قد يعتقد للوهلة الاولى، أن لجنة حقوق الانسان التي رغب رئيسها النائب ميشال موسى في متابعة ذيول الاحداث الاخيرة في سجن رومية مرفقة باقتراح قانون مناهضة التعذيب، وفي حضور وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، لم تستقطب الوهج النيابي وتالياً الاعلامي اللازم، وذلك انسجاماً مع ضخامة الحدث المظهر اعلامياً في الخارج.
فهذه اللجنة التي تتألف من 12 نائباً، غاب عنها ممثلا “حزب الله” فيها أي النائبان نوار الساحلي ونواف الموسوي، ونواب تكتل “التغيير والاصلاح” غسان مخيبر وجيلبيرت زوين وحكمت ديب، والنائب عن كتلة “الكتائب اللبنانية” سامي الجميل. واقتصر الحضور، من داخل اللجنة، على النواب: ايلي كيروز عن “القوات اللبنانية”، وأمين وهبي وعاطف مجدلاني عن تيار “المستقبل”، في حين حل ضيفاً عليها النائبان مروان حمادة عن “اللقاء الديموقراطي” وقاسم هاشم عن كتلتي “التنمية والتحرير” و”البعث”.
فهل لهذا التوزيع السياسي للحضور ولعدمه دلالة على ارتباط بالشائعات التي أحاطت التعذيب وما بعده؟
أصرّ وهبي في كلامه الى صحيفة “المستقبل”، على التأكيد أن عدم التجييش النيابي والاعلامي مواكبة لأعمال هذه اللجنة مرده الى “حسن الاداء السليم في مقاربة هذا الملف” عند وزيري الداخلية والبلديات نهاد المشنوق والعدل أشرف ريفي. ورأى أن “الشفافية” التي اعتمدها المشنوق في تعامله مع التعذيب وآثاره هي التي ساهمت في تغييب هذا التجييش، معقباً: “ان مقاربة هذا الملف، في هذه الظروف التي يمر بها لبنان والمنطقة، قضية كبيرة تحسب للبنان. فمن يريد التوظيف في الجو المذهبي سيدخل في ألف قصة وقصة”.
ورداً على سؤال عن ربط تسريب فيديو التعذيب بـ”حزب الله”، أجاب: “لنفترض ذلك، ان المشكلة ليست في التسريب انما في التعذيب. وفي أي حال، من قاموا بهذه الاعتداءات على المساجين لا ينطلقون من خلفية مذهبية. ونحن ننظر الى السجين كفرد يمضي فترة محكوميته وله حقوق، ويجب أن نتذكر أن العسكريين تعرضوا، منذ زمن غير بعيد، للضرب المبرح على يد السجناء”.
ولكن، كيف كانت المداولات في اللجنة؟
وصف نواب شاركوا في الاجتماع الاجواء بأنها كانت “جيدة”. وأوضحوا لـ”المستقبل” أنهم استمعوا أولاً الى شرح “مستفيض” للوزير المشنوق الذي شرح ما حصل، واصفاً اياه بأنه “مدان ومستنكر”. وأصر على التأكيد للنواب أن ما حصل في سجن رومية ليس “تعذيباً انما اعتداء مدان وسيعاقب عليه من قاموا به”. وهو رغب في أن يميز بين “التعذيب” و”الاعتداء” انطلاقاً من مبدأ أن الفعل الاول يكون “ممنهجاً أي يعبّر عن سياسة تعتمدها حكومة ما أو جهاز ما”.
وبعدما عرض للنواب ما حصل في السجن، تفصيلاً، قال انه يريد “أن يتعرض المسؤولون المعتدون لعقوبات مسلكية وأن يحالوا على القضاء المختص”، مضيفاً: “حتى لو صار مثل هذا الاعتداء، الا أننا لا نزال نفتخر بأجهزتنا، والخطأ، أي خطأ، يعالج بالقانون”.
واستفاد وزير الداخلية من هذا الاعتداء ليكرر وصف الواقع الراهن للسجون قاطبة في لبنان. وأوضح أن “فيها اليوم 7500 سجين أي ما يناهز 3 مرات طاقتها الاستيعابية المقدرة بـ2400 سجين”. واذ لفت الى أن “لبنان هو البلد العربي الوحيد الذي سمح للصليب الاحمر الدولي بالدخول الى سجونه”، أكد أن هذه سياسة سيبقى يتبعها مع هذه المنظمة الدولية حتى تتحقق من وضع السجون والسجناء على السواء، مشيراً الى أنه في صدد تطبيق خطة لتحسين السجون، وتأمين الحقوق الانسانية للمساجين، “وحكي عن جهود تبذل وأموال تجبى لبناء سجون اضافية في المحافظات تليق بوضع السجين ومن ضمن الاطر المطلوبة”.
