كتب داود رمال في صحيفة “السفير”: لا يقتصر الحراك الفاتيكاني ـ الفرنسي باتجاه لبنان على الموضوع الرئاسي، إنما يتخطاه الى مسألة المصير والوجود المسيحي في الشرق، مع تعاظم المخاوف من التراجع في هذا الحضور والوجود جراء الموجة التكفيرية التي تستبيح كل المناطق، ومنها حيث يتواجد المسيحيون.
ويذهب البعض الى حد القول إن الفاتيكان، بنسبة ما، يشير بإصبع الشغور الرئاسي في لبنان الى المرجعية الدينية المارونية، بعدما عمد البطريرك الماروني بشارة الراعي الى جمع القادة الموارنة الأربعة قبل اكثر من سنة، والطلب اليهم الاتفاق على انتخاب احدهم. وقد نقل الموفد الفاتيكاني دومينيك مامبرتي هذا الموقف الى بكركي. كما ان الموفد الفرنسي جان فرانسوا جيرو نقل ايضاً جواً يشير بمسؤولية معينة لبكركي عن الفراغ الرئاسي.
الا ان مصدراً رفيعاً كشف ان مامبرتي طلب من الراعي بـ«لباقة فائقة» أن يخفف في الحراك الرئاسي. وهذا الجو ساد منذ الزيارة الاخيرة التي قام بها الراعي الى روما بحيث كان تلميح للبطريرك بأن يعمد الى مقاربة مختلفة رئاسياً، وهذا ما برز من عظات البطريرك، والمقصود بالتخفيف ليس إهمال هذا الملف الاساسي الذي يتصف بالأولوية، بل بما أن المبادرات المتواصلة لم تؤد الى نتيجة فلا داعي لتكرارها. وأن هذا الامر اثّر في الفاتيكان، لانه لو كان هناك قناعة بإمكانية توصّل بكركي الى خرق جدي في موضوع الرئاسة لما كان حضر الموفد مامبرتي وجال على كل القيادات، ولكان تم الاكتفاء بالتنسيق عبر السفير البابوي المعتمد في لبنان.
والتعويض عن التعثّر الرئاسي كان بالدفع نحو حراك ذي طابع مسيحي على مستوى المنطقة. ويشير المصدر الرفيع إلى أن الفاتيكان هو الذي كان وراء الطلب الى الكاردينال الراعي التوجه الى سوريا لعقد قمة مسيحية روحية هناك. لأن الفاتيكان يعتبر ان دمشق لا تزال، الى جانب بيروت، العاصمة المشرقية الاولى القادرة على حماية ما تبقى من الوجود المسيحي في هذا الشرق. وأيضاً هي كانت وراء الزيارة الى اربيل في العراق. كما ان الفاتيكان ينسق مع الكنيسة الارثوذكسية الروسية من اجل تحصين الوجود المسيحي في سوريا والعراق والاردن وفلسطين، وكيفية تأمين الحماية الدولية لهذا الوجود عبر توفير مستلزمات الصمود لمواجهة الهجمة التكفيرية المتواصلة التي تستهدف القرى والبلدات والمدن المسيحية. وقد تجلى ذلك واضحاً في البيان المشترك الذي صدر عن القمة الروحية المسيحية بمشاركة ممثل عن الفاتيكان.
اما على مستوى الحراك الفرنسي فإن الانطباع الذي ينقله المصدر هو ان الفرنسيين يتقاطعون مع الفاتيكان في إعطاء الأولوية لمسألة الوجود المسيحي في الشرق، لذلك هم ما عادوا مهتمين بالوصول الى حل في موضوع رئاسة الجمهورية، وحتى انهم لم يعودوا مهتمين للقول بأنهم هم مفوضون من قبل الاميركيين. كل ما يقولونه إنهم والفاتيكان يتحركان على قاعدة انه لا زال هناك من يهتم بلبنان ويريد انتخاب رئيس جمهورية، لكنهم يعرفون جيداً ان لا الاميركي ولا السعودي مهتم رئاسياً ولا الإيراني على عجلة من امره، كل ما في الامر انهم يتحركون ويعلمون سلفاً انها حركة من دون بركة، ما داموا يفتقدون الى وسائل الضغط وأدوات العمل. بينما الاميركي يستطيع ذلك لأن حلفاءه معه، وبالنسبة للآخرين فهو يريد ان يبيعهم شيئاً ما، إلا ان هذا الاميركي وفي الوقت الحاضر غير مهتم بموضوع رئاسة الجمهورية.
ويستشهد المصدر بما تداول به الموفد الفرنسي جيرو في زيارته الاخيرة الى لبنان. وعلى سبيل المثال انه، خلال لقائه مع «حزب الله» تكلم ساعة كاملة عن سوريا، وعمد الى التهويل في الموضوع السوري لجهة قوله إن «الوضع صعب وإن الرئيس بشار الأسد سيسقط». وفي نهاية اللقاء، ومن باب رفع العتب، سأل إن كان هناك من جديد يتعلق باستحقاق رئاسة الجمهورية. اي انه يسأل ولا يطرح مبادرة او يحمل افكاراً. اهتمامه في مكان آخر. كما ان جيرو لن يقوم الآن بزيارة الى ايران قبل توقيع الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 وقبل نهاية شهر رمضان. واللافت ايضا ان منسقة الامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ التي زارت طهران وكانت استجابة سريعة لطلب تحديد لقاءات مع المسؤولين الايرانيين، الا ان طلبها لزيارة السعودية الذي تزامن مع طلب الزيارة الى ايران لم يستجب حتى الآن ولم يحدد لها موعد للزيارة.
اللافت حسب المصدر ان الديبلوماسيين الاجانب الذين يلتقي بهم «حزب الله» يعبّرون عن تقدير عال على الجهد الذي يقوم به «حزب الله» في القلمون ويعتبرون ان ذلك من شأنه ان يدعم الاستقرار في لبنان ويحميه ويعزله عن بنية تنظيمي «داعش» و «النصرة».