تتجه الأنظار إلى المشهد الاجتماعي – الاقتصادي – العمالي من خلال اللقاء الواسع الذي يُعقد في مجمّع “بيال” في بيروت حيث ينتظر اطلاق جرس الانذار حيال تداعيات الازمات السياسية. ويشكل اللقاء فرصة للمجتمع المدني بما فيه الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام والنقابات، لاعلان موقف ضاغط توصلا إلى “قرار ضدّ الانتحار” والخروج من الشلل السياسي الذي تحوّل من موقت إلى مستدام، وملء الفراغ الرئاسي الذي يكاد يصير “قاعدة” في حين أنه استثناء.
وأعلن المشاركون في التحضيرات للقاء أنه “في الوقت الذي تنتهي تحضيرات “نداء 25 حزيران” في “البيال” في جوّ من التعاون والتكامل، يؤكد المشاركون ان الاجتماع الذي تداعت اليه كل مكوّنات المجتمع المنتج من نقابات مهن حرة وعمال، مروراً بالهيئات الاقتصادية والمجتمع المدني، هو لقاء وطني جامع وفريد في تاريخ لبنان الحديث عابر لكل الانتماءات السياسية والقطاعية وحتى الداخلية والطائفية، لإطلاق صرخة في وجه الطبقة السياسية كل الطبقة السياسية، وهي: “أوقفوا الانتحار الجماعي”.
من جهته، أكد رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير لصحيفة ”المستقبل” أنّ لقاء “البيال” “ليس له أي طابع سياسي، إنما هو لقاء لكل القوى المنتجة المتضررة من الخلافات والأزمات السياسية وتعطيل المؤسسات الدستورية من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر لحل هذه الأزمات وفي مقدمها أزمة الشغور الرئاسي”، متسائلاً عما إذا كان هناك “أي شخص في لبنان ليس متضرراً من الأوضاع المتردية التي يشهدها البلد”.
وإذ رفض “تصغير أهداف اللقاء وحصرها بإعادة تفعيل الحكومة، لأن الحكومة هي أصلاً في وضع غير منتج وشبه معطلة حتى ولو اجتمعت”، أردف شقير موضحاً: “طلبُنا واحد، وهو إعادة الحياة للعمل السياسي وللمؤسسات الدستورية في لبنان، بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية ثم انتخاب مجلس النواب وقيام حكومة فاعلة على أساس توافق وطني عريض حول مصالح البلد العليا”، وسط تشديده في هذا الإطار على أنّ “أيّ علاجات لا تُبنى على حلول نهائية للانقسام السياسي وترسيخ السلم الأهلي لن يكون لها أي جدوى في مقابل المشاكل الكبيرة التي تصيب كل مفاصل الحياة في لبنان بشكل لم يعد ينفع معه إلا الحلول الجذرية والمستدامة”.
بدوره، اعلن عضو الهيئات الاقتصادية ورئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس لـصحيفة “السفير” ان لقاء الهيئات الاقتصادية في “البيال” الجامع اليوم هو بمثابة دعوة الى الإنقاذ قبل الانتحار، مؤكدا ان الرسالة موجهة الى كل الطبقة السياسية لتتحمل مسؤولياتها في إعادة تكوين السلطة وإخراج لبنان من عنق الزجاجة قبل ان يختنق ويحصل الانهيار الكبير.
ولفت الى ان صرخة الهيئات لا تنطوي على مبالغة بل هي انعكاس للواقع، مشيرا الى ان 14 بالمئة من مؤسسات الوسط التجاري، أي ما يعادل 82 مؤسسة، أقفلت أبوابها من آذار 2014 الى آذار 2015، وهناك على مستوى كل لبنان تراجع كبير في مبيعات وأرباح التجار الذين لم يعد بمقدروهم التحمل، وبالتالي فهم قرروا ان يطلقوا صرخة وجع.
ونبه الى احتمال ان تتعرض بعض القطاعات الاقتصادية والمالية اللبنانية، لا سيما القطاع المصرفي، الى عقوبات من المجتمع الدولي، إذا لم يقر مجلس النواب قوانين مكافحة التهرب الضريبي، ومكافحة تبييض الاموال ونقل الاموال عبر الحدود، ما يستدعي انعقاد مجلس النواب سريعا، على قاعدة تشريع الضرورة الاقتصادية العابرة لكل الحسابات السياسية.
