في إحدى الليالي أخيرا في فندق سمير أميس في ضواحي أثينا الشمالية الغنية المُحاطة بالأشجار، كان شراب التوت يطفو في الكؤوس، والرجال في القمصان الكتّانية كانوا يدخنون السيجار بجانب البركة، حيث كانت النخبة في المدينة تتظاهر بأن البلاد ليست على حافة الانهيار الاقتصادي. قبل ذلك بساعات، كان 1.6 مليار يورو قد خرج من المصارف اليونانية، ما دفع أثينا لمناشدة البنك المركزي الأوروبي من أجل مزيد من التمويل، مع استمرار المواجهة بين الدائنين الدوليين وحكومة البلاد الشعبوية.
في حفلة عيد الميلاد على جانب البركة، كان رجال الأعمال الأثرياء والسياسيون والأكاديميون والشخصيات الاجتماعية يثرثرون بأصوات خافتة، بشأن الوقت الذي قد ستغلق فيه المصارف أو يجري تقييد عمليات سحب المال.
كما أطلقوا الانتقادات اللاذعة الغاضبة على عواهنها، في اتجاه حكومة يلومونها على تفاقُم الأزمة الحالية، والتعبير عن التفاؤل اليائس المُتعثّر من أن قادة منطقة اليورو لا يزالون يأتون لإنقاذهم. قالت ماريا، المصرفية التي في الأربعينات من عمرها “إن الحكومة تفتقر إلى الكفاءة وتدمر البلاد لأنهم شيوعيون ولا يفهمون الواقع. على أنه يجب أن يكون هناك اتفاق. الاتحاد الأوروبي يجب أن يُنقذنا”. وقالت وهي تعبث بإصبعها في قلادة ذهبية، “أليس كذلك”؟ على الأقل منذ الحرب الأهلية في البلاد، كان المجتمع اليوناني مُمزقاً بسبب الانقسامات العميقة بين اليسار واليمين. محنة اليونان المالية تعمل الآن على إعادة فتح الجروح القديمة، التي كانت قد التأمت على مدى أجيال.
بالنسبة للأثرياء، الحياة بدون اليورو لا يُمكن تصوّرها ألبتة. جعلت العملة الموّحدة من السهل عليهم إرسال أطفالهم للدراسة في الخارج، وشراء العقارات والسلع الفاخرة في أماكن أخرى في أوروبا.
الأكثر من ذلك، فإن العملة قد عملت على تمييز اليونان عن جيرانها الفقراء في منطقة البلقان، مؤكدةً مكانتها وسط أوروبا المُزدهرة، لكن مع استمرار الأزمة يرى اليونانيون الآخرون – خاصة أنصار رئيس الوزراء اليساري أليكسيس تسيبراس – على نحو متزايد، أن مساواة عضوية العملة تعني تخفيضات الإنفاق العام تُحدِث الشلل، وعدم المساواة الاجتماعية.
حتى الآن، كثير من النخبة في البلاد افترض أن تحدّي تسيبراس دائني البلاد، كان بمثابة خدعة مدروسة لاستخراج مزيد من المساعدات من قادة الاتحاد الأوروبي، الذين يخشون من تداعيات خروج اليونان من منطقة اليورو. في الحفلة المذكورة في شمال أثينا، أدرك البعض أن كثيرا من أنصار حزب سيريزا يشعرون أنه ليس لديهم ما يخسرونه، وبالتالي فهم على استعداد للقفز إلى المجهول مع احتمال العجز عن السداد، بدلاً من المعاناة من عار التراجع ومزيد من تخفيضات الإنفاق العام. قال باتروكلوس كودونيس، مؤسس شركة أديكويت لاستشارات المخاطر السياسية “إن الطبقة العاملة التي لا تملك المال لإنفاقه والحسابات المصرفية الفارغة ليس لديها ما تخسره. بالتالي، فهُم يدعمون الحكومة، وكما تُظهر استطلاعات الرأي، فإن نصفهم يُفضّل خروج اليونان”.
كودونيس وجد نفسه ينضم إلى احتجاج لمؤيدي الاتحاد الأوروبي مساء يوم الخميس في أثينا، حيث تم تنظيمه رداً على مظاهرة لأنصار حزب سيريزا. ويعترف بأنه مجرد تمثيل “لم أتصوّر نفسي أتولى هذا العمل على الإطلاق”.
وعلّق قائلاً “أولئك الذين لديهم شيء – أو الكثير – ليخسروه يصبحون ساخطين جداً. حيث يشعرون أنهم يتعرضون لخطر شديد، وهم الآن مستعدون لترك أرائكهم والاحتجاج في الشوارع”. الخوف مما قد يحدث هذا الأسبوع، بما في ذلك تحذيرات ضوابط رأس المال للمصارف اليونانية في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق اليوم، دفع اليونانيين الأغنياء لنقل الجزء الأكبر من ثروتهم إلى الخارج، أو تخزين أكوام من النقود في منازلهم.
وفقاً للبيانات من نهاية شهر نيسان (أبريل) الماضي، تم نقل نحو 70 مليار يورو من اليونان إلى بلدان أخرى في منطقة اليورو منذ نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، تماماً قبل اندلاع الأزمة السياسية في نهاية المطاف التي جلبت حزب سيريزا إلى السلطة.
يقول ديميتريس باراسكيفاس، الذي يُدير مكتب محاماة مملوكا للعائلة في أثينا “الجميع لديه خطة خاصة به. أخرج الناس أموالهم من المصارف وفعلوا بها شيئاً ما، لدي صديق ناجح، راهن على شراء الأسهم. وهناك أشخاص آخرون يشترون الطعام”.
وضع باراسكيفاس خططا لإرسال والدته البالغة من العمر 79 عاماً إلى منزله في لندن إذا ساءت الأمور. كما فتح أيضا حسابات مصرفية في بريطانيا من أجل أعماله، حيث قال “إذا وصلت ضوابط رأس المال، فسيكون ذلك بالفعل بمثابة كابوس. وسيكون هناك كثير من البؤس”. عودة إلى الحفلة، كان الرقص قد بدأ والكوكتيلات تتدفق. وعلّق أحد الضيوف، بينما كانت أطباق التروفيل بالآيس كريم تجول بين الحشد الذي تعلو أصوات ضحكاته قائلاً “هذا يشبه الأيام الأخيرة لروما، أليس كذلك”؟ وأضاف، لكن بثقة “سيكون هناك اتفاق. أنا واثق من ذلك”.