بروك أندرسون
من الصعب حقا أن تُقدم على بدء نشاط تجاري؛ فلك أن تتصور محاولة تأسيس شركة جديدة من البداية في ظل بطء سرعة الاتصال بالإنترنت، وسوء الخدمة من الأساس، والانقطاعات اليومية للكهرباء، بجانب نظام إداري شديد التعقيد عند التقدم للحصول على الموافقات اللازمة، فضلا عن المخاوف الأمنية العابرة للحدود.
هذا هو الواقع القاسي الذي يجابهه كثيرون ممن يعيشون في منطقة الشرق الأوسط، تلك التي لا تُتاح في بلدانها أنظمة فعالة للدفع عبر شبكة الإنترنت، أو توافر تيار كهربائي يمكن الاعتماد على وجوده على مدار اليوم.
تقول نينا الحاج، التي تعمل حاليا في مصرف بالعاصمة اللبنانية بيروت بعدما قضت سبع سنوات من عمرها تعمل وتقيم في كندا، إنه حتى استخدام المصعد للوصول إلى الطوابق العليا، يستدعي سؤالا معتادا بلهجتها اللبنانية “في كهربا؟” (هل هناك كهرباء؟).
وفي هذا الإطار، يشعر من عادوا إلى الشرق الأوسط لإقامة مشروعات تجارية خاصة بهم بعدما استكملوا تعليمهم العالي في أوروبا والولايات المتحدة بخيبة أمل حيال بطء وتيرة التغيير في بلدانهم الأصلية.
وتعتبر الحاج أنها “معجزة أن تُنجز الأمور (في مثل هذه البلدان).. الناس عادة ما يتفهمون (أسباب) تأخر شيء ما عن موعده؛ نظرا لبطء سرعة الإنترنت والانقطاعات في التيار الكهربائي”، والتي يمكن أن تستمر ثلاث ساعات على الأقل يوميا داخل المدن، ولمدة أطول من ذلك خارجها.
لبنان على سبيل المثال، لم يعتد توافر التيار الكهربائي على مدار الساعة منذ انتهاء الحرب الأهلية في أراضيه قبل أكثر من 25 عاما، وهو ما يدفع غالبية الشركات إلى الاعتماد على المولدات الكهربائية المُكلفة والصاخبة، لثلاث ساعات على الأقل يوميا.
لكن ثمة أملاً في إمكانية تحسن أوضاع البنية التحتية، ومن ثم توافر فرص وأجواء أفضل للشركات ورجال الأعمال.
يقول جاد شعبان، وهو أستاذ مساعد للاقتصاد في الجامعة الأمريكية ببيروت، إنه لا يعتقد في إمكانية استمرار “تجاهل مثل هذه الأمور أكثر من ذلك”.
وبحسب تقديرات شعبان، فإن توفير خدمات الإنترنت عالية السرعة بشكل منتظم في لبنان، يمكن أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة اثنين في المئة على الأقل. ويعتبر أن قيام الناس بثورة أو تمرد لأسباب اقتصادية “ليس إلا مسألة وقت”.
جيل جديد
ومن شأن اكتساب القدرة على البقاء في بيئة تجارية واقتصادية حافلة بمثل تلك التحديات؛ أن يؤدي إلى صقل جيل جديد من رجال الأعمال، وتحفيزهم على الكد والعمل.
وبوسعنا في هذا الصدد، الاستعانة برأي فادي ضو، مؤسس شركة “ملتي لَيِن”، وهي مؤسسة عالمية مقرها لبنان، وتعمل في مجال توريد مكونات الحاسبات الألية.
يقول ضو، وهو رئيس مجلس إدارة الشركة أيضا، إنه وغيره من رجال الأعمال يضطرون “لإعادة تعريف الكيفية التي نمارس من خلالها أنشطتنا”.
وقد أسس ضو شركة “ملتي لَيِن” عام 2006، بعدما أنشأ العديد من الشركات العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات في الولايات المتحدة. ويقول ضو إنه بينما لا يزال لبنان بقعة تنعم بوجود مجموعة كبيرة من المواهب في مجال البحث والتطوير في أراضيها، فإن ثمة تحديات كبيرة لم تزل قائمة في هذا البلد.
