IMLebanon

قمح عكار.. هدير الحصادات يعيد الأمل

WheatAkkar
رسلان منصور

على الرغم من المصاعب التي تتهدّد قطاع القمح لجهة انخفاض سعر الاستلام، غير أن ذلك لم يوقف هدير الحصادات وحفيف القمح المعبأ في الأكياس، واستمرار مشهدية آلات الحصاد التي تجوب حقول العريضة والشيخ زناد والقليعات وغيرها من المناطق العكارية، ما يعيد بعض الأمل بهذه الزراعة الأساسية ويعبر عن رونقها، وبالتالي يوحي بصمودها وبتشبث المزارع بزراعاته التقليدية عوضاً عن هجرتها نحو الأصناف المربحة المدعومة كالتبغ والتنباك.

موسم القمح والحصاد الذي بدأ في عكار، طالما شكّلت زراعته أهم زراعات المنطقة ، ما حدا المزارعين إلى المطالبة بـ»اعتبار القمح المحلي زراعة مهمة استراتيجية إلى جانب كونها تقليدية، فهي زراعة صامدة على غرار العنب والتنباك، ولا تقل أهمية عن غيرها، ما يستدعي حمايتها من قبل الوزارة المعنية، ورفع سعر الاستلام المقدر بأربعمئة وخمسين ليرة إلى ما يزيد على الثمانمئة ليرة، لإعادة التوازن ودعم المحصول على غرار الزراعات الأخرى لأنها زراعة تتعلق بالرغيف أي بالأمن الغذائي وبحياة اللبناني«.

ويؤكد مزارعو القمح لـ»المستقبل»، أن «موسم العام الحالي جيد من حيث النوعية، على الرغم من أنه كمّاً أقل من إنتاج الأعوام الماضية، لتدني المساحات المزروعة بسبب سعر الاستلام المنخفض الذي لا يكفي لاستعادة الكلفة المهدورة على الرش والري واليد العاملة بعد منع دخول العمال السوريين بفعل الاجراءات المتخذة تحت حجة وقف النزوح«.

ويلفتون إلى «مشكلتين أساسيتين، هما السعر المنخفض الذي تعتمده وزارة الاقتصاد ومشكلة التخزين الطويلة التي تقلل من جودة الموسم ونوعيته بسبب سوء التخزين وغياب الأماكن ذات المواصفات، ومداهمة القوارض والتلف والعفونة للأكياس المخزنة بطرق تقليدية«.

ويوضح المزارع خضر زهرمان أن «المشاكل مع القمح وزراعته والتسليم تتضاعف عاماً بعد عام، فبدل أن تسعى الدولة إلى تذليلها ومعالجتها، تدير ظهرها كلياً للمزارع، والدليل ما نواجهه مع وزارة الاقتصاد لجهة المعاملات والطلبات للاستلام وكثرة الأوراق والسندات والشروط وكاتب العدل«.

المشكلة الدائمة هي في عدم اعتماد جدولة سنوية واضحة ومحددة في المكان والزمان للاستلام، إذ نجد أنه ومع كل موسم تختلف الشروط، ما يخلق لدينا مشاكل بالتخزين. اليوم نقوم بالحصاد، ولكن أين نخزن وكيف؟ وفي ظل أي شروط ومواصفات لنحمي انتاجنا من التلف؟، وهذا ما لا يعني الدولة لا من قريب ولا من بعيد«.

ويرى زهرمان أنه «عند التسليم يكون الموسم فقد الكثير من جودته وتتردى نوعيته، فيتعرض القمح للرطوبة والحشرات وهي تضر وتفتك به، هذا عدا العفونة وغير ذلك، فبدل تسليم مئة طن، نفقد نصفه، وهنا الطامة الكبرى وتجد نفسك خاسراً«.

أما الأهم، فهو انتظار لائحة أسعار التسليم للأصناف والجودة، إذ أن الصنف النخبوي يقدر عادة بـ 595 ليرة، والصنف الأول بـ580 ، والثاني والثالث بـ570 ليرة، وقد ينحدر إلى 450 حسب تقدير اللجنة المستلمة.

وتمنى أن يكون «الاستلام هذه السنة بأقرب وقت وبسعر أفضل، من مثال 800 ليرة حتى يعوّض المزارعون تكاليف الإنتاج«، لافتاً إلى أن «عكار تسلّم بحدود الألف طن، وهو رقم مقبول كون عدد المزارعين يقارب المئتين».

بدوره، يؤكد المزارع مصطفى الدهيبي أن «زراعة القمح في عكار بالاضافة الى الحبوب الأخرى كالحمص والعدس تراجعت لمصلحة البطاطا والتبغ والتنباك، إذ أن المزارع يلتفت الى رزقه والى ما يعوض عليه تكاليف الانتاج وكلفة اليد العاملة وكلفة ضمان الأرض. كل هذه العوامل جعلت غالبية الذين كانوا قسراً يعشقون هذه الزراعة المهمة، يهجرونها باتجاه ما هو أوفر وأقل كلفة، ولكن ماذا تفعل إذا تعرضت كل الزراعات لخسائر جمة وثقيلة هذه السنة بسبب إقفال الحدود البرية؟. كما أن طاقة السوق المحلية المحدودة تجعلك تفكر بطريقة للتصريف، وهو أمر صعب بسبب عدم دعم التصدير وارتفاع كلفة النقل«.

ويذكّر المزارع أحمد زهرمان المسؤولين أن «القضية لا تكمن فقط في المنافسة واليد العاملة بل في كلفة الحصاد المقدّرة خمسين ألف ليرة يومياً للحصادة، بالاضافة الى إيجار العمال وعشرين ألفاً بدل وقود وزيوت وتشغيل الحصادة، فماذا يتبقى لصاحبها؟!«.

ويشير إلى أنهم لا ينظرون إلى «أهمية الزراعة كمهنة فقط أو كمصدر رزق وقطاع مهم، بل كعامل يثبتنا بأرضنا، لكن ما يثير حنقنا أننا لا نرى مسؤولاً يلحظ ما نقوم به، لم نر مسؤولاً يزورنا، أو نائباً يهتم لمشاكلنا، ما نسمعه هو فقط الكلام الغليظ وغير المقبول عبر الشاشات«.

ويلفت أحمد زهرمان إلى أن «زراعة القمح باتت غير مرغوبة، ولا تغطي إلا ما يعادل عشرة في المئة من مساحات الأراضي المزروعة في سهل عكار، والمشكلة هي في غياب خطة تشجّعنا على الزرع، فلا يضطرّ لبنان إلى استيراد القمح لسدّ حاجاته للاستهلاك المحلي«، مؤكداً أن «المزارع بات يفضّل اللجوء إلى أي وسيلة ليعيش، في ظل سياسة الإفقار«.

ويعتبر الحلّ بـ»رفع سعر كيلو القمح بما يتناسب وارتفاع أسعار المواد الأولية من البذار والأدوية والري واليد العاملة، بما يغطّي كلفة الانتاج، ويدفع الكثيرين إلى الحفاظ على هذه الزراعة وزيادة الكميات المقدرة هذه السنة بـ 1200 طن من القمح من مختلف الأصناف، مقابل ما معدله 5000 طن في المواسم الاعتيادية«.