IMLebanon

دمشق أولاً ثم حمص والأسد قبل نهاية 2016!

fighter-in-syrian-opposition

كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:

إلى أين سيلجأ الرئيس بشّار الأسد؟ البعض في المعارضة السورية يبدو واثقاً في أنّ الأسد سيسقط حتماً. ومِنهم مَن يحدِّد المواعيد لذلك: نهايات 2016. وثمّة روزنامة وخطط عسكرية عدة، تعلن عنها أجنحة وقوى معارضة، على اختلاف توجهاتها، وتلتقي على هذا الهدف. ولكن، هل إنّ خطة إسقاط الأسد قابلة للتحقُّق، وفي عبارة أخرى، ما هي الظروف والمعطيات التي يصبح فيها مُتاحاً إسقاط الأسد؟

تكشف بعض الأوساط المعارضة، وبينها المعارض السوري كمال اللبواني، أنّ معركة العاصمة دمشق ستنطلق نهاية العام الجاري أو مطلع العام 2016. ففي الروزنامة، إسقاط دمشق سيسبق معركة حمص، مع أنّ الأهمية الاستراتيجية التي تكتسبها حمص كان يمكن أن تجعل معركتها سابقةً لمعركة العاصمة.

فحمص هي الجسر الذي يربط بين معقل النظام ودمشق، وإذا جرى قطعه تسقط دمشق سريعاً وتتغيَّر المعادلات العسكرية. ولكن، على ما تشرح الأوساط المعارضة، سيتمّ التركيز على دمشق أولاً لأنّ إيران تضع كلَّ ثقلها العسكري في حمص، وسيكون صعباً إسقاطها حالياً، والأفضل تركها إلى ما بعد التفرُّغ من العاصمة.

وبعد إسقاط حمص- وفق ما يرشح من المعارضة- تكون المعطيات قد نضجت لإسقاط الأسد تماماً، أيْ في معقله الساحلي. وفي تقدير بعض المعارضة أنّ ذلك سيكون في نهايات العام 2016.

المحلِّلون يعلّقون على هذا الكلام بالقول: يكفي أن تسقط العاصمة ليكون النظام قد سقط. وفي بعض السيناريوهات أنّ الأسد سيختار الانتقال إلى معقله الساحلي فوراً، إذا فَقَدَ السيطرة على دمشق. فكلُّ شيء جاهز لتوفير انتقال ناجح للسلطة إلى الحضن العَلَوي. ومن هناك، سيدير معركة محدودة الأطر الجغرافية. فهي لن تتجاوز حدود الساحل وربما حمص.

ولكن، في المعنى السياسي، إذا سقطت العاصمة يسقط النظام من دون أن يسقط الأسد. أيْ: تسقط هيكلية الدولة الأسدية على سوريا كسلطة مركزية، لكنّ الأسد يبقى واحداً من قادة النزاع السوري الكثُر.

وعلى الأقل، يبقى بصفته قائد العلويين، على ما أمكن من مساحة جغرافية. لكنه سيحتفظ، حتى اللحظات الأخيرة من الصراع، بشرعية استمراره رئيساً للدولة السورية في نظر حلفائه الإقليميين والدوليين. وهكذا، سيكون الأسد حتماً جزءاً من الحلّ النهائي في سوريا، إذا قُدِّر لهذا الحل أن يرى النور.

لكنّ المعارضة تستاء من هذه الفرضيات، وتقول: لقد خرج العقيد معمر القذافي من طرابلس إلى بني وليد ثم بدأ يتدبَّر اختباءه بين مدينة وأخرى، حيث كان يأمل في أن يكون في أيدٍ آمنة. لكنّ ثوار ليبيا وصلوا إليه أخيراً. وإذا غادر الأسد إلى الساحل، فسنلاحقه هناك.

