IMLebanon

قانون الإيجارات: الحسم… يا مجلس النوّاب

Parliament

 

 

كتبت المحامية رولا ايليا في “الجمهورية”

 

لا يختلف اثنان على اعتبار أنّ المشرّع اللبناني لم يستطِع بعدَ طولِ انتظار أن يأتيَ بقانون إيجارات يرضي طرفَي النزاع ويَحسم السِجال القائم منذ سنوات بعيدة بين المالك والمستأجر ويرَمِّم الهوّة بينهما.

ففي حين رحّبَ المالكون بهذا القانون واعتبروه بدايةً في إعادة الحق إلى أصحابه بعد سنوات طويلة من الحرمان والغبن، اعتبَر المستأجرون القدامى أنّ هذا القانون هو أشبَه بعملية طردِهم إلى الشارع وأنّه ألغى حقوقاً مكتسَبة، ليس لناحية رفعِه بدلات الإيجار وحسب، إنّما لناحية إلغائه تعويضَ الإخلاء.

لكنّ هذا الالتباس، على أهمّيته، يبدو قابلاً للتجاوز أمام الإشكالية الحقيقية التي خَلّفَها هذا القانون، خصوصاً بعد إبطال المجلس الدستوري للمواد 7 و 13 والفقرة ب من المادة 18 منه، وهي تلك المتعلقة باللجنة المختصة بالبَتّ في النزاعات بشأن بدلِ المثل، وإطاحته باللجان والتحكيم والصندوق، فهذه الإشكالية طرَحت مسألة «نفاذ القانون» بحدّ ذاته أو عدمه، وامتدّت الى ضرورة تحديد المرجعية القضائية التي يفترض ان تقام أمامها الدعاوى، ولم تنتهِ مع الالتباس الحاصل حول النصوص الواجبةِ التطبيق على الدعاوى العالقة أمام المحاكم قبل صدوره. وأمام هذا الواقع، تجد قضاة الإيجارات اليوم أمام مهمّة حرجة للقيام بما لم يقم به مجلس النواب وسَدّ الثغرات التي خَلفها المشرّع.

أمّا التحَدّيات التي يواجهها القضاة الناظرون بقضايا الإيجارات فيمكن تلخيصها على النحو التالي:

كيف يتعاطى القضاة مع الإبطال الجزئي للقانون، وهل من شأنهم التأثير على القانون برُمّته بعد اعتبار «تجَمّع المستأجرين» أنّ القانون برُمّتِه أصبحَ غيرَ نافذ، كذلك هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل حين اعتبرَت أنّ المواد 3 إلى 37 من القانون عينِه غير قابلة للتطبيق – عِلماً أنّ الرأيَين لا يلزمان القضاء ؟

كيف يفهم القضاة الإلتباس الحاصلَ حول «النصوص الواجبة التطبيق على الدعاوى المرفوعة قبل صدوره والتي لا تزال عالقةً أمام المحاكم»؟ ففي حين نَصَّت المادة 22 فقرة «د» على تطبيق أحكام القانون الجديد على دعاوى الإسترداد العالقة التي لم يصدر بها قرار مبرَم قبل تاريخ نفاذه، نصَّت المادة 55 منه على إبقاء الدعاوى المقامة قبل تاريخ العمل به خاضعةً لأحكام القوانين التي أقيمت في ظلّها.

– هل سيَجد القضاة مخرجاً لتحاشي أحكامٍ قضائيةً متناقضة بعدم البَتّ في دعاوى الإيجارات المقامة أمامهم واستئخار النظر فيها إلى حين بَتّ المجلس النيابي بالتعديلات التي أوجبَها قرار المجلس الدستوري، وهذا كان توَجُّه البعض منهم؟ أم أنّه سيَأخذ على عاتقه البَتَّ بالدعاوى المقدّمة إليه، انطلاقاً من المبدأ القانوني السائد «أن لا رأياً ملزماً للقاضي يجبرُه على استئخار النظر بالدعاوى» وهذا خيارُ البعض الآخر ؟

هل سيَجد القاضي المنفرد الناظر بقضايا الإيجارات نفسَه مضطرّاً إلى أن يُحلّ نفسَه مكان اللجنة التي أبطلَها المجلس الدستوري؟ مع العِلم أنّ نيّة المشَرّع كانت واضحة في إخراج هذه الصلاحية من القاضي المنفرد وجَعلِها من صلاحية لجنة «ذات صفة قضائية» وكان المجلس الدستوري قد أبطلَها.

وهل يكون القاضي المنفرد بذلك قد أحَلَّ نفسَه مكان المجلس النيابي وأعطى نفسَه صلاحيات لجنة مبطَلة من قبَل المجلس الدستوري؟

هذا وتجدرُ الإشارة إلى أنّه وعلى الضّفة الأخرى، يلوّح بعض المحامين بتعطيل القانون قانوناً في قاعات المحاكم إذا بقيَ الوضع القائم على ما هو عليه.

أمام كلّ هذه الأسئلة المحِقّة قد يكون السؤال الحقيقي في مكان آخر. «مَن يقف وراء هذا القانون؟» سؤال ربّما يَجد مكانَه الطبيعي في ظلّ اعتبار عددٍ كبير من المواطنين أنّ هناك قوّةً ضاغطة وراء هذا القانون وأنّ تمريرَه سيعود عليها بالمليارات، فضلاً عن المصالح العائدة لبعض الشخصيات السياسية النافذة التي تقف وراء هذا القانون.. فهل ستثبِت الأيام المقبلة هذا الأمر؟

… وهل سيتبيّن أنّ «خارطة الطريق لتدمير لبنان رُسِمت بقانون الإيجار الجديد»، على حدّ تعبير أحد الزملاء المحامين؟ الجواب برَسم المجلس النيابي بوَصفِه السلطة التشريعية ليتحمّلَ مسؤوليتَه في حسمِ الالتباس الحاصل وترميم الثغرات القانونية لامتصاص النقمة والإتيان بقانون واضح المعالم يرضي المالكَ والمستأجر على حدّ سواء.