جديون راشمان
في الوقت الذي يتوجّه فيه قادة الاتحاد الأوروبي إلى محادثات طارئة هذا الأسبوع، فإنهم يواجهون خياراً بين ثلاثة مسارات خطرة بسبب أزمة اليورو. المسار الأول يشتمل على تقديم تنازلات لليونان. والمسار الثاني ينطوي على اتخاذ موقف حازم والسماح لليونان بمغادرة اليورو. أما الثالث فينطوي على قبول أثينا إلى حد كبير بمطالب دائنيها.
الخيار يبدو قاسياً وحادا. لكن الحقيقة هي أن جميع الطرق الثلاثة يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى الوجهة نفسها: تدمير العملة الأوروبية الموحّدة. أطوال الرحلات قد تختلف، والمشهد على طول الطريق قد يبدو مختلفاً، لكن نقطة النهاية يمكن أن تظل هي نفسها.
المسار الأول، أن تفوز اليونان. كانت حكومة حزب سيريزا تعمل على افتراض أن شركاءها الأوروبيين سيقدمون في نهاية المطاف تنازلات كبيرة بدلاً من المخاطرة بخروج اليونان من اليورو. هذه التنازلات تنطوي على شطب بعض ديون اليونان والسماح لها بأن تتخلّى عن بعض الإصلاحات، مثل مزيد من التخفيضات في المعاشات التقاعدية وفرض ضرائب أعلى. لكن يخشى القادة أنهم إذا قدموا مثل هذه التنازلات، فقد ينتهي بهم الأمر إلى تدمير منطقة اليورو التي يريدون إنقاذها. حكومات بلدان مثل إيرلندا والبرتغال وإسبانيا ولاتفيا – التي التزمت ببرامج التقشف الخاصة بها – سيتم تقويضها على الفور. الأحزاب اليسارية المُتطرفة مثل حزب سيريزا، وبوديموس في إسبانيا، سوف تُحرز تقدّماً. في الوقت نفسه، سيكون من الضروري إخبار الناخبين في ألمانيا وفنلندا وفرنسا وهولندا – البلدان التي قامت في الأصل بإقراض المليارات لليونان – بأن تلك القروض قد لا يتم سدادها.
رداً على ذلك، الأحزاب المناهضة للاتحاد الأوروبي، مثل حزب “البديل لألمانيا” وحزب “الفنلنديون الحقيقيون”، من المحتمل أن تكسب التأييد. وجود الأحزاب القومية واليسارية المتشددة في اجتماعات قمة الاتحاد الأوروبي في المستقبل من شأنه أن يجعل من المستحيل حقاً التوصل إلى قرارات. في تلك المرحلة، بقاء الاتحاد الأوروبي نفسه – وليس اليورو فقط – يُصبح موضع تساؤل.
المسار الثاني، خروج اليونان. بدلاً من التراجع عن الطريق الأول الذي يبدو خطراً، كان قادة الاتحاد الأوروبي مستعدين للتفكير في طريق ثان، تعجز فيه اليونان عن سداد ديونها وبعد ذلك ربما تغادر اليورو. بدا المسؤولون الأوروبيون عموماً واثقين من أن خروج اليونان لا ينبغي أن يُسبّب العدوى، ووفقا لذلك الأسواق المالية ستبدأ على الفور بالمضاربة على تفكّك منطقة اليورو، الأمر الذي يتطلب رفع أسعار الفائدة وربما إثارة أزمات ديون جديدة في بلدان مثل إيطاليا وإسبانيا.
على المدى القصير، قد تكون منطقة اليورو قادرة على تجنّب العدوى لأن البنك المركزي الأوروبي يملك برامج قائمة تسمح له بشراء كميات غير محدودة من سندات بلدان منطقة اليورو، الأمر الذي يضطر أسعار الفائدة إلى الانخفاض مرة أخرى. لكن على المدى الطويل، ذلك من غير المرجح أن يكون أمراً مضموناً في أزمات الديون. الهدف من صلاحيات البنك المركزي الأوروبي هو أن تكون مؤقتة – لكن سابقة أن هناك بلادا تستطيع مغادرة العملة الموحّدة الأوروبية ستكون دائمة.
