Site icon IMLebanon

منطق صندوق النقد الدولي غير المنطقي !

IMF2
بروفسور غريتا صعب
جاءَ هذا متزامناً مع تحذيرات كريستين لاغارد رئيسة صندوق النقد الدولي من أنّ اليونان لن تَحظى بعد الآن بتسهيلات بالنسبة لديونها، ولن تكون هناك أيّ فترة سماح. قالت لاغارد بالحرف الواحد: «لديّ تاريخ واحد هو 30 حزيران وإذا لم تدفع في 1 تمّوز فهذا معناه أنّها لم تدفع». هذا هو مزاج لاغارد، أمّا مزاج ميركل المستشارة الألمانية فقد جاء أقلّ تشاؤماً، وإذا جاز التعبير أكثر ليونةً، حين صرّحَت أنّها لا تزال تعتقد بأنّ هنالك إمكانية للتوصل الى حلّ.

هذا ودون تقديم الإعانات المالية ومع استحقاق ديون صندوق النقد الدولي سوف تكون اليونان وللمرّة الاولى منذ خمس سنوات فقط مع خزائن فارغة ومستقبل غير أكيد. وعلى ما يبدو ما حاولت اليونان من خلاله شراء بعض الوقت بجزمِها انّها سوف تدفع استحقاقات صندوق النقد الدولي دفعةً واحدة في 30 حزيران (مجموع اربعة قروض) لم يجدِ نفعاً، لا سيّما وأنّ وضعَها المالي غير جيّد، وكذلك استحقاقات داخلية لا يمكن التخَلّي عنها، ممّا يعني أنّها تعاني من أزمة ماليّة مؤلمة قد تؤدّي إلى الإفلاس فالخروج من الإتحاد الأوروبي، هذا وقد حذّر مسؤولون اوروبيون من أنّ عدم تسامح صندوق النقد الدولي بعد استحقاق 30 حزيران يعني أنّ المركزي الاوروبي قد يقطع التمويل عن المصارف اليونانية المتداعية وانهيار كامل في العلاقات ما بين اليونان ودائنيها.

وإذا كانت المستشارة الالمانية تدرك ما معنى إفلاس اليونان لليونان ولأوروبا يالتحديد فإنّ كرستين لاغارد ومعها صندوق النقد الدولي تبدو أكثر تشَدّداً ودون أيّة حلول منتظَرة مِن المفترض أن تأتي مِن المرجعية الدولية الأهمّ والتي هي صندوق النقد الدولي.

وقد يكون منطق الصندوق والمحَلّلين فيه منطقاً صعباً وغيرَ تفاوضي، كذلك إنّ الدراسة الماليّة التي أجراها الصندوق لا تستند على أيّ منطق اقتصادي، إذ إنّه وبعد اعترافه بأنّ سياسة التشَدّد المالي مع اليونان والتي أدّت إلى حالة تقشَف غير إنسانية وأداء اقتصادي ضعيف يدعو اليوم الى اتّباع هذه السياسات نفسها في التعاطي مع الأزمة اليونانية، والسؤال الذي يَطرح نفسَه، كيف أنّ للسياسات التي فشلت في الماضي أن تنجح اليوم أو في المستقبل مع بلد على حافةِ الهاوية والافلاس؟.

وبالفعل يبدو أنّ دراسة صندوق النقد الدولي لم تكن واقعية وهي غير دقيقة، إذ إنّه وقبل عامَين اعترفَ الصندوق بأنّه قلّلَ مِن حجم المضاعفات الماليّة عند تصميمه برنامجَ الدعم لليونان، وبدلاً من أن يكون تراجع النموّ 0.5 جاء حسبَ صندوق النقد الدولي بين 0.9 و 1.7، ممّا يعني أنّ سياسة التقشّف وزيادة الضرائب التي طالبَ بها الصندوق لم تأتِ بالنتائج المرجوّة وساهمَت الى حد بعيد في انهيار الاقتصاد اليوناني، كذلك ساهمَت وإلى حدّ بعيد في عدمِ خفضِ نسبة الدَين الى الناتج المحَلّي.

