رأت صحيفة “المستقبل” أنه كل ما يمكن أن يُقال في وصف شريطَي الفيديو اللذين انتشرا قبل يومين على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، ويظهران قيام عناصر من قوى الأمن بتعذيب مساجين، محقٌ. وكل المطالب والمناشدات التي جاءت على ألسنة المواطنين والناشطين السياسيين بمعاقبة العناصر التي ظهرت في الفيديو وهي تقوم بأعمال تعذيب شنيعة وتطلق الشتائم بحق المساجين هي أكثر من محقة.
إلا أنه، وانطلاقاً من الأوضاع الأمنية والسياسية الداخلية والمحيطة في لبنان، لا بد من الإشارة الى أن ما حصل كان أكثر بكثير من عرض فيديو لتعذيب مساجين أو حملات تطالب بمعاقبة المسؤولين.
مصادر متابعة للملف رأت أنه كان المطلوب “أن يُقال للشارع السنّي إن خيار الاعتدال الذي اخترتموه بوقوفكم مع “تيار المستقبل” وخلف الرئيس سعد الحريري لم يجلب لكم شيئاً، وإن وزير الداخلية، أكثر المنادين بالاعتدال وأكثر المحاربين للتطرف لم يقدم لكم شيئاً سوى تعذيب مساجين إسلاميين”.
أضافت: “ومرة جديدة بائسة كانت الرسالة واضحة لمناصري تيار المستقبل: ليس أمامكم إلا داعش والنصرة… هي ليست المرة الأولى التي توجه هكذا رسائل الى هذا الشارع الذي ورغم كل التطرف المحيط به بقي محافظاً على سلميته ومدنيته ومتمسكاً بهما، لكن هذه المرة كانت الرسالة الأوضح والأكثر مباشرة وبالصوت والصورة”.
وأشارت المصادر إلى أن المطلوب أيضاً كان رسم الأسئلة حول شعبة المعلومات وعملها، وهو ما تنبّه له وزير الداخلية في مؤتمره الصحافي رافضاً أن تتم محاكمة قوى الأمن وشعبة المعلومات بسبب أخطاء فردية قامت بها بعض العناصر.
وعادت المصادر بالذاكرة إلى “أحداث عبرا بعد قيام أفراد من المؤسسة العسكرية بتعذيب موقوفين ووقتها وقف الجميع في وجه الإساءة الى المؤسسة بشكل عام وكان المطلوب معاقبة العناصر المرتكبة”. وذكّرت بالتشكيك بهذه الشعبة وبعناصرها يوصل الى أماكن كثيرة أبسطها التشكيك في التحقيق مع كل من فايز كرم وميشال سماحة وضرب الإنجازات التي قامت بها مؤسسة قوى الأمن الداخلي منذ عام 2005 الى اليوم. علماً أن القوة الضاربة من شعبة المعلومات والتي قامت بعملية سجن روميه هي نفسها التي تصدت لإرهابيين في لبنان كخالد حبلص واسامة منصور ووقتها أصيب أحد عناصرها بإصابة خطيرة.
كما ذكّرت بأن فريق الثامن من آذار عمل طوال السنوات الماضية على تحطيم وتهشيم صورة هذه المؤسسة واتهامها بأنها مؤسسة تابعة لتيار المستقبل، واليوم يُراد من استثمار هذا الفيديو القول إن هذه المؤسسة نفسها هي من تسيء الى الطائفة السنية، وكل هذا كان مطلوباً من وراء نشر مشاهد التعذيب البشعة وأكثر.
وأكدت “المستقبل” إنها المؤامرة المستمرة على البلد ومؤسساته وخيار الاعتدال، لكن أيضاً الاستثمار في الجريمة هو بحد ذاته جريمة..
صحيفة “الجمهورية” نقلت عن أوساط متابعة لهذا الملف توقفها عند الجهة التي نشرت الفيديو لكي تؤجِّج الرأي العام. وتقول الأوساط: “إنّ نشر هذه الجهة مقاطع التعذيب وعدم عرضه على وزير الداخلية نهاد المشنوق لإتخاذ الاجراءات المناسبة ضمن إطار المؤسسة، هدف الى استدراج الشارع نحو الفوضى، وما يؤكد ذلك هو مسارعة البعض الى تعميمه والبناء عليه لتحريض الشارع، ودفع الامور الى العراضة التي شاهدناها”.
وأضافت: “بدا الأمرُ بمثابة “مناورة” كبرى هدفت الى توجيه رسائل في كلّ إتجاه. خلالَ ساعتين من ليل أول أمس، كان المتشدِدون الإسلاميون قطعوا الطرق من الشمال الى الجنوب، ومن البقاع الى بيروت. في مشهدٍ أراد منه مطلقوه إجراءَ ما يمكن تسميته اختبار جهوزية. وبالتالي وضع الجيش والأجهزة الأمنية والقوى السياسية والحكومة أمام تحدّياتٍ خطيرة عنوانها المواجهة مع الشارع.