في البحث عن حل أكثر ديمومة، بعد خروج اليونان، سيقوم صنّاع السياسة في الاتحاد الأوروبي بالضغط من أجل تكامل أعمق لجعل اتحاد العملة أكثر قوة – على وجه الخصوص، من خلال اتحاد مصرفي حقيقي. لكن سيكون الناخبون في أوروبا الشمالية قد شهدوا فقط اختفاء أموالهم في حال عجز اليونان عن السداد؛ ومن المُستبعد تماماً أن يوافقوا على ضمان المصارف في أوروبا الجنوبية.
التأثيرات السياسية لخروج اليونان يمكن أن تكون أيضاً كارثية بالنسبة للاتحاد الأوروبي. اليونان الساخطة وغير المُستقرة ستكون خارج العملة الموحّدة لكن ستبقى داخل الاتحاد الأوروبي – على الأقل، لفترة من الوقت. من ذلك الموقع بإمكانها عرقلة وتعطيل سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن مجموعة من القضايا، من فرض العقوبات على روسيا إلى الهجرة غير الشرعية. (اليونان هي إحدى نقاط الدخول الرئيسية للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من أوروبا).
أهم ما في الأمر أن خروج اليونان يُثير تساؤلات حول مستقبل المشروع الأوروبي بالكامل. على مدى عقود، التوسّع الثابت للاتحاد الأوروبي كان يرتبط بانتشار السلام والرخاء. والخروج الفوضوي لأي بلد من اليورو، وسط الفقر والحروب الأهلية، سيعمل على إحداث انقلاب في تلك العملية.
المسار الثالث، أن تخضع اليونان. نظراً لمخاطر المسارين الأول والثاني، يستمر الاتحاد الأوروبي في الإصرار على أن أثينا ينبغي أن تتقيد بالبرنامج – سداد ديونها وإجراء إصلاحات أساسية تعمل على وضع اقتصادها على أُسس أكثر استدامة. للأسف، لا توجد ضمانات بأن حتى هذا الطريق يقود الاتحاد الأوروبي إلى وجهة آمنة.
هناك عديد من المشاكل. ديون اليونان تبدو قريبة من كونها غير قابلة للسداد، لذلك من المرجح أن يكون هناك مزيد من أزمات الديون في الأعوام المُقبلة. ومن غير الواضح تماماً أن الدولة يمكن أن تجري إصلاحات سريعة بطرق تجعلها تعمل بشكل أفضل، لأن مشاكل المحسوبية وانعدام القدرة على التنافس عميقة جداً.
الأهم من هذا كله أن الأزمة اليونانية عملت على تعرية حقيقة أن اليورو هو مشروع معيب أساساً. تاريخياً، العملات التي لا يتم دعمها في نهاية المطاف من قِبل دول قومية كانت تنهار. مع ذلك، كان الاتحاد الأوروبي يعتقد أنه أنشأ هياكل يمكن أن تجعل اليورو ينجح. وهذا تبيّن أنه غير صحيح. رداً على ذلك، بعض القادة الأوروبيين يجادلون بأن منطقة اليورو يجب أن تنشئ الآن بإنشاء هياكل أقرب إلى هياكل الدولة، مثل اتحاد مصرفي أو ميزانية اتحادية أكبر. لكن الأعوام الخمسة الماضية أظهرت أن هذا من المرجح أن يتبيّن أنه مستحيل سياسياً. الحقيقة المرّة هي أنه عندما أسس قادة أوروبا العملة الموحّدة أثاروا أراضي خطرة ذات معالم غير معروفة. ولا توجد أي طرق آمنة للعودة.