وفي السياق نفسه، سمع النواب من المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود تأكيده أن “هذه الامور ستعالج، وأن المرتكبين سيحاسبون، وأنه سيبذل جهداً استثنائياً لتكون هناك انتاجية أكبر في ملف السجون”. وبرر هذا الجهد بالآتي: “ان 60 في المئة من الذين في السجون اليوم هم من الموقوفين في حين أن النسبة المتبقية أي 40 في المئة هم من المحكومين”. وأوضح أن هذه النتيجة وصل لبنان اليها “بفعل الاحداث في سوريا. فسابقاً، كانت نسبة المحكومين أو الموقوفين السوريين تناهز الـ10 في المئة، في حين أنها ارتفعت اليوم الى 23 في المئة في مختلف الجرائم من مثل عدم حيازة الاوراق الثبوتية، والقتل، والنهب والمخدرات”.
وفي المداخلة الحكومية، سمع النواب أن المساجين المعنيين يقسمون الى 3 فئات: اسلاميون على علاقة بأحداث الضنية وغالبيتهم قضوا الاحكام التي أنزلت بهم، والفئة الثانية على علاقة بأحداث نهر البارد، وقد حل 28 ملفاً منهم من أصل 34. وترتبط الفئة الثالثة بالاحداث التي تلت العام 2013، فتكون الاحكام التي نزلت بهم تتفاوت بين فرد وآخر.
بعد هذين العرضين، فتح رئيس اللجنة الباب أمام النواب للمناقشة. فأثنوا على دور المشنوق في ادارة ملف هذه الازمة، مؤكدين “ضرورة الاسراع في بناء سجون جديدة تتمتع بالمواصفات الانسانية اللازمة فضلاً عن زيادة عدد القضاة حتى تتعزز انتاجيتهم”. بدوره، رد حمود مؤكداً الاتجاه صوب تسريع عمل المحاكم وخفض عدد الموقوفين.
وأجمع النواب، في تعليقاتهم أيضاً، على وجوب تعديل المادة 402 من قانون المحاكمات الجزائية بحيث يطلع القضاة على أحوال المساجين، مرة واحدة شهرياً على الاقل، وعلى انجاز قانون مناهضة التعذيب.
وأعلن موسى أن الوزير المشنوق عرض لواقع السجون، لافتاً الى أن “بناء سجون أخرى يفترض أن يبدأ قريباً في الشمال”. وقال ان ما حصل في سجن رومية “من عمل أفراد وليس من ضمن منهجية التعذيب”. ونقل عن حمود تأكيده “متابعة هذا الامر حتى النهاية وانزال العقوبات بالمتركبين”.
وأوضح أن اللجنة خلصت الى “متابعة وضع التعذيب في السجون والنظارات تطبيقاً للقوانين والاتفاقات الدولية، وتفعيل تطبيق المادة 402 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنص على زيارة القضاة ومدعي عام التمييز السجون مرة شهرياً على الاقل، وتعديل المادة 401 من قانون العقوبات اللبنانية للتعذيب وزيادة العقوبة، واقرار قانون الهيئة الوطنية لمناهضة التعذيب الذي بات جاهزاً لعرضه على الهيئة العامة استجابة للاتفاق الدولي الذي وقعه لبنان عام 2000 والبروتوكول الاخير لعام 2008، ووقف العمل بوثائق الاتصال من الاجهزة الامنية، ورفع السجون الى مستوى الاولوية في مجلس الوزراء على أن تكون هناك لجنة طوارئ وزارية لتحسين أوضاع السجون بتخطي الروتين الاداري وتوفير الامكانات العملية لحل هذه المعضلة بالسرعة اللازمة”.
وسئل موسى عن غياب وزير الدفاع الوطني سمير مقبل عن الجلسة، فأجاب: “هناك لغط. فهذه الجلسة استثنائية والدعوة اليه وجهت بسرعة، ونحن سنتابع الموضوع في جلسات أخرى متواصلة”. وبعدما أمل في معالجة “هذا الوضع الشاذ الذي يقتضي الاسراع في عقد جلسات اشتراعية وأخرى لمجلس الوزراء”، أشار الى أن الحادثة الاخيرة “تخطت حدود سجن رومية والقوانين والمفاهيم التي ندرسها الى الشارع، وهو سبب اضافي للاسراع في دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد وفتح دورة استثنائية لمجلس النواب بغية اقرار مشروع بهذا الحجم والاهمية”. ولفت الى ضرورة وقف العمل بوثائق الاتصال وهي عبارة عن “أذونات معينة من شأنها استدعاء السجين الذي قضى عقوبته في أي وقت من الاوقات”. وقال: “صدر هذا القرار وعممه مدعي عام التمييز على القضاة. ولكن، في بعض الاحيان، نلاحظ أن بعض الاجهزة الامنية لا تزال تتبعه”.
وفي دردشة مع الصحافيين قبيل مغادرته المجلس، أكد المشنوق أن “هذه القضية انتهت وباتت امام القضاء العسكري”. وقال: “لا نستطيع محاكمة مؤسسة فيها 30 ألف عنصر بسبب ارتكابات ومخالفات لـ5 أشخاص فيها”. واستغرب كيفية التركيز على “هذا الفيلم في وقت كان عرض، منذ 20 يوماً، فيلم عن تعذيب المساجين للعناصر الامنية، ولم يحرك أحد ساكناً، ولم يعط الامر أي أهمية”. وتوقع جلسة لمجلس الوزراء خلال أسبوعين.