لا شكّ أن فلاديمير بوتين هو الرجل القوي الذي يسيطر على مقادير روسيا، منذ وصوله إلى الرئاسة في مطلع هذا القرن وحتى اليوم. ذلك على مدى فترتين رئاسيتين ثم رئيساً للحكومة قبل عودته من جديد إلى الكرملين في منصب السدّة الرئاسية.
ولا شك أن هناك العديد من الأسئلة الكبرى المطروحة على أذهان الكثيرين في العالم في مقدمتها: من هو فلاديمير بوتين «الحقيقي»؟ وما هي المرامي البعيدة التي توجّه مشروعه بالنسبة لروسيا ومكانتها في العالم؟ وما هي الركائز الحقيقية لنظام حكمه؟ ومن هم المقرّبون منه؟
إن «كارين داويشا»، أستاذة العلوم السياسية في جامعة ميامي بالولايات المتحدة الأميركية حيث تشغل منصب مديرة مركز الدراسات حول روسيا وحقبة ما بعد الشيوعية، تحاول تقديم إجابات على هذه الأسئلة وعلى غيرها في كتابها الذي يحمل عنوان «استشراء الفساد في ظل حكم بوتين» وحيث اختارت له عنواناً فرعياً في سؤال مفاده «من يملك روسيا؟».
تبدأ «كارين داويشا» بعملية توصيف وشرح للسياق الذي جرت فيه مسيرة صعود فلاديمير بوتين خلال الأشهر الأخيرة من فترة حكم بوريس يلتسين، الرئيس الأول لروسيا ما بعد الشيوعية. وهي تقدّم بهذا الصدد العديد من البراهين والوقائع على أن بوتين قد استخدم مجموعة من «الدوائر العامّة لتحقيق مصالحه الشخصية» قبل «صعوده السريع» إلى رئاسة روسيا في مطلع عام 2000.
تحدد كارين داويشا القول انه منذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة عام 2000 أحاط نفسه بمجموعة من أولئك الذين كان قد «صادفهم في درسدن» عندما كان أحد الضباط البارزين في جهاز الـ «كا جي بي» العاملين في ألمانيا. كما تحلّق حوله بعض أولئك الذين كان قد تعرّف عليهم عندما كان أحد العاملين في بلدية مدينة سان بطرسبورغ.
كما تولي مؤلفة هذا الكتاب اهتمامها للتعاونية التي حملت اسم «تعاونية اوزيرو» التي كانت تمتلك مجموعة كبيرة من الأبنية ــ المنتجعات «الداتشا» في المناطق المحيطة بمدينة سان بطرسبورغ.
والإشارة أن بعض أرباب تلك التعاونية قد ترقّوا في المناصب حتى الهرم الأعلى في السلطة. هكذا غدا «فلاديمير اياكونين» مديرا للخطوط الحديدية الروسية؛ وتولّى «يوري كوفالشوك »إدارة بنك كبير، وأصبح أحد الأخوين «لورسنكو » وزيراً للثقافة في روسيا.
وتشير «كارين داويشا» في هذا الإطار أنه في عام 2013 كان هناك 110 مليارديرات روسيين يملكون 35 في المئة من إجمالي الدخل القومي الروسي.
كما تقدّر في نفس المنطق الإحصائي أن قيمة الرشاوى وثمرات الأنواع الأخرى من الفساد تبلغ سنويا 300 مليار دولار. لكن ذلك لا يمنع المؤلفة من التأكيد أن «أحد التناقضات التي تحيط ببوتين هو أنه هو نفسه لم يتورّط في أيّ عملية فساد أو رشوى بينما أن المحيطين فيه فعلوا ذلك».
ومن النتائج الأساسية التي تصل لها مؤلفة هذا الكتاب تأكيدها أن «السطو الذي يقوم به المتسلقون حول السلطة» هو في طريقه إلى تدمير كل إمكانية لبلوغ الحريّة في روسيا. والتأكيد بالمقابل أن روسيا هي تحت قبضة مجموعة قليلة من الذين وظّفوا آلية السلطة لمصالحهم الشخصية مستفيدين بذلك من قربهم من مراكز القرار ومن «تملّك شركات الدولة» سابقا.