حيدر الحسيني
لا عجب في أن تكون ألمانيا وصندوق النقد الدولي أكثر المتشدّدين حيال اليونان، باعتبار أن الدولة الأكثر عدداً وكثافة سكانيةً بين بلدان الإتحاد الأوروبي، هي أيضاً على الإطلاق أكبر مقدّمي ضمانات القروض لأثينا على المستوى الأوروبي، ونظراً لكون صندوق النقد أكبر المقرضين الدوليين، ما يعني أن هذين الطرفين سيكونان أكثر الجهات تضرراً في ما لو أعلنت اليونان إفلاسها.
لكن إذا كان هذا السيناريو دافعاً أساسياً لبرلين وصندوق النقد كي يدفعا باتجاه الضغط على اليونان لتطبيق ما يعتبرانه إصلاحات والحفاظ على وضع مالي حصين من الإفلاس، فهو الدافع نفسه الذي قد يُبنى عليه إلى حد كبير تفسير الحرص خلف هذا الضغط على أن يكون هدفه إخضاع اليونان مع الحيلولة دون سقوطها في الهاوية، مع ما قد يستتبع انهيارها مالياً من بداية انفراط لعقد الاتحاد النقدي وربما السياسي الأوروبي.
في تشريح مبسّط لخارطة ضمانات القروض الأوروبية لليونان، تجدر الإشارة بدايةً إلى أن أنها تمّت من خلال 4 آليات مختلفة: الأولى القروض الثنائية المباشرة، والثانية تلك الممنوحة عبر «صندوق الإنقاذ الأوروبي»، والثالثة من خلال برنامج «تارغيت-2» الذي يقوده المصرف المركزي الأوروبي، والرابعة عن طريق «برنامج سوق الأوراق المالية» الذي يشرف عليه وينفذه المركزي الأوروبي أيضاً.
وفقاً للبيانات المُتاحة حتى نهاية آذار 2015، يتبيّن أن مجموع حصة ألمانيا من ضمانات القروض الأوروبية لليونان تبلغ 69,5 مليار يورو، تليها فرنسا 52,8 ملياراً، ثم إيطاليا 46,3 ملياراً، وإسبانيا 31,4 ملياراً، وهولندا 14,8 ملياراً، وبلجيكا 9,1 مليارات، والنسما 7,2 مليارات، وفنلندا 4,7 مليارات، والبرتغال 2,7 مليارين، وسلوفاكيا 2,1 مليارين، و4,6 مليارات يورو من 7 دول مختلفة هي إيرلندا وسلوفينيا ولوكسمبورغ وإستونيا ولاتفيا وقبرص ومالطا.
ومن البيانات الرسمية أيضاً، يتبين من توزيع الدائنين أن «صندوق النقد الأوروبي» بمساهمات أعضائه المذكورين آنفاً، يأتي في طليعة مقرضي اليونان بمبلغ 130,9 مليار يورو، تليه القروض الثنائية بقيمة 52,9 ملياراً، والمصرف المركزي الأوروبي (ضمن برنامج تارغيت-2) 41,5 ملياراً، والمركزي الأوروبي (عبر برنامج سوق الأوراق المالية) 19,9 ملياراً.
من خارج الآليات الأوروبية الأربعة هذه، يتصدر صندوق النقد الدولي المقرضين الدوليين بمبلغ 18,2 مليار يورو، وهذا ما يُفسّر أيضاً تشدّد الصندوق وعدم تساهله في المفاوضات التي وصلت إلى حائط مسدود مع الحكومة اليونانية اليسارية، لتذهب الأمور إلى الحسم في القمة الأوروبية مساء اليوم الإثنين.
كما تتوزع 49,3 مليار يورو متبقية على مصادر مختلفة، ليصل مجموع الديون المترتبة على الدولة اليونانية حتى 31 آذار الماضي إلى 312,7 مليار يورو.
