كتب طوني أبي نجم
ما جرى عقب تسريب الفيلم المصوّر عن تعذيب الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية يأتي ضمن خطة واضحة المعالم بدأت تؤتي ثمارها.
ولمن خانته الذاكرة لا بد من تذكيره بأن “انتفاضة الاستقلال” إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قامت على مثلث مؤلف من المسيحيين والسنّة والدروز.
قبل الـ2005 عجز المسيحيون لوحدهم عن مواجهة نظام الوصاية السوري ودفعه الى الانسحاب.
يوم توحّد المسيحيون والسُنّة والدروز سياسياً في البريستول، وشعبياً في ساحة الشهداء في 14 آذار 2005، تمكنوا من تحقيق المعجزة المطلوبة فانكسر بشار الأسد في لبنان وانسحب جيشه ذليلاً.
بدأ الهجوم المضاد على القوى السيادية اعتباراً من الدعوة الملغومة الى الحوار في ساحة النجمة في آذار 2006، في محاولة مكشوفة للجم “ثورة الأرز”، قبل أن ينتقل “حزب الله” ومن خلفه النظام السوري الى الهجوم الفعلي اعتباراً من حرب تموز الـ2006، وصولا الى تحقيق أول إنجاز في ضرب الالتفاف الوطني حول “انتفاضة الاستقلال” عبر دفع الكتلة الدرزية الى التموضع بعيدا عن قوى 14 آذار اعتباراً من آب 2009.
خروج وليد جنبلاط من التحالف السيادي شكّل ضربة موجعة أفقدت قوى 14 آذار الأكثرية في مجلس النواب، لكنها لم تكن قاضية. بقيت الثنائية المسيحية – السنية تؤدي المطلوب في مواجهة “حزب الله” والمشاريع الأسدية – الإيرانية، ولو بالحد الأدنى. كان المطلوب مجدداً إحراج الشارع السني لإخراجه من المواجهة، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بضرب تيار “المستقبل”، رمز الاعتدال السني والشراكة الوطنية، وعزله عبر محاولة إظهاره عاجزاً عن المواجهة وخاضعاً لأجندة “حزب الله”. والأمثلة كثيرة بدءًا بالاغتيالات وتطويب المجرمين قديسين، واجتياح بيروت في 7 أيار 2008، وصولا الى الإطاحة بحكومة سعد الحريري، مروراً بكل قضية الموقوفين الإسلاميين.
ما علاقة فيديو تعذيب المساجين الإسلاميين بكل ما سبق؟ بكل بساطة شكّلت هذه الأفلام، والتي وصلت الى يد “حزب الله” منذ مدة بحسب كل المعلومات المتوافرة، مادة مثالية لمحاولة تحميل تيار “المستقبل” بشخص نهاد المشنوق المسؤولية الأدبية عن الاعتداء على الموقوفين الإسلاميين انطلاقاً من موقعه كوزير للداخلية، وتأليب الرأي العام السُنّي ضده. لا بل إن المقصود من الأفلام المسرّبة تحريض الشارع السني الذي شعر بالإهانة، ضد تيار المستقبل الذي يريدون تصويره “عاجزاً” عن حماية السُنّة في لبنان.
إن أسباب الغضب في الشارع السني مبررة ومنطقية جداً، لكن هذا الغضب لا تتم معالجته على الإطلاق باستقالة المشنوق. إن الشارع السنّي الذي صمد 10 أعوام منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لا يمكن أن يسمح اليوم لـ”حزب الله” بأن ينجح في مشروعه بضرب البيئة السنّية من داخلها ليلهيها عن مواجهة مشاريعه في لبنان والمنطقة.
كما أن الشارع السني الذي يخوض أشرس المواجهات السياسية مع “حزب الله” لا يمكن أن يقبل بنقل المواجهة لتصبح سنيّة – سنيّة أيا تكن الشعارات، ولن يقبل بأن يتحوّل من مواجهة حسن نصرالله ونعيم قاسم وجهاز أمن “حزب الله”، الى مواجهة نهاد المشنوق وأشرف ريفي و”شعبة المعلومات”!
الجميع يشهدون أن أشرف ريفي يشكل عنوان المواجهة الأبرز مع “حزب الله” منذ 10 أعوام وحتى اليوم، كما أن نهاد المشنوق يبقى من صقور تيار “المستقبل” مهما استدعت الظروف السياسية من مناورات، و”شعبة المعلومات” كانت وستبقى الجهاز الأمني اللبناني الصافي بانتمائه وعدم تبعيته لوفيق صفا.
اليوم، وبكل اختصار، الشارع السني مدعو الى إفشال مخططات “حزب الله” القاضية بضرب السنّة من داخل بيئتهم ودفعهم الى الخروج من مواجهة الحزب سيادياً ووطنياً وجرّهم الى مواجهات تحت عناوين مذهبية.
إن “حزب الله” الذي يشعر بقرب انهيار نظام بشار الأسد وخسارته معه، يسعى اليوم بكل الطرق الى إضعاف الشارع السني اللبناني للتقليل من وقع خسارة الحزب في سوريا. والمسؤولية الكبرى للسنّة تبقى في الالتفاف حول تيار “المستقبل”، وعدم التفريط بكل الإنجازات التي تحققت في مواجهة “حزب الله”، رغم التضحيات التي تُبذل… وتحديداً عشية سقوط بشار الأسد!