تتفاوت الأرقام الخاصة بحجم الخسائر التي تكبدها الاقتصاد السوري منذ بداية الأزمة في آذار 2011 وحتى اليوم، ولكن كل الدراسات تؤكد أن الكلفة تخطت الـ200 مليار دولار، في وقت تشير بعض التحليلات الى ان هذا الرقم قد يصل الى ما بين 700 و800 مليار عند الكشف على المناطق التي لا يمكن الدخول اليها حالياً نتيجة استمرار المعارك الدائرة فيها.
في تقرير نشره حديثاً “المركز السوري لبحوث السياسات” بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووكالة “الأونروا”، تشير التقديرات الى ان الاقتصاد السوري خسر حتى نهاية 2014 نحو 202,6 ملياري دولار، أي ما يعادل 4 اضعاف الناتج المحلي الاجمالي لعام 2010، ومقارنة بخسارته 58,8 مليارا حتى نهاية 2013. أما أرقام منظمة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الاسكوا” فكانت أكثر تشاؤماً، إذ توقعت ان تصل الخسائر التي تكبدها الاقتصاد في حال استمرار الحرب حتى نهاية 2015 الى أكثر من 237 مليار دولار. كذلك ساهمت الحرب المستمرة في ارتفاع معدل نسب التضخم الى أكثر من 90%، وتراجع حجم الصادرات 95% والواردات بحوالى 93% مقارنة بالعام 2010.
في أحدث التقارير الخاصة بتداعيات الحرب على الاقتصاد السوري، الذي أصدره معهد “تشاتام هاوس” البريطاني للبحوث والدراسات، أكد تراجع الاقتصاد السوري 50% عما كان عليه منذ بداية الازمة، بينما فقدت الليرة السورية نحو 80% من قيمتها. كما شهدت انهيارا خلال النصف الأول من السنة الجارية بأسرع معدل لها منذ 4 سنوات. وارتفعت الضغوط التي يعانيها الاقتصاد السوري في الآونة الاخيرة نتيجة النقص المستمر للإيرادات الحكومية والضريبية وفقدان النظام لسيطرته على العديد من الموارد النفطية، مع انخفاض ملحوظ للدعم المقدم من ايران لحكومة الأسد جراء الازمة الاقتصادية والمالية التي تعانيها الجمهورية الاسلامية نتيجة العقوبات المفروضة عليها وتراجع اسعار النفط عالمياً، وما حملته من تداعيات على إيراداتها.
في الاسابيع الماضية، فقد النظام السوري جزءاً مهما من موارده المالية، بعدما سيطر تنظيم “داعش” على مدينة تدمر، ومناجم المعادن والفوسفات القريبة من المدينة. علما ًأن هذه المناجم تنتج حوالى 3 ملايين طن من المعدن سنويا، وكانت تؤمن إيرادات للخزينة بأكثر من 60 مليون دولار. اضافة الى خسارة هذا المصدر من الايرادات، خسر النظام أيضا حقولا نفطية في العديد من المحافظات وآخرها في ريف حمص، بعدما سيطرت المجموعات المسلحة على حقل جزل النفطي الذي يبلغ إنتاجه 2500 برميل يوميا. ونتيجة فقدان النظام سيطرته على معظم الحقول النفطية في البلاد، تراجع الانتاج الرسمي من الذهب الاسود من 377 الف برميل يوميا الى دون 10 آلاف برميل حاليا.
الوضع الاجتماعي
نتيجة الدمار الذي طاول العديد من القطاعات في سوريا، ارتفع معدل البطالة في البلاد الى أكثر من 60% وفقد حتى اليوم نحو 3 ملايين شخص عملهم، ووصلت بين صفوف الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة الى 82%. ومع تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، اضطر أكثر من نصف سكان البلاد، وعددهم الاجمالي حوالى 22 مليون و850 الف نسمة، الى مغادرة منازلهم إذ نزح داخلياً ما يقارب 6,8 ملايين نسمة، وخارجياً أكثر من 4 ملايين نسمة، 35,15% منهم في سوريا، و34,5% في لبنان، والاردن يستضيف نحو 18,7% من العدد الاجمالي، أما العراق فيستضيف 6,9% من هؤلاء اللاجئين. وتشير احصاءات غير رسمية، الى أن من بين كل 5 سوريين هناك 4 فقراء، كما أن ثلثي السكان تقريباً يعيشون في حالة الفقر الشديد. وباختصار، ما حققته سوريا خلال عقود من التنمية أنفقته في ثلاث سنوات فقط.
إعادة الإعمار
يبدو أن الانظار متجهة اليوم الى مرحلة إعادة إعمار سوريا، في الوقت الذي تؤكد فيه العديد من التقارير أن إعادة الاعمار لن تنتظر انتهاء الحرب على كل الاراضي السورية لتنطلق. فالعديد من الشركات أعدت عدتها للدخول في عملية الإعمار، ما يعيد الى الواجهة أهمية جعل لبنان ساحة مستقرة لتُشكل منصة أساسية للشركات العربية والاجنبية لإدارة إعادة الاعمار. وهنا تحدث بعض المعلومات عن اختيار عدد من الشركات الاجنبية والعربية لبنان كمركز لإدارة أعمالها في سوريا لموقعه الجغرافي المتميّز عن بلدان الجوار السوري وقربه من البحر ولأن مرافئه قريبة من الحدود السورية، ما يسهل عملية نقل مواد البناء والمعدات واليد العاملة، إضافة الى طرقه التي تربط ساحله بالداخل السوري. وبالفعل، بدأ العديد من شركات المقاولات العربية والاجنبية وضع الدراسات والاقتراحات للدخول في أولى المناقصات التي سيُعلن عنها في الأشهر المقبلة لإعادة اعمار بعض المناطق. وللإشارة، أكثر من 1,5 مليون منزل متضرر بشكل كامل أم جزئي وأكثر من 6000 مدرسة متهدمة، و70% من المرافق الصحية متضررة أو معطلة بما فيها 200 مستشفى.