IMLebanon

اقتصاد الجزائر في صلب التجاذبات السياسية

AlgeriaEcon2
سمير صبح
برزت في شكل مفاجئ على الساحة الجزائرية، وفي التوقيت ذاته تقريباً، سلسلة فضائح اقتصادية بقيت لسنوات خلت في أدراج السلطة. ورأى رئيس الوزراء السابق علي بن فليس أن هذا الأمر ليس إلا انعكاساً للخلافات الجدية السائدة منذ أشهر داخل مركز القرار حول خلافة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، والمقصود هنا أجنحة النظام المؤلفة من رئاسة الجمهورية، والجيش بقيادة الفريق أحمد قايد صالح، وإدارة الاستخبارات والأمن بقيادة الجنرال محمد مدين.
يشار إلى أن التعديل الوزاري المفاجئ أخيراً يشكل وفق مراقبين جزءاً من هذه التجاذبات الحاصلة، وبالتالي يهدف هذا التعديل إلى زيادة خلط الأوراق وإرباك التحالفات التي بدأت ترتسم لكن الأمر الذي فاجأ الجميع في شكلٍ كبير هو الذهاب المفاجئ لوزير الطاقة والمناجم يوسف يوسفي، الذي لم يرتكب أي خطأ منذ توليه مهامه.
ليس من قبيل الصدفة أن أهم الملفات الاقتصادية وأخطرها قفز في آنٍ إلى الواجهة سواء فضيحة سرقة الأموال وسوء الإدارة في الشركة الوطنية للطاقة «سوناطراك» والتي أطاحت بالعديد من الرؤوس الكبيرة في هذه المؤسسة، أو «أم الفضائح» أي الملف العائد لرجل الأعمال عبدالمؤمن خليفة الذي لم تتمكن السلطات الجزائرية من استعادته من بريطانيا إلا بعد 10 سنين على المطالبة بتسليمه، وهو الذي أسس بين ليلة وضحاها العديد من الشركات الخاصة على غرار شركة الطيران والمصرف والقناة التلفزيونية التي تحمل كلها اسمه وتجاوزت نشاطاتها شركات القطاع العام بوقتٍ قياسي.
وطرح أمام القضاء ملف فضيحة بناء الطريق الذي يربط الشرق بالغرب والذي كلف الخزينة نحو 13 بليون دولار مع كل ما حمله هذا المشروع من تأخيرٍ في التسليم واتهام الوزير المختص ومدير مكتبه بالحصول على عمولاتٍ كبيرة. أخيراً وليس آخراً ملف اتهام خليل أحد أعضاء من تبقى مما يسمى بمجموعة «وجدة» نسبة إلى مدينة وجدة المغربية والذي يعتبر بوتفليقة أحد أعمدتها، بأنه كان يعطي الأفضلية لشركات نفطية أميركية وغربية على ارتباط وثيق بها.
المقلق في كل ما يحصل اليوم هو الخيار الصعب المترتب على خفض سعر صرف الدينار الجزائري نتيجة الهبوط الحاد لأسعار النفط، إذ لم يعد أمام حكومة رئيس الوزراء عبدالمالك سلال المتأرجحة إلا زيادة أسعار المحروقات، إذا أرادت تجنب الكأس المرة المتعلقة بخفض سعر صرف الدينار. ففي سنة تدنى السعر في شكل أحرج الجميع، إذ ارتفع سعر صرف اليورو من 79 ديناراً مقابل الدولار في أيار (مايو) 2014 إلى 92.7 دينار في أيار 2015 ولم يتبق أمام المصرف المركزي الجزائري الذي كان يتدخل على الدوام في أيام البحبوحة لإحداث التوازن المطلوب، خيار سوى بين خفض الواردات وبالتالي إفقار العائلات أو تركها تستهلك كالعادة أياً كانت الانعكاسات السلبية على الموازنة.
وحاول حاكم المصرف المركزي محمد لكساسي تفسير التطورات التي تشهدها سوق المال الجزائرية على أنها بداية جيدة لتطوير السوق وتحسين صورتها. لكنّ المحللين وضعوا إثارة مسألة السوق المالية في خانة التجاذبات السائدة في قمة السلطة ودليلهم على ذلك التصريح الذي أدلى به في 9 أيار الماضي رئيس لجنة تنظيم ومراقبة العمليات في البورصة محمد برّاح خلال حلقة دراسية مخصصة لخبراء المحاسبة.
وينبغي التذكير بأن العادة جرت أن تكون اجتماعات اللجنة ضيقة جداً وتخلو من الخبراء الأجانب وحتى من الإعلاميين. الحال لن تكون كذلك في المرة الأخيرة، وفاجأت الجميع عبارات براح الذي قال أن الشركات الجزائرية، خصوصاً الحكومية منها، ليست مستعدة لدخول البورصة، على رغم ضرورة اللجوء إلى هذا المخرج للحصول على احتياجاتها المالية من دون اللجوء إلى الخزينة العامة.
واعتبر رئيس الوزراء السابق الخبير السابق في البنك الدولي أحمد بن بيتور هذا الموقف «الجريء» لأحد كبار الموظفين مثل براح بمثابة فتح ملف مالي جديد يضاف إلى الملفات الاقتصادية الساخنة المطروحة أمام القضاء ودليل إضافي على الحرب غير المباشرة الدائرة بين مختلف أجنحة النظام، لكن في الوقت ذاته تجنب مستشارو رئيس وزراء حكومة «الإصلاحيين» مولود حمروش التعليق على ما يجري، ربما لأن ترشيحه للانتخابات الرئاسية المقبلة يفرض ذلك.
على أي حال مع تصريح براح أو من دونه، ستبقى بورصة الجزائر على حالها من التردي لوقت طويل فهذه الأداة المالية لا تتضمن سوى أربع شركات مسجلة في ردهتها وليس لذلك إلا تفسير واحد وهو أن لا قرار سياسياً بتطويرها. وإذا كان الأمر على عكس ذلك فكيف يمكن تفسير حجم قيمتها السوقية (15 بليون دينار أو 153 مليون دولار) في اقتصاد يبلغ حجمه 18 تريليون دينار؟