كتب محمد شقير في صحيفة “الحياة”:
ينتظر اللبنانيون النتائج التي ستؤول إليها المفاوضات الأميركية- الإيرانية حول الملف النووي الإيراني مع اقترابها من الساعة الصفر في نهاية الشهر الجاري، وهذا ما يفسر إصرار معظم الأطراف السياسية على أن تتموضع في دائرة تقطيع الوقت لما يمكن أن يترتب على الاتفاق بين واشنطن وطهران، في حال حصوله في الموعد المحدد، من تداعيات على الوضع الداخلي في لبنان.
لذلك تبقى سياسة تقطيع الوقت- كما تقول مصادر نيابية بارزة لصحيفة “الحياة”- السمة الوحيدة الطاغية على الحياة السياسية، على رغم أن رئيس الحكومة تمام سلام أوشك على اتخاذ قراره بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد بعد أن أمهل المشاورات الجارية لمعالجة حرد “تكتل التغيير والإصلاح” فترة زمنية لم يعد من الجائز تمديدها، خصوصاً أن “التكتل” يشترط إدراج بند التعيينات الأمنية والعسكرية على جدول أعمال المجلس، متجاوزاً حق سلام في وضع الجدول باعتبار انه يأتي في سياق صلاحياته المنصوص عليها في الدستور.
ومع أن المصادر النيابية نفسها تستبعد أن يكون للاتفاق النووي الأميركي- الإيراني في حال حصوله أي نتائج مباشرة على الوضع اللبناني، أقله في المدى المنظور، فإن من يدعو للانتظار سيكتشف في الوقت المناسب بأنه يسهم في هدر الوقت من ناحية، وفي تلكؤ الحكومة في تصديها للقضايا العالقة التي تمس مصالح اللبنانيين مباشرة من ناحية أخرى. وترى هذه المصادر بأن تعليق أهمية قصوى على الاتفاق الإيراني- الأميركي يبقى في إطار التمنيات ما لم تبد طهران استعدادها لتغيير سلوكها في المنطقة، بما يسمح إخراج ملف انتخابات رئاسة الجمهورية من التأزم الذي ما زالت تراوح فيه منذ أكثر من عام ونيف.
وتستبعد المصادر أن يكون للقاء الذي حصل أخيراً بين المنسقة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة سيغريد كاغ وبين نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، أية مفاعيل إيجابية من شأنها أن تصرف في إعادة تحريك الملف الرئاسي. وتعتقد بأن اللقاء بين كاغ وقاسم، وان كان الأول من نوعه بين ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في لبنان وبين مسؤول رفيع في “حزب الله”، بعدما كانت درجت العادة على حصر مثل هذه اللقاءات بمسؤول العلاقات الدولية في الحزب النائب السابق عمار الموسوي، فإنه بقي في حدود تبادل الآراء من دون تحقيق أي تقدم.
وترجح المصادر بأن يكون للقاء كاغ مع معاون وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في طهران دور في إقناع “حزب الله” في أن يرفع من مستوى لقاءاته معها، على رغم أن محادثاتها الإيرانية لم تنتج ما يدعو للتفاؤل بأن لدى إيران توجهاً بخصوص فتح الباب أمام إزالة العقد التي ما زلت تعترض انتخاب الرئيس، لأن الحزب ليس في وارد التخلي عن حليفه العماد ميشال عون كمرشح أوحد لرئاسة الجمهورية.
وتلفت إلى أن “حزب الله” يتلطى وراء عون لعدم جاهزيته في تأمين النصاب النيابي لانتخاب الرئيس قبل أن يتبلور الوضع في سوريا بصورة نهائية، ما يتيح له الالتفات إلى الداخل لأن تفريطه بدعم عون يمكن أن ينعكس سلباً على علاقته بحليفه الذي هو في حاجة إليه الآن لتوفير الغطاء السياسي لتدخله في سوريا.
وتحاول هذه المصادر أيضاً رصد ما يدور في الشارع المسيحي وسط المخاوف من تزايد الدعوات إلى الفيديرالية، مع أنها قوبلت برفض قاطع من قبل بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا اليازجي. وتؤكد بأن تزايد الحديث عن اعتماد الفيديرالية كحل نهائي للأزمة في لبنان أخذ يقلق فريقاً واسعاً من المسلمين، وهذا ما سيناقش قريباً بين أبرز المكونات السياسية في “قوى 14 آذار”، وقبل موعد انعقاد مؤتمر باريس للأقليات في أيلول المقبل. وتكشف المصادر بأن معظم الأطراف المسلمين في لبنان يميلون إلى عدم تلبية الدعوة لحضوره مع انه يحظى برعاية مباشرة من الفاتيكان والكنيسة المارونية في لبنان، على رغم أنهما سارعا إلى تدارك الأمر بقولهما إن الهدف منه الحفاظ على التعايش الإسلامي- المسيحي في المنطقة.