ويمثل التفاوت والتباين ما بين الظروف السائدة في دول المنطقة مصدرا إضافيا للإحباط. فبينما لا يزال بعض هذه الدول يكافح للإبقاء على الشركات العاملة فيه دون أن تغادره إلى غيره من البلدان، هناك دول أخرى قلصت الإجراءات الروتينية المتبعة لديها، بهدف اجتذاب الشركات الأجنبية.
وهنا يقول ضو: “افتتحنا مؤخرا فرعا خارجيا لشركتنا في دبي. أخذ الأمر مني ساعة واحدة فقط للتوقيع على الوثائق” الخاصة بذلك. ويضيف أن إتمام هذه الإجراءات في لبنان لا يزال يتطلب “جهدا هائلا”.
وفي ظل الرسوم الكبيرة التي يتعين عليه دفعها في لبنان لإنجاز عمليات الاستيراد والتصدير، يعمد ضو في الوقت الحاضر إلى أن يقوم بغالبية أنشطته في مجال الإنتاج الصناعي أو التوسع في هذا المجال في دول مثل الولايات المتحدة، وتايوان، والصين، من خلال وجود متعهدين هناك، بينما يُبقي فريقا محدود العدد في لبنان، يتألف من نحو 20 من خبراء تصميم مكونات الحاسب الآلي.
وإذا انتقلنا إلى العراق؛ فسنجد ذات التحديات التي تواجه رجال الأعمال في لبنان. لكن الوضع في العراق يتفاقم بفعل المخاوف الأمنية المستمرة، خاصة إذا ما تعلق الأمر بنقل سلع عبر الحدود.
يقول عزام علوش، الذي يستثمر أمواله في القطاع العقاري داخل العراق ولكن لحساب عملاء من خارجه، إن استيراد مواد البناء مثل الرخام، والسلع المنزلية كأجهزة تكييف الهواء وإدخالها إلى الأراضي العراقية بات أكثر صعوبة؛ لأن السلطات في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية تطلب الحصول على رشاوى من سائقي الشاحنات التي تنقل مثل هذه البضائع.
ولتجنب دفع تلك الرشاوى، لم يعد علوش ينقل مثل هذه البضائع عبر الأردن، إذ صار ينقلها إلى تركيا، ثم يُدخلها جوا إلى العراق. وللأسف، كما يقول هذا الرجل، تُحمّل تكاليف النقل الإضافية تلك على حساب المستهلك.
مخاطر التسليم
لكن حتى ممارسة النشاط التجاري والاقتصادي في بلدان أكثر استقرارا مثل الأردن، تنطوي بدورها على تحديات فريدة من نوعها.
من بين الأمثلة في هذا الشأن، ما يرد على لسان “إيدي فرحات”، كبير مسؤولي التخطيط الاستراتيجي في موقع (ماركة في.آي.بي) للتسوق على شبكة الإنترنت ومقره العاصمة الأردنية عمّان، إذ يقول إن قليلا من الناس يستخدمون العناوين التقليدية المكونة من رقم المنزل واسم الشارع حينما يحددون للشركة المكان الذي يُفترض أن تُسَلِمْ لهم السلع فيه.
ويضيف فرحات قائلا: “ستعجب عندما تعلم أن لديهم في المملكة العربية السعودية عناوين (كتلك المتعارف عليها في مختلف أنحاء العالم)، ولكن ليس هناك من يستخدم مثل هذه العناوين.. فإذا ما كان أحدهم (يقيم) بجوار مطعم يقدم فطائر بيتزا، فإنه يشير إليه باعتباره معلما يمكن لنا الاستدلال بواسطته على المكان الذي يقيم فيه”.
ويستطرد بالقول: “عندما يكتب الناس العناوين التي يُفترض أن تشحن البضاعة إليها.. فإنهم (يكتبون) عناوين ليست على شاكلة تلك التي يمكنني إدخالها على (تطبيق) غوغل ماب والعثور عليها هناك”.
