعداه إلى الوجهات الرخيصة مثل تركيا التي فقدت نحو ثلث زبائنها الروس، وعلى رغم الاتفاق بين القاهرة وموسكو على تشجيع التعامل بالروبل فإن عدد السياح الروس في المنتجعات المصرية هوى بنحو الربع.
وكشفت بيانات رسمية عن تراجع عدد السياح الروس إلى الخارج بنحو الربع في أثناء عطلات مطلع أيار(مايو) التي تعد من أهم المواسم بعد أعياد الميلاد ورأس السنة. وأوضحت مصادر سياحية في روسيا أن أسعار الرحلات ارتفعت منذ بدء أزمة الروبل نحو 80 في المئة، ما انعكس سلباً على الطلب. ومن المتوقع تراجع أعداد الشركات المقدمة لعروض السياحة الخارجية مع عدم قدرة نحو نصفها على دفع مبالغ التأمين في حال عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها أمام الزبائن. ووفقاً لهيئة السياحة فإن نحو 400 شركة حرمت من حقها في تقديم خدمات للراغبين بالاستجمام في الخارج لعدم قدرتها على دفع تأمين أو الحصول على ضمان من مؤسسات التأمين أو المصارف.
وتطغى مخاوف من افلاس عدد من شركات السفر ووكالاته المتخصصة بالخارج، وعزز هذه المخاوف استمرار مسلسل الافلاس إثر توقف كبرى شركات السياحة إلى الهند وسيرلانكا عن العمل بعدما تراجعت هذه الوجهة بنحو النصف في العام الماضي. وكان العام الماضي شهد خروج نحو ثلاثين شركة ضخمة من السوق يعمل معظمها في مجال السياحة الخارجية. وتضرر في العام الماضي نحو 150 ألف سائح روسي من إشهار هذه الشركات إفلاسها، وظل عشرات ألوف الروس عالقين في المطارات لأيام في العام الماضي.
ومع اهتزاز الثقة بالشركات لجأ الكثير من السياح الروس إلى حجز تذاكرهم وفنادقهم في شكل فردي، ما قد يساهم في تعميق خسائر الشركات العاملة في الوجهات التي تعتمد على الترويج والحجز عبر الانترنت، ما يشكل ضغطاً إضافياً على شركات السياحة الخارجية التي لم تستطع التكيف مع الظروف الجديدة، فمعظم الشركات كان يراهن على استمرار نمو السوق كما في السنوات العشر الأخيرة، لكن الهبوط الحاد في أسعار صرف الروبل أجبر الكثير من الروس على الاقتصاد في مجال الاستجمام والترفيه. كما فقدت هذه الشركات شريحة كبيرة من الروس الذين نمت عندهم المشاعر القومية، أو عائلات العسكريين والأمنيين الذين باتوا يفضلون عدم الاستجمام خارج روسيا.
وساهم تراجع السياحة الخارجية في تعزيزها داخلياً، حيث جذبت جزءاً كبيراً من نحو 50 بليون دولار كان ينفقها الروس سنوياً في رحلاتهم السياحية الخارجية. وأفادت هيئة السياحة الروسية بأن حجم السياحة الداخلية ارتفع نحو 30 في المئة في العام الماضي مقارنة به عام 2013.
وأشعل هبوط الروبل التنافس بين الشركات الروسية العاملة في السوق الداخلية، وشجع أخرى على الدخول إلى المنافسة بعدما هوى حجم السياحة الخارجية. ووفقاً لتقديرات هيئة السياحة فإن أسعار بعض المنتجعات تراجعت في الأشهر الخمسة الأولى بنسبة تراوح بين 50 و70 في المئة. ويلفت خبراء إلى أن الاستجمام في روسيا بات أرخص بنحو الخُمس في العام الماضي نظراً الى هبوط الروبل في مقابل الدولار واليورو، ما ساهم في تنشيط السوق الداخلية، وزيادة الثقة بمستوى أفضل من الخدمات تزامناً مع دخول عدد من الشركات الضخمة العاملة سابقاً على الوجهات الخارجية.
وعلى رغم التحسن الواضح في مؤشرات السياحة الداخلية في روسيا فإن تطوير هذا القطاع مازال رهناً برفع مستوى الخدمات المتدني للأفراد العاملين في الفنادق والمطاعم، مقارنة بمعظم الوجهات الخارجية الرخيصة الثمن منها والمرتفعة على حد سواء. وتعاني السوق الروسية من عدم كفاية الغرف الفندقية الرخيصة والمتوسطة الكلفة، وعدم وجود تصنيف إجباري للمنشآت السياحية والفنادق. وينافس أصحاب المنازل المحولة إلى نزل في المواسم، الفنادق والشركات على جذب السياح وبخاصة على شواطئ البحر الأسود والأماكن الأثرية في قلب روسيا. كما يعطل ارتفاع أسعار تذاكر السفر براً وجواً نمو السياحة الداخلية، كما أن عدم تأمين حجم الرحلات الجوية الكافية للوصول إلى القرم، وتوقف الرحلات عبر أوكرانيا، وعدم اتمام بناء الجسر البحري، قلّلت من استخدام القدرات الهائلة لشبه الجزيرة التي ضمتها روسيا العام الماضي. لكن المشكلة الأساسية تكمن في أن توجه السياح إلى الخارج قد يستأنف بكميات كبيرة في حال تراجع سعر صرف الدولار واليورو، فقد كشفت الاحصاءات أن عدد السياح الروس إلى الخارج ارتفع بنحو عشرة في المئة في نيسان (أبريل) الماضي إثر تحسن سعر الروبل. وفي انتظار تحسن الأوضاع الاقتصادية فإن غالبية أبناء الطبقة الوسطى والفقيرة سيضطرون إلى قضاء إجازاتهم في مدنهم وقراهم… أو في جوارها.