جيليان تيت
وسط موجة أخرى من التكهنات المحمومة بشأن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، أكدت جانيت ييلين، رئيسة مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي، يوم الأربعاء ما توقعه معظم المراقبين: البنك المركزي الأمريكي لن يرفع أسعار الفائدة الرسمية (على ودائع المصارف) هذا الشهر.
لكنها أشارت أيضاً إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يأمل في اتخاذ إجراء في وقت قريب، ربما في أيلول (سبتمبر) كأقرب وقت (هذا على افتراض أن الأحداث في اليونان لن تسفر عن أزمة أوسع). لا عجب، إذن، أن المتداولين في الأسواق يستعدون الآن لفصل صيف شائك ـ علماً بأن الاحتياطي الفيدرالي لم يرفع أسعار الفائدة منذ عقد تقريباً.
مع مراقبة المستثمرين للتقويم، يجدر بهم ألا يغفلوا عن شيء آخر، وهو أن رفع أسعار الفائدة ليس القضية الساخنة الوحيدة الموجودة على جدول أعمال الاحتياطي الفيدرالي في الوقت الراهن. على العكس من ذلك. خلف الكواليس، هناك جدل ثان يجري حول كيف سيفكك الاحتياطي الفيدرالي التجارب الفنية الهائلة التي أطلقها منذ عام 2008. ومع أن هذا الجدل الثاني قد لا يبدو مُثيراً بقدر التكهنات بشأن التواريخ، إلا أن الأمر قد ينتهي به أيضاً لأن يكون بالغ الأهمية.
هناك على الأقل مسألتان من المسائل المهمة التي على المحك. الأولى تتعلق بما يعتزم الاحتياطي الفيدرالي أن يفعله بالأصول الموجودة في ميزانيته العمومية. حتى بداية الأزمة المالية عام 2008، بلغت هذه الأصول في مجموعها نحو تريليون دولار، في الغالب على شكل سندات حكومية. ومنذ ذلك الحين ازدادت الميزانية العمومية إلى أكثر من أربعة تريليونات دولار.
أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه ينوي تقليص تلك الميزانية العمومية المُتضخمة إلى حجم قريب من الطبيعي في غضون عقد من الزمن. وعندما يفعل البنك المركزي الأمريكي ذلك، فبإمكانه استخدام هذه العملية وسيلة ثانية لرفع أسعار الفائدة، إلى جانب الارتفاع المُعتاد في أسعار الفائدة الرسمية على ودائع المصارف.
لاحظ أنه إذا كان سيبيع السندات التي يحتفظ بها، فهذا من شأنه أن يتسبّب في تخفيض الأسعار – وارتفاع العوائد (وهو من الناحية العملية عكس ما حدث خلال تنفيذ برنامج التسهيل الكمي).
مع ذلك، يبدو أن المسؤولين في الاحتياطي الفيدرالي مُنقسمون حول ما إذا كان هذا سيكون فكرة جيدة. كما يبدو أن معظم أولئك الذين في مناصب رفيعة المستوى حذرون جداً من اتخاذ هذا المسار الثاني، على اعتبار أن عالم إدارة الميزانية العمومية النشط يقبع في شيء من الفراغ الفكري.
السبب في ذلك هو أنه، على الرغم من إجراء أبحاث واسعة حول العلاقة بين سعر الفائدة على الأموال الاتحادية والاقتصاد الحقيقي، لا أحد يعرف تماماً ما يمكن أن يحدث إذا حاول البنك المركزي رفع أسعار الفائدة من خلال بيع الأصول. لذلك، بدلاً من إخافة الأسواق من خلال اتخاذ خطوة يُحتمل أن تكون غير متوقعة، فإن معظم المسؤولين في الاحتياطي الفيدرالي يفضلون تقليص الميزانية العمومية “بشكل طبيعي”، من خلال جعل السندات تصل إلى تاريخ استحقاقها بدون استبدالها.
لكن المشكلة هي أن هذه الأصول لن تبلغ تواريخ استحقاقها على نحو سلس. نماذج الاحتياطي الفيدرالي تُشير إلى أن الميزانية العمومية ينبغي أن تتقلّص إلى حجم أقرب إلى الطبيعي بعد سبعة أو ثمانية أعوام. لكن النمط المتوقع للتراجع يبدو شاقاً؛ ذلك أن ثُلث سندات الخزانة الأمريكية مُستحق في عام 2018. لذلك هناك سؤال واحد الآن يخضع لنقاش حاد هو ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيكون مُجبراً على اعتماد نشاط الميزانية العمومية فقط لتجنّب صدمات السوق؟
المسألة الثانية، التي هي على علاقة بالأولى، هي ما الذي يحدث للأموال التي وضعتها مصارف القطاع الخاص في شكل احتياطيات إضافية في البنك المركزي في الأعوام الأخيرة. في الأعوام الخمسة قبل أزمة عام 2008 كانت هذه “الاحتياطيات” ضئيلة، 11 مليار دولار فقط في المتوسط كل يوم، جزئياً لأن الاحتياطي الفيدرالي لم يدفع الفوائد للمصارف.
لكن بحلول عام 2014، ارتفع الرصيد الاحتياطي إلى 2.6 تريليون دولار والاحتياطي الفيدرالي يدفع فائدة بمقدار 25 نقطة أساس.
هذا من الناحية العملية أدخل ما يدعوه مسؤولو البنوك المركزية نظام سياسة “الممرات”: بدلاً من النظام الذي يتمحور حول سعر فائدة واحد فقط (أي الفائدة على ودائع المصارف في الاحتياطي الفيدرالي)، هناك الآن سعر فائدة ثان أيضاً. هذا النمط ليس بغير المألوف: البنوك المركزية في أماكن مثل المملكة المتحدة أو كندا استخدمت نهج الممرات لأعوام عديدة. لكن الاحتياطي الفيدرالي لم يحاول هذا من قبل، ولا يزال المسؤولون يحاولون العمل على مضامين ذلك.
لنأخذ مسألة ما يُسمى “اتفاقيات إعادة الشراء العكسية” (الريبو). في الفترة الأخيرة أدخل الاحتياطي الفيدرالي هذه الأداة على أمل العثور على طرق مبتكرة لتقليص الميزانية العمومية. لكن على الرغم من أن بعض المسؤولين في الاحتياطي الفيدرالي يعتقدون أن هذا سيُساعد على تسهيل الانتقال، إلا أن هناك آخرون يخشون أنه سيعمل على تقويض قطاع الصناديق المشتركة في حال اندلعت حالة أوسع من الذعر في الأسواق (بسبب اليونان، مثلاً)، ولا يريدون توسيعها بأي شكل من الأشكال.
في كلتا الحالتين، مع استمرار النقاشات، الأمر الوحيد الواضح هو أن هذه التفاصيل التي تبدو غامضة بشأن النظام المالي يمكن أن تكون مهمة للغاية. لذلك ليس من المستغرب أن ييلين أكدّت يوم الأربعاء أنه، إذا أردت أن تفهم السياسة النقدية الآن، فعليك أن تأخذ نظرة طويلة الأجل.
حين يكتب مؤرخو المستقبل قصة التمويل في هذا العقد، فإن الجدال المحموم الحالي حول رفع الأسعار في أيلول (سبتمبر) أو كانون الأول (ديسمبر) ربما يبدو مجرد ملاحظة على هامش معركة ضخمة لجعْل الاحتياطي الفيدرالي يبدو “طبيعيا” مرة أخرى.