فاتن الحاج
لم تطرح «الهيئات الاقتصادية» أي عناوين لمساحة مشتركة مع الطرف الآخر من «المجتمع المنتج»، بحسب ما تسميه. هي تريد تفعيل العمل بالمؤسسات الدستورية من بوابة مصالحها وأرباحها فحسب، ولا تريد، في المقابل، أن تعترف بحقوق المعلمين والموظفين في سلسلة الرتب والرواتب وحقوق العمال في القطاع الخاص بتصحيح أجورهم وتحصينها، وهي ليست في وارد الإقرار بضرورة إدخال تعديلات جوهرية على النظام الضريبي القائم الذي يكافئ صاحب الثروة ويعاقب صاحب الأجر والرأسمالي المنتج.
فكل ما جاء في دعوتها إلى التجمع ظهر الخميس المقبل في «البيال» هو أنّه سيضم أوسع الشرائح الإنتاجية والعمالية والنقابية للضغط على القوى السياسية، بهدف الخروج من الشلل السياسي ومسار التعطيل بعد الفراغ الرئاسي.
عرّاب التحرك، رئيس مجلس إدارة ومدير عام شركة ABC النائب روبير فاضل نفسه، نفى في مقابلة مع المؤسسة اللبنانية للإرسال أن تكون الصرخة مطلبية من نوع «زودة معاشات» أو«تخفيف ضرائب»، كما أنّه لا يدّعي أنها ثورة أو مطالبة بتغيير الطبقة السياسية، بل «هي صرخة وجودية ضد الانتحار الجماعي»! على حد تعبيره. تهرّب فاضل من كل سؤال عن توقيت التحرّك وما إذا كان متزامناً مع تهديد مصالح أصحاب الرساميل بالقول إننا «فشلنا في تحييد لبنان عن الوضع الإقليمي، فلنحاول أن نحيّد الوضع المعيشي والاقتصادي عن السياسة، فنحن مصرون على أن تكون الكلمات الملقاة اقتصادية واجتماعية ومعيشية».
مجرد المشهد الجامع إنجاز كبير، هذا ما يُقرّه رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس في اتصال مع «الأخبار»، مشيراً إلى أننا «تمكنّا للمرة الأولى في التاريخ الاجتماعي من أن نجمع هذه الكوكبة من الشركاء الاجتماعيين والمهنيين والأهليين تحت مسمى المجتمع المنتج». ولفت إلى أنّ هذه الصورة لا تعني زوال القضايا الخلافية، إنما سنسعى مع باقي المكونات إلى توقيع وثيقة تتضمن تحريك المؤسسات الدستورية وإعادة تكوين السلطة بكل مرتكزاتها من رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة. وكشف شماس أنّ لقاءً سيعقد عند الرابعة من بعد ظهر اليوم في نقابة الأطباء لبلورة هذه الوثيقة، باعتبار أن مواجهة التعطيل مطلب يظلل كل الفرقاء ويتقدم على العناوين الجزئية مثل النمو الاقتصادي والأجر والغلاء والدخل والأرباح.
هل يحمل اللقاء أي طرح لتغيير السياسات الاقتصادية؟ يجيب شماس: «التجمع يطلق صرخة لبقاء الاقتصاد…أما عن أي اقتصاد نتحدث، فهذا يبحث في مرحلة لاحقة إذ ستكون هناك خطوات أخرى عالأكيد».
في المقابل، يطرح انضمام هيئة التنسيق النقابية إلى التجمع علامة استفهام كبيرة، وخصوصاً أنّها قدّمت نفسها على مدى ثلاث سنوات بوصفها الموقع النقابي البديل من الاتحاد العمّالي العام «المتماهي مع الهيئات الاقتصادية». فهل ستتراجع اليوم وتلتحق بهذا التحرك؟
معظم مكونات الهيئة قالت إنّها لم تكن تعلم بالنشاط، وقد قرأت اسم هيئة التنسيق النقابية في الدعوة في صحيفة «النهار»، ليتبين في ما بعد أنّ النائب فاضل توسط منذ نحو أسبوع لدى الوزير السابق زياد بارود للتواصل مع رئيس نقابة المعلمين نعمه محفوض، باعتبار أن بارود هو محامي النقابة، وقد أبدى محفوض موافقته على توسيع مروحة التشاور مع كل شرائح المجتمع اللبناني لإجبار الطبقة السياسية الحاكمة بكل أطيافها على التفكير بالناس المتضررين من تعطيل المؤسسات الدستورية، ومن بينها الهيئات الاقتصادية. الشرط الوحيد الذي يضعه محفوض هو عدم أخذ التجمع في اتجاه سياسي معين. في ما عدا ذلك، يقول لـ«الأخبار» إنّ «المصيبة تجمع، ونريد أن ننقذ البلد من الانهيار، وبعد ذلك نكون في خندق والهيئات الاقتصادية في خندق آخر». يؤكد أننا «لسنا مدعوين، بل داعين ومشاركين في اللقاء. وقد حصلت على الموافقة المبدئية من باقي مكونات هيئة التنسيق والتي ستكون نهائية بعد اجتماع نعقده عند الساعة الثانية من بعد ظهر غد الثلاثاء (اليوم). يذهب محفوض إلى أبعد من ذلك ليقول إنني سأحضر بصفتي الشخصية إذا قررت هيئة التنسيق عدم المشاركة.
سقف التحرك، بحسب رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر، يجب أن يكون ملامسة القضايا الجامعة، والسعي لتشكيل قوة ضغط تطالب تحالف القوى السياسية وكبار التجار وأصحاب الرساميل بتفعيل المؤسسات الدستورية. بالنسبة إليه المشاركة مشروطة بالعناوين التي سيطرحها التجمع، ومن هي القوى المنخرطة فيه، مشيراً إلى أننا «لا نُدعى كزوار، بل نحن أم الصبي وأول من أطلق هذه الصرخة وإن كنا منفتحين على كل المبادرات».
أما رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي عبدو خاطر ورئيس رابطة التعليم المهني والتقني الرسمي عبد برجاوي ورئيس رابطة التعليم الأساسي محمود أيوب فأوضحوا أنهم ليسوا معنيين بهذه الدعوة حتى الآن، وهم ينتظرون اجتماع اليوم ليبنوا على الشيء مقتضاه، وخصوصاً أن الهيئات الاقتصادية كانت ولا تزال ضد حقوق المعلمين والموظفين. النقابي حنا غريب طالب باسم التيار النقابي المستقل مكونات هيئة التنسيق النفابية بأن تكون وفية لجماهير 14 أيار وأن لا تلتحق بحيتان المال الذين وقفوا ضد أكبر تحرك نقابي ووطني، «إذ إنّ تجميع الناس لم يكن على عنوان سلسلة الرتب والرواتب فحسب، بل كان على عناوين السلم الأهلي ونبذ الفتنة المذهبية وتفعيل العمل بالمؤسسات الدستورية التي هي جزء لا يتجزأ وليست مفصولة عن بعضها، وعلى الهيئات الاقتصادية أن تعلن جهاراً أنّها مع حقوق المعلمين والموظفين في السلسلة».