لكنّ بعض المتابعين يعتقد أنّ سيناريو إسقاط الأسد كنظام في دمشق سيعني سقوطه أيضاً كقائد لطائفته. وثمّة مَن يتحدث عن احتمال مغادرة الأسد إلى الخارج ليبتعد عن مسرح القتال، فيُتاح المجال لولادة زعامة علوية جديدة تأخذ على عاتقها متابعة المعركة عسكرياً وسياسياً للدفاع عن الدويلة الوليدة، شأنها شأن الزعامات السنّية والكردية، وربما الدرزية.

وهذا السيناريو يستوحي النموذج العراقي الذي اقتضى إزاحة الرئيس صدّام حسين، السنّي، جسدياً عن رأس النظام ليتفكك العراق وتنشأ الدويلات. وقد يتمّ إبعاد الأسد عن سوريا لتنشأ الدويلات فيها، علماً أنّ خطوطها العريضة باتت واضحة على الأرض ولا ينقصها إلّا التفاصيل. ولا تبدو في البيئة العلوية ملامح قيادة جديدة حتى الآن، ولكنّ ذلك يصبح وارداً في أيّ لحظة، إذا توافرت التغطية الخارجية.

لذلك، يجري التداول في الأوساط المعارضة عن أمكنة في الخارج قد يتوجَّه إليها الأسد في حال سقوط دمشق، وهي في الدرجة الأولى طهران ثمّ موسكو. وتردَّد أنّ قمة الدول السبع التي عقدت في ألمانيا أخيراً ناقشت خيار لجوء الأسد إلى روسيا، في إطار تسوية سياسية.

ويطرح البعض أسماء عواصم أوروبية عدة قد يلجأ الأسد إليها. ولكن، أيّاً تكن الدولة التي ستحتضن الأسد، بما في ذلك إيران وروسيا، فإنها ستتحمّل تبعات الإستضافة، بما في ذلك احتمال ملاحقته قضائياً بتهمة ارتكاب جرائم حرب. ومن هنا حديث البعض عن احتمال لجوء الأسد إلى إحدى دول أميركا اللاتينية.

ولكن، تجدر إعادة طرح السؤال الأساسي: هل الأسد فعلاً في وارد السقوط وفقاً لما يشتهي أعداؤه أم إنّ السيناريو السوري مختلف عن السيناريوهات الإقليمية السابقة؟

في العديد من الأوساط اعتقادٌ بأنّ الأسد ليس في وارد السقوط كقائد لمنطقته وطائفته. فهناك خصوصية في النموذج السوري هي الآتية: العَلَويون في سوريا أقلية صغيرة جداً، وقد يؤدي التفريط بالقوة التي يتمتع بها الأسد إلى تعذُّر صمود الطائفة في مناطقها. وهذا النموذج يختلف عن النموذج العراقي حيث السنّة يمتلكون القوة، واستطاعوا بالانفتاح على سوريا ودعم الخليج العربي، أن يثبتوا قدراتهم في مناطقهم بعد إبعاد السنّي صدّام حسين عن السلطة المركزية.

وفي أيّ حال، روزنامة المعارضة السورية تحقَّق منها جزءٌ كبير. فهي تسيطر على نحو 75% من الأراضي السورية. لكنّ غالبية المناطق السورية الاستراتيجية، أيْ العاصمة والمدن الأساسية والمنفذ على البحر ما زالت في يد النظام. كما أنّ «داعش» التي تسيطر على 50% من الأرض السورية تحوم حولها شكوك في العمل، كلياً أو جزئياً، خلف الستارة لمصلحة النظام وتقسيم سوريا.

والأرجح أنّ سوريا والعراق ذاهبان معاً في اتجاه التقاسم بين طوائف وجماعات: سُنّة «داعش»، سُنّة «النصرة»، الشيعة، العَلَويون، الأكراد، الدروز. وسينعكس ذلك حتماً على لبنان. وتشكو المعارضة السورية من حملة تطهير عرقي ينفِّذها الأكراد في المناطق التي يسيطرون عليها، في الشريط المحاذي لتركيا. أمّا في الجنوب فمحاولاتٌ مثيرة لتسوية الوضع الدرزي، ضمن تفاهم متعدِّد الأقطاب: إسرائيل، «النصرة»، الأردن والسعودية.