وعن تعليقه على اتهامات عون الى الهيئات الاقتصادية وتأكيده أن الوضع الاقتصادي جيد، قال شماس: أنا أحترم العماد عون، ولكن اتهاماته لنا واستنتاجاته الاقتصادية منافية للحقيقة، وأنا لا ألومه بل ألوم من أعدّ له الملف، علما ان تردي الوضع الاقتصادي ثابت أصلا بالعين المجردة، ولا يحتاج إثباته الى خبراء. وأضاف: في الأساس، تضم الهيئات في صفوفها كل الاتجاهات والتلاوين، وبالتالي لا يمكن ان تُحسب في خانة جهة على حساب جهة أخرى.
وأشاد بموقف الرئيس نبيه بري سواء لجهة تمسكه بتشريع الضرورة أو رفضه الانسحاب من الحكومة حتى لو خرج الرئيس تمام سلام من الجلسة، موضحا ان هناك تناغما تاما بين الهيئات ووزير المال علي حسن خليل في مقاربة تحديات هذه المرحلة.
وأكد ان “أي جهة سياسية لم تضغط علينا للتحرك، بل ان الضغط هو من قواعدنا في الاسواق”، متمنيا على الزعماء السياسيين ان يتحلوا بالموقف ذاته الذي أطلقه الرئيس سعد الحريري تأكيدا للشراكة بين الهيئات الاقتصادية والطبقة السياسية في مواجهة التحدي الاقتصادي.
وكان الحريري قد قال في تغريدة على موقع “تويتر”: إني أضم صوتي الى المجتمعين اليوم في البيال لإطلاق صرخة محقة ضد الانتحار.
من جهتها، اعلنت مصادر قيادية في “التيار الوطني الحر” لصحيفة “السفير” ان الوضع الاقتصادي ليس كارثيا بالشكل الذي تصوره أرقام “الهيئات الاقتصادية”، لافتة الانتباه الى ان معدل النمو على سبيل المثال هو 2.5 بالمئة وهذا أعلى معدل في دول حوض المتوسط، وحجم الاقتصاد تطور منذ عام 2004 حتى اليوم بنسبة 138 بالمئة، والودائع المصرفية بلغت 150 مليار دولار، والتسليفات المصرفية تقارب الـ50 مليار دولار.
واعتبرت المصادر ان هذه المؤشرات تعني ان المشكلة ليست في الايرادات وحركة الاقتصاد، بل في سوء ادارة المال العام والإنفاق غير المتوازن مع الايرادات، متهمة الهيئات الاقتصادية بأنها تجنبت وضع الاصبع على الجرح وارتضت ان تكون غطاء لحركة سياسية ترمي الى تحقيق غايات سياسية ضد العماد ميشال عون.
وتساءلت مصادر “التيار”: لماذا لم ترفع”الهيئات” صرختها، لو انها مستقلة، عندما بدأ الدين العام يرتفع منذ ان استلم فريق سياسي الحكم عام 1992، الى ان بلغ حاليا اكثر من 70 مليار دولار، فيما تصل كلفة خدمته الى 4.4 مليارات دولار؟ ولماذا لم تعترض الهيئات على السياسة المالية والاقتصادية التي أوصلتنا الى هنا، بدل ان تتجاهل كل هذا المسار وتحاول الإيحاء بأن المشكلة هي عند عون؟
وشددت المصادر على ان توجهات الهيئات الاقتصادية هي الانتحار بحد ذاته وليست صرخة ضد الانتحار، لافتة الانتباه الى ان الموقف الذي صدر عن الرئيس سعد الحريري يؤكد ان لقاء الهيئات “يجمع جحا وأهل بيته”.
واعتبرت المصادر ان مشاركة الاتحاد العمالي العام في نشاط الهيئات الاقتصادية اليوم لا تغير في الواقع شيئا، مشيرة الى ان الاتحاد يتحرك غب الطلب بناء على إيعاز سياسي، في حين ان الهيئات النقابية التمثيلية التي تعكس نبض العمال فعلا ليست مشاركة.