وهذا المنطق الغريب الذي يحاول صندوق النقد الدولي فرضَه اليوم على اليونان والذي فشلَ في الأعوام الخمسة الماضية غير مبرّر، ومِن الأكيد أنّه لن يأتي بالنتائج المرجوّة مِن زيادة النموّ وتخفيف عجز الميزانية، وعلى ما يبدو أنّ صندوق النقد الدولي ليس لديه أيّ تبرير لشروطه الآن والتي فشلَت فشَلاً ذريعاً في السابق، ويفعل ذلك هذه المرّة على أنّ التجربة السابقة لم تأتِ بالنتائج المرجوّة، والسؤال الذي يبدو منطقياً الآن: لماذا لا يلجَأ صندوق النقد الدولي إلى الخطة «ب» حيث يساهم في تقديم الدعم المالي والتقني لليونان بشكل منظّم ومدروس يجَنّب البلاد والنظام الماليّ العالمي هزّات أخرى هو بغِنى عنها، لا سيّما وأنّ الاقتصادات العالمية ما زالت تحاول الخروج من النتائج الأليمة التي ولّدَتها الأزمة المالية العالمية في العام 2008- والدليل على ذلك الأزمة المصرفية التي بدأت تواجِهها اليونان اليوم بعد أن فشلَ اجتماع وزراء مالية منطقة اليورو.

والذي رفعَ من احتمال انهيار ماليّ كبير في اليونان قد يَرتدّ سلبياً على منطقة اليورو وحتماً المصارف الاوروبية المقرضة للحكومة اليونانية، وللعلم وخلال هذا الاسبوع فقط، فقد تمّ سَحب حوالي 2 مليار يورو من الودائع من البنوك اليونانية، ممّا أثارَ مخاوف أوروبّية متزايدة من عدم إمكانية المصارف اليونانية مِن فتح أبوابها مجدّداً.

على ما يبدو أنّ صندوق النقد الدولي والاتّحاد الأوروبي معه ما زالا يحاولان مواصلة لعبة سياسية حافّة الهاوية مع الحكومة اليونانية، ومستمرّين في الطلب من اليونان التوقيعَ على برنامج أثبت فشَله الذريع، وعددٌ قليل من الاقتصاديين يَعتقد بأنّ هكذا برنامج ينبغي أن ينفّذ، وقد تكون الحماقة الكبرى في مواصلة هذا البرنامج والذي أدّى إلى انخفاض بنسبة 25 بالمائة في الناتج المحلي الإجمالي، لذلك لا بدّ من القول إنّ توَقّعات ترويكا الخاطئة كانت كبيرة، لذك وحسب Joseph Stiglitz جرعة من الواقع ضرورية من جانب دائني اليونان حول ما يمكن تحقيقه من إصلاحات والنتائج الاقتصادية للإصلاحات المالية والتي قد تأتي نتائج إيجابية لمصلحة اليونان وأوروبا معاً.

ويبدو أنّ برامجَ التقشّف التي قامت بها ترويكا وتحاول إعادة سيناريوهاتها اليوم أخفقَت الى حدّ بَعيد واعتبرَت سنة 2011 سنة ضائعة بالنسبة لليونان، وجاء تقرير صندوق النقد الدولي يعترف بأنّ ما اعتقدَه بأنّ الاقتصاد اليوناني سوف يتجاوب على نحو معيّن مغاير للواقع، وكان الصندوق يتوقع بأنّ الناتج المحَلّي سوف يكون 5.5 بالمائة أقلّ ممّا هو عليه في العام 2009، والواقع أنّه تراجَع بثلاثة أضعاف هذه النسبة المئوية، كذلك البطالة والتي اعتقد بأنّها سوف تشَكّل 15 بالمائة من اليد العاملة جاءت بنسَبٍ تاريخية تجاوزَت الـ 25 بالمائة وأصبحَت تشَكّل عنصر اضطراب اجتماعيّ واقتصادي، كذلك إنّ دراسة اللجنة الثلاثية لتأثير التقليل من الإنفاق ورفع نسَب الضرائب شَكّلت عاملاً مهمّاً في الحياة الاقتصادية، لا سيّما وأنّها ساهمَت في تدهور الثقة في الأعمال التجارية.

لذلك قد يكون حانَ الوقت كي يستفيد صندوق النقد الدولي ومعه المفوّضية الاوروبية والبنك المركزي الاوروبي من فشَلِ هذه السياسة في اليونان، لا سيّما من ناحية تقييم الطريقة التي تُدار فيها أزمة الديون اليونانية وضرورة إعادة النظر بسياسات التقشّف والتي أدخَلت اليونان وللسَنة السادسة على التوالي في انكماش وتراجُع محاولة تشجيع الحوافز الضريبية والاتّعاظ من أنّ الانفلات في اليونان يجب ألّا يتكرّر.

لكن وعلى ما تبدو عليه الصورة الآن والترويكا على وشَك الوصول إلى «حلّ جديد» إذا جازَ التعبير للأزمة اليونانية نرى أنّ الصندوق، وهو المؤتمَن على النظام المالي العالمي، لم يتّعِظ مِن دروس اليونان وما زال منطقُه غيرَ اقتصادي لا يأخذ بعين الاعتبار الوَضعية الدقيقة للدوَل، ويطبّق كالعادة سياسة واحدة على الجميع.