عامر ذياب التميمي
تتزايد أعداد العاملين خارج بلدانهم بفعل الهجرات والتنقل بحثاً وراء الرزق أو محاولة التحرر من الاضطهاد السياسي أو تحسين مستويات المعيشة. وتورد تقارير ان أعداد العاملين في الخارج ربما يزيد عن 180 مليون فرد، لكن ما من تقديرات دقيقة لحجم الأموال التي يحولها هؤلاء إلى أهلهم وذويهم في بلدانهم الأصلية، لكن تقارير تشير إلى ان ما جرى تحويله العام الماضي يزيد عن 436 بليون دولار.
وتعتمد بلدان عديدة على تحويلات مواطنيها العاملين في الخارج كمصدر دخل بالعملات الصعبة، وقد تمثل هذه التحويلات نسبة مهمة من الناتج المحلي الإجمالي. وتأتي الهند في المقدم بتحويلات بلغت عام 2013 ما يربو على 70 بليون دولار. وجنت الصين 60 بليون دولار، والفيليبين 27 بليوناً. وحلت مصر سابعة بـ 18 بليون دولار.
لا شك في ان هذه الأموال مهمة وتزيد من رصيد النقد الأجنبي في البلدان النامية والناشئة. ويمثل العاملون في الخارج للعديد من هذه البلدان ثروة قومية يجب مراعاتها ربما بتحسين المستويات المهنية للعاملين في الخارج وتطوير النظام التعليمي لتأهيلهم وتشجيع البلدان المستوردة لليد عاملة على جذبهم وتأمين أفضل الوظائف لهم.
وخلال السنوات الماضية تمكنت الهند والصين والفيليبين من تصدير يد عاملة مؤهلة في تخصصات عديدة، مثل التمريض والأعمال الميكانيكية والخدمات السياحية وأنظمة الكمبيوتر والبناء. وتمكن كثر من العاملين من هذه البلدان من الالتحاق بأعمال في بلدان متقدمة مثل الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، وأحياناً اليابان. وبرع عدد من هؤلاء العاملين في مجالات التعليم في الجامعات المرموقة في البلدان المتقدمة. يضاف إلى ذلك ان العديد من المهاجرين نشطوا في مجالات الأعمال الحرة وبنوا مؤسسات صغيرة ومتوسطة وطوروها لتحقق نتائج متميزة مكنتهم من تحويل مزيد من الأموال إلى بلدانهم الأصلية، والاستثمار في نشاطات اقتصادية في مواطنهم.
وظاهرة الهجرة من أجل العمل وكسب الدخل قديمة. خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر هاجر كثر من الأوروبيين، مثل الإسبان والإيطاليين، إلى أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية وغيرها من قارات من أجل تحسين مستويات المعيشة، وعمل هؤلاء لتحويل أموال مهمة إلى مواطنهم. وحتى خلال القرن العشرين كانت بلدان أوروبية تعتمد إلى درجة مهمة على تحويلات العاملين في الخارج، فمثلاً، كانت هذه التحويلات تمثل 21 في المئة من حصيلة الحساب الجاري لإسبانيا في 1946، أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
ولا تزال بلدان متقدمة تحصل على أموال مهمة من خلال تحويلات العاملين في الخارج، فالعديد من الأفراد المقبلين من الدول المتقدمة للعمل في مشاريع أو نشاطات في البلدان النامية والناشئة، يحولون نسباً معقولة من مداخيلهم. وتفرض هذه البلدان، مثل الولايات المتحدة، ضرائب على مداخيل المواطنين العاملين في الخارج.
عربياً، قدر المركز المالي الكويتي في دراسة حديثة ان تحويلات العاملين الأجانب في بلدان الخليج عام 2014 تجاوزت 100 بليون دولار، أو 6.2 من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لتلك البلدان. وبذلك تكون منطقة الخليج من أهم مصدري تحويلات العاملين في الخارج على المستوى العالمي بعد الولايات المتحدة وتفوقت على العديد من البلدان الصناعية الرئيسة. ومعلوم ان جل العاملين الأجانب في منطقة الخليج أتوا من مصر واليمن والهند والفيليبين وبنغلادش وباكستان وسريلانكا. ولذلك فإن جزءاً مهماً من التحويلات لتلك البلدان المصدرة لليد عاملة تدفق إليها من بلدان الخليج.
ويُتوقَّع ان تنمو التحويلات من بلدان الخليج خلال السنوات المقبلة، خصوصاً إذا استمرت هذه البلدان في استقدام مزيد من اليد العاملة من الخارج لإنجاز كثير من المشاريع الإنشائية أو إدارة العديد من المنشآت والمؤسسات مثل المستشفيات الجديدة أو المدارس أو مراكز الخدمات والمطاعم والفنادق. ولا يمكن للمرء ان يتوقع ان تخفف بلدان الخليج اعتمادها على اليد العاملة الوافدة في الزمن المنظور نتيجة السياسات المالية والاقتصادية الراهنة وطغيان مفاهيم الاقتصاد الريعي في هذه البلدان.
وارتفعت أخيراً أصوات مطالبة بفرض رسوم أو ضريبة على تحويلات العاملين في بلدان الخليج. معلوم ان ليست هناك ضرائب، كما هو متبع في بقية بلدان العالم، على مداخيل المواطنين والمقيمين في بلدان الخليج. ودرست عُمان مشروعاً لفرض رسم بنسبة اثنين في المئة على تحويلات العاملين الأجانب لديها. ولا بد ان يواجه هذا المشروع معارضة من الوافدين وقد يدفع إذا أقر العديد منهم إلى التحويل بطرق ملتوية لتفادي دفع هذا الرسم. وطرح أحد أعضاء مجلس الأمة في الكويت مشروع قانون لفرض رسم نسبته خمسة في المئة على تحويلات العاملين.
ان ارتفاع قيمة تحويلات الوافدين إلى الخليج إلى مستوى مهم يمثل 6.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بـ 0.7 في المئة في الولايات المتحدة أمر يدعو إلى القلق. لكن هذا القلق يجب ان يكون إيجابياً، فيحفز الإدارات الحكومية على انتهاج برامج جديدة لتطوير التعليم، خصوصاً المهني، بما يكفل خلال مدى زمني معقول تعزيز مساهمة اليد العاملة الوطنية لتقليص الاعتماد على اليد العاملة الوافدة ومن ثم خفض قيمة تحويلاتهم.