Site icon IMLebanon

سد القيسماني.. حرب دراسات

MohamadKabbani3
عزة الحاج حسن
تشكّل السدود المائية في لبنان مادة خلافية دسمة، لما تسبّبه من أضرار اقتصادية وبيئية في حال فشلت في تحقيق أهدافها المرجوة، وكذلك لما تحمله من منافع “مالية”، لاسيما إذا تم تضخيم حجم تكلفتها، و”سياسية” إذا تم إنشاؤها ضمن نطاق نفوذ أحد السياسيين أو المنتفعين.
بعد المزايدات السياسية التي حصلت في شأن مشروعي سدي جنة وبسري، ورغم الشكوك التي حامت حولهما والدعاوى التي رفعت بحق كل منهما، لا يزالان حتى اليوم قيد التنفيذ من دون أي توضيح من الجهات المعنية لمدى جدوى كل منهما والتكلفة الحقيقية لتشييدهما.
اليوم يتصدر سد القيسماني الحديث عن السدود في لبنان، بعد دخوله معمعة الخلافات، والدعاوى القضائية، واللافت هو إستناد المعارضين لإقامة السد والموافقين عليها في مواقفهم الى دراسات جامعية ذات مستوى عالٍ، ما أدى الى انتقال الخلاف على إقامة السد من أهالي منطقتي حمانا وفالوغا وجمعيات المجتمع المدني الى الخبراء الفنيين، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول مدى صحة الدراسات الجامعية والآراء الفنية بشأن جدوى سد القيسماني.
المعترضون على إقامة السد يرون فيه “خراباً” لمنطقة حمانا بأسرها، ويلوّحون بتصعيد تحرّكاتهم الإعتراضية، في حال السير بمشروع السد، قد تصل الى “استخدام القوة”، بحسب تعبير الناشط المدني رجا نجيم، المواكب لأهالي حمانا في قضية السد، إذ يصف نجيم في حديث لـ “المدن” الدراسات التي تؤكد جدوى إقامة سد القيسماني بـ “الدراسات المزوّرة والملفّقة وغير العلمية”.
ويعتبر المعترضون أن “الإفادة المتوخاة من إقامة السد لن يتم تحقيقها، إذ تعترضها الكثير من المحاذير الخطيرة، ابرزها خطر انهيار حائط السد أو انزلاق الجبل لأن المنطقة غير مستقرة ومعرضة باستمرار للزلازل والهزات، لاسيما أن المنطقة سجّلت عام 2012 نحو 8 تحرّكات، ما يعرّض حمانا والمنطقة الى أضرار كبيرة، إضافة الى التعرّض للمياه الجوفية المتمثّلة بنبع الشاغور والينابيع الأخرى، إذ يسبب السد هدراً لهذه المياه بنسبة 59%”. كما يرى المعترضون إن “غلاف الزفت الذي من المفترض أن يغلف سد القيسماني من اجل حماية المياه هو على تماس مباشر مع المياه، وبالتالي يؤثر صحياً على المستفيدين من مياه السد”.

وإذ يستغرب نجيم تكلفة تشييد السد، وهي 30 مليون دولار “في حين هناك العديد من الحلول البديلة التي لا يمكن أن تُلحق أي ضرر بالمنطقة”، كإقامة خزانات مياه كبيرة على طول نبع الشاغور، أو حفر آبار أرتوازية عديدة لتخزين المياه بكلفة أقل بكثير من كلفة بناء السد، يؤكد إصرار المجتمع المدني وأهالي حمانا على وقف العمل بالسد “حتى وإن اضطرّنا ذلك، الى استخدام القوة لمنع تشييده”.
موقف أهالي حمانا والمجتمع المدني فيها، المعارض لإقامة السد المذكور، لم ير فيه أحد الخبراء الهيدروجيولوجيين، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، سوى انعكاس لحال البلد والإنقسام السياسي الحاصل. إذ اعتبر في حديثه إلى “المدن” أن “رفض إقامة السد ينم عن موقف سياسي (بين حزب”القوات اللبنانية” الموافق على بناء السد، و”التيار الوطني الحر” الرافض له) وليس عن أسباب تقنية باعتبار أن الدراسات التي يستند إليها الخبير تؤكد جدوى إقامة السد في مكانه الحالي إذ أن المخاطر الناجمة عن انهيارات التربة أو وقوع زلازل لا تتعدى نسبة 1 أو 2 في المئة”. ويصر الخبير على جدوى إقامة السد لاسيما بعد تعديل مكانه بما يبعده نحو 400 متر عن موقعه السابق، إذ كان من المفترض أن يختزن في موقعه السابق 550 ألف متر مكعب من المياه وبارتفاع 30 متراً، أما في موقعه الجديد فهو يتّسع لنحو مليون متر مكعب وبارتفاع 15 متراً فقط”.
أمام واقع الدراسات والدراسات المضادة يصبح الحديث عن تسييس المواقف أمراً أقل خطورة مما هو عليه اليوم، فمن يضمن لاحقاً جدوى إقامة أو عدم إقامة سد القيسماني؟ ومن يؤمن للأهالي مياه الشرب في حال لم يتم تشييد السد؟ ومن يؤمن سلامتهم في حال تم تشييده؟