يسهل الافتراض أن لا شيء يجري في المناطق الفلسطينية خارج دائرة الحرب والعنف، لكن مؤسسة البرمجيات الألمانية العملاقة SAP وجدت فرصة عمل هناك.
اعترف مراد طهبوب لأول مرة أنّ عام 2000 لم يكن الوقت المناسب حقا لإطلاق خدمات البرمجيات الرقمية باعتبارها مشروع عمل، وبيّن أسباب ذلك بالقول “جرى ذلك مباشرة قبل الانتفاضة الثانية، لذا استغرق الأمر زمنا طويلاً حتى تسير الخدمة بشكل منتظم. ومثّل عام 2005 انطلاقا حقيقيا لمشروعنا، حيث بدأنا ممارسة نشاط تصديري للبرمجيات”.
ويستطرد طهبوب، وهو صاحب أكبر شركة برمجيات فلسطينية، “حتى الآن، ما زال كسر المقاربات النمطية عن فلسطين أمرا صعبا ، لكن شركتنا ASAL Technologies ما برحت تسير بشكل صحيح خلال السنوات العشر الأخيرة، فقد بدأنا بعشرة موظفين، واليوم يعمل عندنا أكثر من 150 موظفا.
وليس نشاط طهبوب التجاري المثال الوحيد على تنامي هذه الصناعة. ورغم تفجّر المعارك بين إسرائيل والفلسطينيين من حين لآخر( وآخرها ما جرى من معارك في غزة العام الماضي)، فإن صناعة البرمجيات في الأراضي الفلسطينية تشهد ازدهارا ملحوظا، كما يتخرج من جامعات المنطقة أكثر من 2000 متخصص في التقنيات البرمجية وصناعة الآي تي وما يتصل بها سنويا.
مشهد يكشف عن بداية قوية
قوة هذه الصناعة تكمن في تطور البرمجيات في كل المناطق، كما أن هناك انطلاقا حيويا في قطاع عمل صغير يقدّم كثيرا من الأفكار الخلاقة التي تبحث عن مستثمرين لتطويرها إبان المرحلة المقبلة من النمو في هذا القطاع.
المبادرة الأخيرة التي تقدمت بها ساب قد تلفت أنظار أماكن أخرى، وفي فلسطين اعتبرت المبادرة اعترافا “بعضلاتهم” البرمجية التي ما فتئت تنمو. في عام 2005 كانت قيمة تقنيات الاتصالات والمعلومات والبرمجيات تصل الى 98.6 مليون يورو كقيمة مضافة إلى الاقتصاد الفلسطيني. وفي عام 2013 بلغت هذه القيمة 453 مليون دولارا بأسعار ثابتة، طبقا لإحصائية أصدرها مركز الإحصاء المركزي الفلسطيني. وبذلك باتت عائدات قطاع التقنيات الرقمية تشكّل نحو 6 بالمائة من إجمالي الدخل القومي في الأراضي الفلسطينية.
وتتلخص صفقة ساب بالتالي: في الأسابيع القليلة الماضية، انضمت 8 جامعات فلسطينية إلى برنامج SAP’s University Alliances، الذي يمكّن الخريجين من إتقان مهارات رقمية حيوية، كما يُتيح للخريجين الفلسطينيين أن يشاركوا في برنامج SAP’s Young Professional Program، الذي يمكّنهم من الحصول على تدريبات وحلول برمجية مدعومة من برامج وإمكانات ساب.
ورغم أنّ ساب لا تضمن حصول المتدربين على برمجياتها على وظيفة عندها، إلا أنّ الخريجين سيكوّنون حتما جزءاً حيويا من مشروع تغلغل برمجيات العملاق الألماني في منطقة الشرق الأوسط. ولديها الآن نحو 1350 زبونا في منطقة تعتبرها ساب من أكثر الأسواق الواعدة.
وهكذا، فإنّ انتخاب هذه المنطقة كان قرارا قياديا صعبا، لكن نائبة رئيس ساب لقطاع الاستثمار الاستراتيجي ماريتا متشاين تفضّل أن تركز على المنافع الاجتماعية للمشروع “تؤمن ساب أنّ التقنيات الرقمية تؤثر في حياة الناس في الشرق الأوسط. و من دواعي فخرنا أننا نلعب دورا في نشر التقنيات والبرمجيات في المناطق الفلسطينية”.
ولا يخفي الفلسطينيون سرورهم وهم يرون تمدد ساب في مناطقهم، وفي هذا السياق يقول يحيى السلقان رئيس جمعية خبرات التقنية الرقمية الفلسطينية “ساب مهمة جدا لتدريب خريجي الجامعات الفلسطينية، ولكن الأهم هو العلاقة التي تنشأ بين ساب وشركائها (الخبراء المحليين) بمرور الوقت”.
ويمضي رئيس الجمعية، التي تضم 150 خبيراً، إلى القول “ستكون شبكة تساعدنا على بناء صناعة الرقميات والبرمجيات في المنطقة، وهو ما يحتاجه خريجو جامعاتنا المتميزون. فهم يحتاجون عادة أن يغادروا البلد ليحصلوا على عمل، لكن بات عندنا اليوم كثير من الأشخاص المؤهلين، الذين تتمتع مؤهلاتهم بسمعة مرموقة، والجميع يفضلون الاستفادة من خدماتنا (من خلال هؤلاء) لأن التكاليف التي نتقاضاها هي أقل من نصف التكاليف، التي تطلبها الشركات الأوروبية والأمريكية”.
مساعدة خارجية
زواج ساب من البرمجيات الفلسطينية مر من خلال مكتب مؤسسة OQR، التي تنشط لنشر التنمية الاقتصادية، وهي مؤسسة أنشأها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والأمم المتحدة، وممثلها اليوم هو طوني بلير. وأتت OQRبمدير تنفيذي شهير في صناعة البرمجيات وهو ديفد ديك، لكي تجذب أهم مختصي البرمجيات والرقميات في المنطقة. وفي سياق عمله يقول ديفيد “لديَّ تاريخ حافل في العمل في مجال البرمجيات، فقد عملت بشكل دؤوب لإقناع خبراء كبار في التقنيات بأهمية فرص الاستثمار في المنطقة الفلسطينية. وقد سارعت ساب لتوفير الدعم ووضعتني بالتماس مع شبكة أعمالها في الشرق الأوسط وشبكة تدريباتها العالمية للجامعات”.
في رام لله، تشع بهجة التفاؤل من وجه مراد طهبوب وهو يقول “تلفت مبادرة ساب نظر الشركات متعددة الجنسية إلى الموارد الثمينة المتوفرة في المنطقة، ويبدو المستقبل واعدا لصناعة البرمجيات والإلكترونيات الرقمية هنا رغم العقبات. واعتقد أنّ خلق فرص العمل هو عنصر حاسم للسلام والرخاء في المنطقة”.