إبراهيم عواضة
بلغت أزمة قطاعات الاقتصاد الحقيقي في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2015 «الذروة» على مستوى التراجع والتأزيم، ذلك على خلفية ارتفاع منسوب التجاذبات السياسية في الداخل اللبناني، والتي أفضت إلى شلّ عمل المؤسسات الدستورية.
ونال القطاع التجاري وبحسب رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس حصة الأسد من حجم التراجع، وتالياً الضرر الذي لحق بمختلف القطاعات الاقتصادية، إلى حدّ قول شماس «ان الأزمة التي يُعاني منها القطاع التجاري اليوم، هي أزمة غير مسبوقة منذ أيام الحرب الأهلية اللبنانية».
«اللواء» التقت رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس وكان لها معه الحوار الآتي:
عن وضع الاقتصاد بشكل عام، ووضع القطاع التجاري بشكل خاص اليوم, يقول شماس: لا نبالغ في القول ان الاقتصاد اللبناني يعيش في هذه الفترة اصعب أوقاته، إذ ان التعطيل الذي يطال المؤسسات الدستورية بدءاً برئاسة الجمهورية، مروراً بمجلس النواب، وصولاً إلى الحكومة ينسحب أيضاً على الوضع الاقتصادي. في علم الاقتصاد هناك مؤشر أساسي هو «التوقعات» للاعبين الاقتصاديين، أكان هؤلاء اللاعبين الأسد أو المؤسسات، عندما يرى اللاعبون ان التوقعات السياسية والأمنية والإدارية غير مشجعة، هذه التوقعات تنعكس مباشرة على «سلوكهم» على مستوى الاقتصاد، في المحصلة مثل هذا الواقع يؤدي إلى الاستنتاج بأن الوضع المؤسساتي ليس بخير، وتالياً الوضع الاقتصادي هو الآخر ليس بخير. أما لناحية القدرة الشرائية للبنانيين فهي في تراجع بسبب ضعف النمو، أو بسبب استبدال قوى عاملة لبنانية بأخرى أجنبية. أضف إلى هذين العنصرين المؤثرين في اضعاف الوضع الاقتصادي عامة والتجاري خصوصاً عنصراً ثالثاً يتمثل في غياب الزوار العرب عن لبنان.. كل هذه الأسباب تؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية لغالبية اللبنانيين، وتالياً تتسبب في اضعاف الوضع التجاري. مع الإشارة إلى انه وأن توافرت القدرة الشرائية عند بعض الشرائح اللبنانية، فإن الأخيرة لن تقدّم على الانفاق بسبب الضبابية التي تحدثنا عنها، فعندها «يتعكر» مزاج المستهلك فإن الأمر ينعكس مباشرة على الدورة التجارية.
ويتابع شماس: منذ سنة الوضع الأمني مستتب إلى حدّ بعيد بإستثناء ما تشهده الحدود الشرقية، كان بإمكان الاقتصاد اللبناني أن يستفيد من هذا الأمر، إنما وبسبب الانتكاسة السياسية والدستورية فوّتنا فرصة سانحة. ولا بدّ من توجيه تحية إلى الجيش اللبناني وإلى كل الأجهزة الأمنية على الجهود الكبيرة الذي بذلته من أجل إطفاء الحرائق الأمنية المتنقلة.
وعن المطلوب لوقف الانهيار الاقتصادي يقول شماس: ان ما يحمي البلد اليوم وجود الحكومة، وثانياً الحوار الدائر بين تيّار المستقبل وحزب الله، اليوم ومع الأسف البلد «جسم بلا روح» الأمن مستتب، إنما الاقتصاد يتآكل من داخله. المؤشرات الكليّة والجزئية للاقتصاد اللبناني كلها تُشير إلى وجود تباطؤ في النشاط الاقتصادي العام. المحرّك الوحيد اليوم للاقتصاد هي السيولة التي يضخّها مصرف لبنان، عدا عن ذلك الصادرات تراجعت، الاستثمار غير موجود، الموازنة مغيّبة منذ 10 سنوات، حتى ان مشروع قانون موازنة العام 2015 خصص نسبة متدنية للاستثمار (8٪) وحصة الأسد من هذه النسبة تذهب إلى صيانة البنية التحتية الموجودة، إذاً نحن بحاجة إلى «نفضة» عمرانية تطال البنية التحتية المترهلة التي لم تتطوّر منذ أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ان إعادة تطوير البنى التحتية هو أيضاً محرك أساسي للاقتصاد. وهنا لا بدّ من الاضاءة مجدداً على موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وأهمية هذه الشراكة لناحية إعادة بناء البنية التحتية حيث ان الدولة عاجزة عن تنفيذ هذه العملية، في حين ان السيولة المتوافرة لدى القطاع الخاص، وتحديداً لدى القطاع المصرفي جاهزة لهذه العملية، شرط أن تكون الإدارة سليمة، وشرط أن توضع ضوابط قانونية حتى نتفادى أخطاء الماضي.
على العموم، وفي مواجهة هذه الأزمة الاقتصادية الأصعب منذ أكثر من 20 سنة لا بدّ أولاً من انتخاب رئيس للبلاد، هذا الموضوع لم يعد شعاراً، إنما المسألة باتت ملحّة وأساسية، رئيس البلاد يعني رمز وحدة الوطن، ورمز الدولة ورمز الاستقرار، وتالياً ان في استمرار تغييب الرئيس إشارات سلبية باتجاه استمرار تعريض البلاد إلى المخاطر، رئيس الجمهورية هو الرابط بين المؤسسات، بوجوده تعود الحياة السياسية إلى الانتظام فتتشكّل حكومة جديدة وننتهي من حكومة كل وزير «هو رئيس»، ويصار إلى إجراء انتخابات نيابية على أساس قانون جديد ما يفسح في المجال أمام ضخ دماء جديدة في شرايين الطبقة السياسية.
ليس بالإمكان وضع «العجلة قبل الحصان»، الحصان دائماً يأتي قبل العجلة. الحصان هو انتخاب الرئيس وبعدها تأتي الحلول الأخرى.
ويتابع شماس: نحن لا نطلب مساعدة أحد، نقول «اعطونا الاستقرار.. وخذوا ما يدهش العالم»، ان انعدام الاستقرار السياسي يمثل 90 في المئة من مشاكلنا، نقول للسياسيين: «لا تنخرطوا في الصراعات الاقليمية»، في المنطقة اليوم «تسونامي»، لا أحد يعرف متى ينتهي، لذا من الأفضل لنا أن نعمل على تحييد البلد سياسياً كما «حيّدنا» الوضع الأمني.