بالإضافة إلى ذلك، تُمنى الشركة بخسائر جراء تطبيقها نظام الدفع عند الاستلام، وهو نظام يحظى بشعبية لدى العملاء الذي لا يشعرون براحة إزاء الدفع ببطاقات الائتمان.
ويوضح فرحات قائلا: “اليوم، تحصل أي شركة تعمل في مجال التجارة الإليكترونية ]بأي دولة أخرى في العالم[ على مستحقاتها النقدية من العملاء قبل جلب بضائعها من الموردين. أما بالنسبة لنا، فالأمر يختلف تماما”.
ويضيف: “عندما نسلم البضائع إلى العملاء، بوسعهم قول لا (نريدها). وهذا يؤثر (سلباً) على الشركة بنسبة 20 في المئة، ويسبب مشكلات فيما يتعلق بميزانياتنا. نحن لا نشتري سوى المنتجات التي طلب عملاؤنا شراءها. أما ’ النقود ‘فإنها تُكدس في المخزن في صورة منتجات أُعيدت لنا” من قبل عملاء رفضوا تسلمها.
غياب التمويل المصرفي
ويمثل الافتقار للتمويل المصرفي عقبة رئيسية أخرى تواجه الشركات العاملة في الشرق الأوسط. ويعني ذلك أن بعض أصحاب الشركات، مثل رجل الأعمال معتز الخياط، يحاولون إدارة أنشطة شركاتهم على نحو لا يتجاوز حدود الميزانية التشغيلية الخاصة بها.
وقد فر الخياط من سوريا عام 2011، حيث أعاد في قطر – التي يحمل جنسيتها حاليا- تأسيس شركته العاملة في مجال المقاولات، والتي تحمل اسم “أوربا كون للتجارة والمقاولات”. ويوظف هذا الرجل نحو 12 ألف شخص؛ سواء في المقر الرئيسي بالدوحة، أو في فروع الشركة في مصر والأردن والمغرب.
ويقول الخياط إن المصارف تفرض قواعد صارمة فيما يتعلق بالضمانات المطلوبة لتوفير تمويل لمقاولين يتنافسون على الفوز بالمناقصات الخاصة بتنفيذ مشروعات كبيرة. ويعتبر أن مثل هذه القواعد تشكل “حجر عثرة على طريق إنجاز مثل هذه المشروعات”.
وبحسب الخياط، تواجه شركات التشييد والبناء معايير تتفاوت من دولة خليجية لأخرى فيما يتعلق بشروط المناقصات التي تشارك فيها هذه الشركات للفوز بحق تنفيذ مشروعات تُقام في هذه الدولة أو تلك بمنطقة الخليج.
ويضيف أن تلك الشركات تواجه كذلك “منافسة شرسة” من قبل نظيراتها الأجنبية، التي تستحوذ على 80 في المئة من مشروعات البناء والبنية التحتية في دول مجلس التعاون الخليجي؛ وهو المجلس الذي يشكل اتحادا سياسيا واقتصاديا تنضوي تحت لوائه ستة من البلدان العربية في المنطقة.
لماذا البقاء؟
رغم ذلك، لا يزال رجال أعمال مثل عزام علوش مصممين على إحراز النجاح؛ ويقول علوش: “أنا من هذه المنطقة، وليس بوسعي التخلي عن العراق. فالتخلي عن العراق يشبه التخلي عن حلم. فهناك مقومات هائلة كامنة فيه. لو كنت شخصا أكثر عقلانية، لكنت استسلمت منذ أمد طويل. ولكنني مستثمر عاطفي؛ من أسوأ الأنواع”.
وبدوره، لا يقل فادي ضو التزاما حيال لبنان. ويقول في هذا الشأن: “لدينا منتجات فريدة من نوعها طُوّرت على يد مهندسين في لبنان”، مضيفا بفخر أن لسان حال هذه المنتجات يقول “صُنع في لبنان”.