ساندي الحايك
لأن القمح سلعة استراتيجية، تسعى الدولة اللبنانية للمحافظة على إنتاجه وتثبيت اسعاره، بنحو يتناسب مع إمكانياتها. إلا أن شوائب كثيرة تعتري هذا القطاع لا سيما لناحية إرتفاع كلفة الإنتاج، الأمر الذي يدفع بالعديد من المزارعين إلى التخلي عن هذه الزراعة والإتجاه نحو زراعات أخرى.
تعد مناطق مثل البقاع، بعلبك-الهرمل، عكار، الجنوب، والنبطية.. من أهم المناطق اللبنانية التي تنتشر فيها زراعة القمح. وبحسب تقرير صادر عن وزارة الزراعة بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية العالمية (FAO) ومكتب التعاون الإيطالي، تبلغ المساحة الإجمالية المزروعة قمحاً في لبنان نحو 289403 دونمات. وتحظى منطقة البقاع بحصة الأسد منها أي ما يقارب 44%، تليها عكار بنسبة 22%، ثم بعلبك-الهرمل بـ14%، النبطية بـ12%، والجنوب بـ6%.
ويتراوح حجم الإنتاج اللبناني من القمح بين 100 و140 ألف طن سنوياً، في حين أن حاجة لبنان الاستهلاكية للقمح تتراوح بين 450 و550 ألف طن سنوياً. ويوضح جاسم عجاقة، مستشار وزير الاقتصاد آلان حكيم، في حديث لـ “المدن” أن “حجم إستيراد القمح يختلف من عام إلى آخر بحسب كمية الإنتاج المحلي التي تختلف بدورها تبعا للعوامل المناخية. والدولة اللبنانية ليست الوحيدة المعنية باستيراد القمح، إذ أن العديد من الشركات الكبرى والمطاحن تستورده أيضاَ”. ويشير إلى أنّ “وزارة الإقتصاد والتجارة لا تشتري القمح مباشرة من المزارعين إلا بحالة واحدة، تقوم خلالها بتقديم إقتراح إلى مجلس الوزراء يقضي بشراء القمح من المزارعين بسعر محدد، وعليه يتم الشراء في حال وافق المجلس عليه. ولذلك فإن الوزارة تسعى عند عقد المناقصات مع الشركات الكبرى إلى تثبيت سعر القمح، وهي لا تتدخل في السوق المحلية إلا عند إرتفاع سعر القمح عالمياً، فتدعمه وتقوم بشرائه”. وتذكر الوزارة على موقعها الإلكتروني أنها “تتدخل عند الضرورة داعمة للقمح، أو الطحين، لبيعه من جانب المطاحن بأسعار مخفضة بشكل يساعد على ثبات سعر ربطة الخبز ووزنها، كما حصل ما بين آب 2007 وتشرين الأول 2008”.
ويأسف عجاقة لتخلي “جزء كبير من مزارعي القمح عن هذه الزراعة واستبدالها بزراعات ذات مردود مادي أكبر. وهنا تقع المسؤولية على وزارتي الإقتصاد والزراعة معاً”، إذ يفترض بالوزارتين “خلق سياسة إقتصادية تهدف إلى دعم هذا القطاع بكل السبل المتاحة”.
قمح عكار
كانت زراعة القمح في عكار قبل نحو 45 عاماً، الأكثر إنتشاراً، في حين لا تتجاوز الأراضي المزروعة قمحا اليوم الـ20% من المساحة الإجمالية للسهل العكاري. فقد تخلى جزء كبير من مزارعي القمح عن زراعته، وقد أهمل بعضهم أرضه وتركها “بوراً”، وبعضهم الآخر استبدل زراعة القمح بزراعة أنواع أخرى من الحبوب أو الخضار التي يمكن تصريفها سريعاً في الأسواق المحلية. ويوضح أحد كبار مزارعي القمح في عكار خضر زهرمان لـ “المدن” أن “الأجواء المناخية هذا العام ساهمت برفع مستوى الإنتاج، إلا أن المشكلة تكمن في تصريفه. إذ لا يتجاوز سعر كيلوغرام القمح في السوق المحلية الـ400 ليرة لبنانية، بينما نتكبد نحن الملايين في زراعة الموسم وحصاده، أي أن سعر المبيع لا يتناسب مع الاسعار المرتفعة للمواد الاولية، ما يدفعنا في الكثير من الأحيان إلى التخلي عن هذه الزراعة”. ويكشف المزارع مصطفى الدهيبي أن “حصة عكار من إنتاج القمح تراجعت كثيراً في السنوات العشر الماضية”.
كذلك تفتح عمليات الإستيراد لكميات كبيرة من القمح باب التساؤلات عن الإجراءات المتخذة لعدم تكرار حادثة الباخرة “صوفيا” التي أفرغت كميات كبيرة من القمح الفاسد في إهراءات مرفأ بيروت قبل نحو سنتين. وفي حين تستوعب إهراءات مرفأ بيروت نحو 120 ألف طن من القمح، لا توجد في محافظة عكار إهراءات لتخزين القمح والمحافظة على جودته. ووفق المزارع أحمد زهرمان فإن “المزارعين يواجهون مشاكل كبيرة بسبب تأخر الوزارة في تحديد موعد تسليم القمح، ما يضاعف معاناتنا في عملية التخزين، نظراً لكون المستودعات غير مؤهلة وظروف التخزين صعبة ومعقدة، ونحن لا نملك الخبرة المطلوبة للمحافظة على انتاجنا. وبسبب غياب المستودعات المؤهلة لهذا الغرض في عكار، يتعرض القمح للرطوبة وللحرارة العالية، فيفسد وتأكله الحشرات”.
في المقابل توضح مهندسة التحسين النباتي في مصلحة الأبحاث الزراعية في الشمال المهندسة الزراعية رولا العميل، لـ “المدن” أن “العمل جارٍ مع مزارعي الشمال بهدف تمكينهم من الحفاظ على أكبر كمية ممكنة من القمح، إذ أقمنا العديد من الندوات والمحاضرات لإرشاد المزارعين إلى كيفية تخزين القمح. كما رفع المزارعون طلباً إلى وزارة الإقتصاد بهذا الخصوص”. معتبرة أن “موسم القمح العكاري جيد جداً”، وعموماً، “نحن نسعى إلى دعم المزارع اللبناني بشتى الطرق لتحفيزه على التمسك بأرضه ومهنته لما لهذه الزراعة من أهمية حياتية وإقتصادية”.