يشهد العالم هذه الأيام ظاهرة اتساع نفوذ الصين من خلال برامج الاستثمارات الكبيرة، التي مدت أجنحتها إلى معظم أنحاء أميركا اللاتينية وقارة أفريقيا وآسيا الوسطى وجنوب شرق أسيا، إضافة إلى مشروع طريق الحرير الذي يمتد إلى شرق أوروبا ويشمل نحو 65 بلدا.
وتفيد التقارير بأن الصين بدأت تتجاوز العقبات السياسية، التي سببها موقفها من بعض الملفات السياسية مثل استخدامها للفيتو في مجلس الأمن الدولي لعرقلة قرارات ضد النظام السوري، وبدأت تولي منطقة الشرق الأوسط أولوية في برنامج استثماراتها الخارجية.
ويعد تأمين إمدادات الطاقة، أحد المرتكزات الأساسية في السياسة الاقتصادية الصينية، وهي تعتمد بشكل أساسي على المنطقة العربية في هذا المجال.
وبدأت الصين والبلدان العربية تبدي اهتماما متزايدا بآفاق التعاون الاقتصادي مع الصين، ظهر جليا من خلال زيارة عدد كبير من الزعماء العرب إلى بكين في السنوات الأخيرة، إضافة إلى زيارات المسؤولين الصينيين للبدان العربية.
وشهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة، بعد أن تزايدت أهمية الصين في الاقتصاد العالمي باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر منتج للسلع التجارية في العالم.
تعزيز العلاقات المصرفية
وفي مطلع يونيو الجاري، حصلت الصين على ترخيص بإنشاء فرع للبنك الصناعي والتجاري الصيني في الرياض، وهو أكبر مصرف في الصين، وسبق له أن افتتح فروعا له في أبو ظبي ودبي والدوحة والكويت.
وأكد المصرف الصيني أن السعودية هي الشريك الأكبر للصين في المنطقة، ووجهة استثمارية مهمة، وسوق للتعاقد على المشاريع الكبرى، وأن فروع المصرف في المنطقة ستكون جسرا ورابطا للتبادل الاقتصادي والتجاري.
وتبرز أهمية البنك كونه يملك شبكة تشمل 41 بلدا ويملك 338 شركة تابعة، ويمكن أن يكون مفتاح توسيع النشاط التجاري والاستثماري الصيني في منطقة الشرق الاوسط.
ويبرز الاهتمام الصيني من خلال مبادرات متعددة مثل إلإعلان عن تنظيم مؤتمر مصرفي عربي صيني في مقاطعة نينجا الصينية، في سبتمبر 2016 بالتعاون مع البنك المركزي الصيني، لتنسيق العلاقات المصرفية والتشريعات والتسهيلات القانونية المحفزة، لفتح فروع للمصارف العربية في الصين.
ثورة الاستثمارات الصينية
وتحرص الصين في خططها الاستراتيجية، على الدخول في استثمار مشاريع عملاقة في أنحاء العالم، وهو ما يمكن أن تقوم به في المنطقة العربية التي تبدو في أمس الحاجة إلى الاستثمارات الصينية.
وكانت التقديرات تشير إلى أن المنطقة العربية بحاجة إلى استثمارات بقيمة 450 مليار دولار في البنيه التحتيه قبل الربيع العربي، لكنها ارتفعت إلى أكثر من 700 مليار دولار، في نهاية 2014، وهي مرشحة للارتفاع مع تطور الصرعات والحروب.
وتزايدت أهمية التعاون الاستثماري بين الدول العربية والصين، في ظل تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وركود اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي. وترى بعض المصارف الخليجية أن الصين تتفوق على أوروبا والولايات المتحدة كوجهة مفضلة للعمل المصرفي.
ويمثل تأسيس الصين لبنك التنمية الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، فرصة للدول العربية التي سارع عدد منها للانضمام إلى البنك، الذي يمكن أن يكون منافسا قويا للمؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولي.
ويبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي في الصين نحو 10.4 تريليون دولار، وهي تملك احتياطات مالية تصل إلى 3.7 تريليون دولار، وتسعى لتقليل ارتباطها المالي بالدولار، بعد أن أصبحت العملة الصينية تغطي نحو 9 في المئة من حركة التجارة العالمية.
طريق الحرير
وشهد مؤتمر لرجال الأعمال العرب والصينيين، عقد في بيروت نهاية الشهر الماضي الإعلان عن مشروع بناء حزام اقتصادي لطريق الحرير، وتم الاتفاق على توسيع المشاورات لتطوير العلاقات الاستثمارية المتبادلة.
وأكد أكثر من 700 مستثمر عربي وصيني شاركوا في المؤتمر، حماسهم للمشاركة في مشروع طريق الحرير الجديد الذي ينتظر أن تتطور معه العلاقات الاستراتيجية بين الصين والعالم العربي، إلى مستويات تاريخية جديدة.
ويتوقع المراقبون أن يؤدي المشروع إلى زيادات غير مسبوقة في معدلات النمو الاقتصادي وأن يصل التبادل التجاري بين دول طريق الحرير إلى 3 تريلونات دولار سنويا بحلول عام 2025، وما ينتجع عنه من فرص العمل الجديدة.
وشهدت الأعوام الماضية توقيع مجموعة من الاتفاقيات بين الدول العربية والصين، وكذلك انضمام عدد من الدول العربية إلى بنك التنمية الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية.
ويمكن للصين أن تكرر في المنطقة العربية تجربتها الواسعة في الاستثمار في أميركا اللاتينية، حيث تتجه لاستثمار نحو 250 مليار دولار، معظمها في مشاريع البنية التحتية.
كما امتدت استثماراتها الكبيرة إلى معظم أنحاء القارة الأفريقية ليتسع نفوذها السياسي والاقتصادي على حساب تراجع النفوذ الأميركي في كلا القارتين.
وتحتل المنطقة العربية أهمية استراتيجية كبيرة في مشروع الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وقد خطت بلدان الخليج والمغرب ومصر خطوات كبيرة في التعاون الاقتصادي مع الصين.
وطرحت القيادة الصينية فكرة إنشاء طريق حرير بري جديد يعبر قارتي آسيا وأوروبا، وكذلك طريق حرير بحري يربط المحيط الهادئ بالمحيطين الهندي والأطلسي، بحيث يلتقي الطريقان عند منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يمنح الدول العربية أهمية خاصة بالنسبة إلى استراتيجية الانفتاح والتنمية التي تنتهجها الصين.