أما في خصوص احتمال قيام سلام بتوجيه الدعوة لعقد مجلس الوزراء في الأسبوع المقبل وربما بعد جلاء النتائج التي ستسفر عنها المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، قالت المصادر بأن الدعوة ستتم لأنه من غير الجائز تعميم الشلل الحاصل في رئاسة الجمهورية ليشمل الحكومة والبرلمان.
وتعتقد المصادر بأن عون لم يأخذ بمجموعة من المقترحات لإعادة الاعتبار لمجلس الوزراء وإنهاء الإجازة “القسرية” التي يمضيها الآن، وتقول إنه رفض مبدأ التلازم بين انتخاب الرئيس وبين تعيين قائد جديد للجيش خلفاً للعماد جان قهوجي. وتضيف: إن عون يصر على تعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش رافضاً ما قيل له من قبل أكثر من طرف أن الأولوية يجب أن تعطى لانتخاب الرئيس لأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، بالتالي يجب أن يكون له رأي في اختيار قائد الجيش.
وبكلام آخر، قيل لعون أن عليه العزوف عن الترشح لرئاسة الجمهورية ومن ثم لا مشكلة في تعيين روكز قائداً للجيش، لكنه أوصد الباب في وجه كل الوساطات من هذا القبيل وراح بعيداً في رسم خريطة الطريق للقائد الجديد وأول بنودها دخول الجيش إلى جرود عرسال.
وتؤكد المصادر النيابية أن الجميع يجمع على الإشادة بمناقبية روكز وكفاءاته العسكرية، وأن مشكلة الأخير تكمن في موقف عون من دخول الجيش إلى جرود عرسال وتصرفه وكأنه يعطي الأوامر في هذا الشأن. كما أن عون- بحسب المصادر نفسها- رفض في السابق التمديد للقادة الأمنيين والعسكريين على أن يشمل العميد روكز، إضافة إلى رفضه تأجيل البحث في تعيين قائد الجيش إلى حين انتهاء التمديد للعماد قهوجي في أيلول المقبل.
وفي هذا السياق، تقول المصادر أن عون لا يحبذ طرح مجموعة من الأسماء ليختار مجلس الوزراء أحدها لتولي قيادة الجيش ويصر على حصر التعيين بروكز ويواصل انتقاده لقهوجي بذريعة انه غير شرعي. وتسأل: لماذا صعّد عون من حملته على قهوجي وما الفائدة من ربط هذه الحملة بعدم دخول الجيش إلى جرود عرسال، كما تسأل عن رد فعله على إشادة “حزب الله” به في الجلسة الأخيرة لحواره مع “المستقبل”، خصوصاً أنه يؤكد شرعية قيادة الجيش ودورها في حفظ الاستقرار وحماية السلم الأهلي؟
وعليه فإن عون من خلال تزعمه للحملة المؤيدة لتعيين روكز قائداً للجيش ألحق الضرر به وتسبب في إحراجه، مع أن “الجنرال” يعلم أن ورقته الرئاسية تحترق لأن هناك من يتعامل معه على أنه مرشح “حزب الله” ومن خلاله محور “الممانعة” الذي تتزعمه إيران. وبدلاً من أن يستفيد عون من الفرص التي أعطيت له لتقديم نفسه على أنه المرشح التوافقي، راح يزج نفسه في شكل ألصقه تماماً بـ”حزب الله”، وتسأل المصادر ما الفائدة التي جناها من قوله أنه في تحالف وجودي معه!
وتعتقد المصادر بأن عون أحرق أوراقه الرئاسية وأقحم نفسه في تحالف أبدي مع “حزب الله”، وهذا ما تسبب بقلق مشروع لدى الآخرين وأضر بحواره مع “المستقبل” في ضوء ما أخذ يتردد بأنه يفتقر إلى حد أدنى من الحماسة.
وبصرف النظر عن رد فعل عون على التمديد لقهوجي ومن قبل لرئيس الأركان اللواء وليد سلمان، فإن الحكومة لن تستقيل حتى لو انسحب منها وزراء “تكتل التغيير”، والسبب يعود- كما تقول مصادر نيابية- إلى أن استقالة الحكومة ليست قانونية في ظل استمرار الشغور في الرئاسة الأولى لأنها وحدها الجهة القانونية التي تقبل استقالتها وتطلب من الوزراء الاستمرار في تصريف الأعمال.
وأخيراً هل يستطيع عون أن يتدارك ما لحق به من أضرار تؤثر في ترشحه لرئاسة الجمهورية أم أنه لا يزل يراهن على تحولات خارجية تعيده إلى المنافسة؟ ومن أين ستأتي هذه التحولات في ضوء تراجع النظام في سورية لمصلحة تمكن قوى المعارضة فيها من السيطرة على مناطق واسعة واستراتيجية؟