صحيفة “الأخبار” شنّت حملة على “تيار المستقبل” والرئيس سعد الحريري على خلفية أشرطة رومية، فاعتبرت أن “انتفاضة الشارع” على خلفية فيديو رومية كشفت المزيد من عورات “تيار المستقبل”. فاستمرار غياب رئيسه سعد الحريري وانعدام العمل التنظيمي انعكسا مزيداً من التنافر والتنافس بين القيادات. وجاءت التطورات المرافقة لـ”فضيحة الفيديو” لتؤجّج الصراع بين الوزيرين المستقبليين أشرف ريفي ونهاد المشنوق. وسواء صحّت هذه التحليلات أو لا، فإن ما حصل شكّل صفعة مزدوجة للمشنوق وللمستقبل معاً ولرصيد التيار الحريري في الشارع السنّي، على ما تقرّ مصادر في التيار.
وقالت الصحيفة: “انتفاضة الشارع” ليل الأحد أظهرت الصورة الحقيقية التي طالما حاول تيّار المستقبل تلوينها: الشارع ليس شارعه وحده، ولشخصياته السياسية أجندات مختلفة. وفي مقابل مشروع الدولة” الذي يكاد التيار يحتكر رفعه، ثمّة من لا يتورّع عن محاولة سحب البساط الشعبي من تحت المعتدلين، واستثمار غضب الشارع لأهداف شخصية ضيقة، حتى ولو كانت الحصيلة النهائية تصبّ في خدمة التطرف، على ما أشار إليه المشنوق أمس.
مصادر قريبة من الرئيس سعد الحريري لم تخف استياءه من تسريب الفيديو ودوافعه أكثر من مضمونه، لأسباب عدّة، أولها أنه أعطى فرصة الاستثمار فيه لمن يرى فيه وفي المشنوق عدوين لدودين، والمقصود هنا رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. وثانياً لأن الإشاعات عن محاولة ضرب المشنوق بأيادٍ مستقبلية تكثر، حتى استساغها الجميع، حتّى داخل تيار المستقبل.
بحسب المقرّبين، لم يظهر الشيخ سعد مرة تفرقة في التعاطي مع وزيريه. لكن للمشنوق وضعاً خاصاً لأنه من المشاركين في صنع القرار داخل التيار.
وتذكّر المصادر بدعم الرئيس الحريري للخطّة الأمنية داخل سجن رومية حتى النهاية، علماً بأن ريفي حاول التشويش عليها أكثر من مرّة. وعن اتصاله بوزيريه في الحكومة، تقول المصادر: “مع المشنوق، كان تأكيد على أن وزير الداخلية بالذات يحظى بدعم أعلى الهرم المستقبلي، أما مع ريفي فإيحاء بأن لا مجال لتكرار تجربة خالد الضاهر مرّة أخرى”.
وبعيداً عن توجيه الانتقادات لما ظهر في التسجيلات، فإن الحريري مقتنع بأن التسريب هو نوع من تصفية الحسابات لتشويه أي إنجازات تمّت في هذه الفترة.
قد يكون ريفي بريئاً ممّا اتهم به، لكنه غير بريء من استثمار ما جرى بحسب مصادر نيابية في التيار، خصوصاً أن حقنه للشارع في كل مرّة لا يكاد يترك لتيار المستقبل مناصراً واحداً. ومع أن صقري “المستقبل” يقومان بحملة مشتركة لدحض كل المزاعم، إلا أن قراءة ما بين السطور توحي بأن “اللعب صار عالمكشوف”. فحين يغمز المشنوق رداً على اتهام ريفي بالوقوف وراء التسريب بأن التسريب لا يزعزع موقعي بقدر ما يزعزع مؤسسات الدولة، ومنها هذا الجهاز الذي كان ريفي يوماً ما على رأسه، فكأنه يقول لوزير العدل “كلّنا في مركب واحد”.
وحين ينفي ريفي أنه يغطّي التحركات في الشارع وهو على تنسيق دائم مع المشنوق لمحاسبة الفاعلين، فكأنه يدافع عن نفسه دفاع من قُبض عليه بالجرم المشهود”.
ومع أن “التوقيت ليس مهمّاً، ولا حتّى الظروف التي توافرت لإطلاق هذا الفيديو، لكن نتائجه هي الأساس. فهو أولاً سيدفع لتسريع الحل في ملف الموقوفين الإسلاميين، الذي بطبيعة الحال سيتوّلاه ريفي لا سواه، بشكل يستطيع من خلاله إظهار نفسه بمظهر الرافعة، والقادر على امتصاص النقمة. وثانياً، تسديد ضربة جدّية لوزير الداخلية الذي بات وضعه دقيقاً داخل الشارع السنّي.
لا يغيب عن بال أحد أن مفاعيل الفيديو ستُنسى في الشارع في غضون أيام، وهي مفاعيل سارع المشنوق إلى البدء بمعالجتها عبر اتخاذ إجراءات جدّية بحق “المرتكبين”، لكنها ستبقى أطول من ذلك بكثير داخل تيار المستقبل، إذ يبدو أن “حنق” ريفي جعله يسهو عن كون ما يجري سيضرّ بتياره قبل أي طرف سياسي آخر.