وتُعدّ العلاقة مع دافعي الضرائب مسألة بالغة الحساسية بالنسبة لألمانيا. بالتالي، فإن تشدّد المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ووزير ماليتها الصارم فولفغانغ شويبله قد يفسّره إلى حد كبير هذا البُعد المرتبط بكسب الرأي العام، الذي يرى في سياسة حكومته الحازمة دفاعاً عن مصالحه وعن الأموال التي تقتطعها الدولة من راتبه كل شهر في سبيل تأمين العيش الكريم لمواطنيها. وفي تصريح له عشية القمة، أصر شيوبله على قيام أثينا بإصلاحات اقتصادية. وقال مشيرا إلى أيرلندا والبرتغال وقبرص واسبانيا «نجحت سياستنا لتحقيق الاستقرار في الأعوام الماضية في دول أوروبية لم تتفق فقط على إصلاحات وإنما قامت أيضا بتنفيذها.»وأضاف أن ذلك يمكن أن يحدث في اليونان «مادامت هناك إصلاحات قيد التطبيق«.
تجدر الإشارة إلى أن حصة ضمانات القروض الألمانية الممنوحة لليونان والبالغة 69,5 مليار يورو تشكل 27 في المئة من عائدات الضرائب الشخصية التي جنتها السلطات الألمانية من مواطنيها على الدخل والأرباح والمكاسب، والبالغة 256,82 مليار يورو على مدى سنة 2014، بما يشكل 26 في المئة من مجموع حاصلات الضرائب الألمانية التي سجلت 1002 ملياري يورو، وفقاً لإحصاءات مركز سياسة الضرائب وإدارتها التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ومع أن احتمال الإفلاس يلحق ضرراً بالجهات الدائنة، إلا أن أكبر المتضررين على الإطلاق سيكون طبعاً اليونان نفسها، بكافة قطاعاتها وشرائحها الاجتماعية، لا سيما الطبقات الفقيرة. وبالتالي فإن إنقاذ هذا البلد يخدم كل الأطراف اقتصادياً وسياسياً، بينما تركه لقدره عاجزاً عن الاستمرار سيُفضي إلى نتائج وخيمة سواء بالنسبة لأثينا أو لكل محيطها المأزوم بسبب الركود وشح السيولة. فأيُّ هذين المسارين ستتبنّى القمة الأوروبية اليوم؟
تسيبراس والاقتراحات
وفي تطورات الامس (ا ف ب)، قدم رئيس الوزراء اليوناني الكسيس تسيبراس المقترحات اليونانية «بهدف التوصل الى اتفاق يرضي الطرفين« خلال محادثات هاتفية مع ميركل وهولاند ورئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر، وفق بيان لاجهزة تسيبراس. واشار البيان الى ان هذا الاتفاق «يجب ان يقدم حلا نهائيا وليس مؤقتا« للمسألة اليونانية، من دون تحديد ما اذا كانت المقترحات جديدة، كما يتمنى دائنو اليونان (الاتحاد الاوروبي والمصرف المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي) قبل قمة حاسمة لمنطقة اليورو مساء اليوم الاثنين. اضافت اجهزة رئيس الوزراء اليوناني ان تسيبراس سيتوجه مساء الاحد الى بروكسل. وبحسب مصدر اوروبي فانه قد التقى فعلا يونكر السبت.
ووفقا لمصدر حكومي يوناني، سيرافق تسيبراس الى بروكسل الوزير المكلف بتنسيق المحادثات مع الدائنين اقليدس تساكالوتوس للتحضير للمناقشات اليوم.
بالمقابل، قال وزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس إن حكومة بلاده تعتقد في إمكانية التوصل إلى اتفاق مع دائنيها وذلك بعد اجتماعات على مدى نحو 8 ساعات للإعداد لمقترحات قبيل قمة للزعماء الأوروبيين اليوم.
وقال فاروفاكيس عندما سأله الصحافيون إن كان واثقا من إمكان التوصل إلى اتفاق «دائما.. نحن نتجه صوب اتفاق«.
من جهته، اعلن وزير الدولة اليوناني نيكوس باباس ان اثينا لا ترغب في استمرار مساعدة صندوق النقد الدولي لها الى جانب الاتحاد الاوروبي والمصرف المركزي الاوروبي. وقال باباس احد المسؤولين عن ملف المفاوضات مع دائني اثينا والمقرب من رئيس الوزراء الكسيس تسيبراس لصحيفة «ايثنوس« «لست من الذين يعتقدون ان صندوق النقد الدولي لا يفترض ان يكون في اوروبا، وامل ان نتوصل الى حل بدون مشاركته«.