وللإسرائيليين دورٌ أساس في رسم مسار الأحداث في سوريا كلها، لا في الجنوب وحده. فالأسد لم يسقط حتى اليوم لأنّ هناك إرادة إقليمية- دولية، وإسرائيلية خصوصاً، لإستمراره. فهو حتى إشعار آخر حاجةٌ لاستمرار النزاع هناك. ولا تبدو إدارة الرئيس باراك أوباما مستعجلة لإسقاط الأسد، إكراماً لإسرائيل.

والموقف الأميركي المُعلَن هو أنّ إسقاط الأسد يجب أن يتمّ بعد القضاء على «داعش» والحصول على ضمانات بأنّ سوريا الجديدة لن تكون ليبيا أخرى، أيْ ستتم إدارتها في شكل متوازن ومستقرّ وتُراعى فيها الأقليات. ويعلِّق البعض كاريكاتورياً على الموقف الأميركي بالقول: إذا كانت سوريا تتّجه إلى هذا النعيم… فسيّان إذا بقي الأسد أو رحل!

وقبل أيام، قال وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، في جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي «نريد انتقالاً للسلطة لا يكون فيه الأسد الذي بات سقوطه ممكناً بعدما ضعفت قواته الى حدّ كبير، وتزداد عزلتها في منطقة دمشق والمنطقة ذات الغالبية العلوية. وسيكون انسحابه بنفسه أفضل للسوريين، في موازاة تشكيل حكومة قوامها المعارضة المعتدلة».

لكنّ كارتر يشكّك في القضاء على «داعش» في العراق وسوريا: «كنا نأمل في تدريب 24 ألفاً من قوات الأمن العراقية في حلول الخريف لإسقاط «داعش»، لكننا تلقينا طلبات من 9 آلاف فقط حتى الآن. فكيف نحارب «داعش»؟ وأمّا في سوريا، فالبرنامج الأميركي لتدريب مقاتلين ضدّ «داعش»، تمهيداً لإسقاط النظام، فيمتدُّ إلى سنوات…

وفي أيّ حال، إنّ محاولة إسقاط الأسد عسكرياً أغرقت سوريا في الحرب الأهلية، فيما تبدو صعبةٌ فكرة إسقاطه «على البارد» من خلال انقلاب يقوم به بعض الضباط في دمشق. فالإيرانيون والروس يُمسكون جيداً بالمفاصل. ويكفي التأمُّل بالانتحارات والوفيات المفاجئة لبعض الضباط الكبار، وآخرهم رستم غزالي.

إذاً، هل يتحقق برنامج المعارضة لإسقاط الأسد في غضون 18 شهراً؟

المعطيات العسكرية التي طرأت في العامَين الأخيرين لمصلحة القوى المعارضة تسمح لها بالتفاؤل: بروز «داعش» وتوسُّعها، تعويم المعارضة المعتدلة وتحالفها مع «جبهة النصرة» وتمدُّدها شمالاً وجنوباً… ولكن، حتى اليوم، لا تبدو ملامح تفسّخات في المنطقة الممتدة من الساحل إلى دمشق مروراً بحمص.

لو كانت اللعبة في سوريا دائرة بلا ضوابط لكانت كلُّ الاحتمالات واردة. ولكنّ مناطق النفوذ هناك موزَّعة في شكل مدروس ومقصود إقليمياً ودولياً، بهدف التأسيس لتقسيم سوريا. ولذلك، إنّ طموح المعارضة إلى إسقاط الساحل السوري سيكون مستحيلاً، وستكون دمشق وحمص خاضعتَين للتجاذب ولعبة المقايضات الكبرى.

فقد تتحقق شهوة أعداء «النظام» بسقوطه عن «سوريا الكبرى»، وتتحقق شهوة حلفاء النظام ببقائه في «سوريا الصغرى». هذه هي قواعد اللعبة على الأرجح، وهي ممسوكة جيداً.