IMLebanon

المعاني الاقتصادية لزيارة محمد بن سلمان الى روسيا

BinSalmanPutin
مروان اسكندر

قام ولي ولي عهد المملكة العربية السعودية ووزير دفاعها محمد بن سلمان بزيارة روسيا لمحادثات مستفيضة مع كبار المسؤولين الروس، وقد رافقه وفد شمل بين اعضائه وزير النفط السعودي علي النعيمي، الذي هو وزير منذ 1986، وقد تحمل مسؤولية هبوط اسعار النفط لتمنعه عن استجابة طلب أعضاء في “أوبيك” قبل اجتماعهم الاخير خفض الانتاج السعودي. ورافق محمد بن سلمان، الوزير الشاب الذي يتولى مسؤولية كبيرة وزير خارجية السعودية الذي كان لسنوات سفير المملكة في الولايات المتحدة، وعدد من كبار المسؤولين السعوديين.

استناداً الى الحرب القائمة على الحوثيين في اليمن الذين ارادوا تهديد السعودية على حدودها الجنوبية الغربية، اعتبر معلقون كثر ان الغرض من الزيارة تعزيز علاقات التسلح بين روسيا والسعودية، وسعي محمد بن سلمان الى إقناع الرئيس فلاديمير بوتين بتخفيف الدعم لبشار الاسد وحثه على المضي في مفاوضات مع قوات المعارضة وممثليها انطلاقاً من قرارات مؤتمر جنيف الاول.
ليس من شك في ان موضوع سوريا كان محورياً خلال الزيارة كما البحث في امكانات تعزيز القدرات والتجهيزات العسكرية للقوات السعودية، انما نرى ان الموضوع الاهم كان البحث مع الروس في اسعار النفط، وامكان زيادتها عن سبيل خفض انتاج البلدين. وجدير بالذكر ان انتاج كل من البلدين يبلغ نحو 10 ملايين برميل يومياً.
اننا نطرح تخميناً حول أحد الاهداف الرئيسية للزيارة، علماً بان التصريحات والتعليقات التي صدرت قبيل الزيارة وبعدها لم تتناول موضوع النفط بإسهاب، وتالياً قد يبدو ترجيحنا ان المحادثات تناولت هذا الموضوع من باب تفحص آفاق المستقبل دون مؤشرات حقيقية.
اذا شئنا تحليل ابعاد الزيارة علينا توضيح بعض المعطيات الخاصة بصناعة النفط في البلدين من أجل جلاء الصورة وتقدير شمول المحادثات موضوع مستويات الانتاج والتصدير، والاسعار المتحققة لكل منهما.
معلوم ان الوزير محمد بن سلمان تولى مسؤولية رئاسة المجلس الاقتصادي السعودي، كما عُيّن رئيساً لمجلس ادارة “ارامكو” أي كبرى شركات النفط في العالم حالياً من حيث الانتاج. وكانت الشركة ملحقة في السابق بوزارة النفط، ويشرف على نشاطها التسويقي واسعار صادراتها وزير النفط الذي لم تعد له بعد فصل “ارامكو” عن خيمة الوزارة، علاقة مباشرة بمجال تحديد كميات الانتاج والتصدير والاسعار. من المؤكد ان الوزير النعيمي يُستشار لخبرته الطويلة والتزامه سياسات المملكة دون تحوير طوال ثلاثة عقود تقريباً، وكان قد عُيّن وزيراً في تاريخ اقالة الوزير احمد زكي اليماني عام 1986 عندما كان يحضر اجتماعاً لـ”أوبيك” واُبلغ خلال الاجتماع انتهاء دوره وزيراً للنفط.
وتواجه السعودية عجزاً في موازنتها لسنة 2015 بسبب انخفاض اسعار النفط من جهة بدءاً من اوائل صيف 2014، وهذا العجز في تزايد لان قواتها الجوية والى حد ما البرية والبحرية تخوض معارك في اليمن، وعلى الحدود الجنوبية الغربية للمملكة مع اليمن. والتكاليف المادية للحرب، ستزيد نسبة العجز في الموازنة، وأي ارتفاع اضافي لأسعار النفط، التي صعدت من 48 دولاراً للبرميل الى 60 دولاراً للبرميل خلال الشهرين المنصرمين، يسهم في خفض العجز المتوقع، وطمأنة القيادة السعودية الى قدرتها على تحمل تكاليف الحرب، ودعم الحكم المصري الجديد، ومواجهة الحوثيين دون تلكؤ.
في المقابل، تعاني روسيا حصاراً اقتصادياً وتجارياً فرضته عليها الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الاوروبي، بسبب المواجهات المستمرة في اوكرانيا، وقد أدى الى انخفاض معدلات النمو في روسيا، وانخفاض سعر صرف الروبل بنسبة كبيرة، وارتفاع اسعار الفائدة بحيث زادت تكاليف الانتاج وانحسرت الاستثمارات كما بات هنالك نقص في المستوردات من الدول الصناعية الغربية.
وتعتمد روسيا على صادرات الغاز والنفط لتأمين حاجات الدولة وتغطية النسبة الكبرى من ارقام الموازنة، واسعار الغاز انخفضت منذ العام 2014 وانخفاضها مستمر، ومن ثم زادت الضغوط مع انخفاض اسعار النفط وصادرات روسيا من النفط الخام منذ اول صيف 2014.
فاذا اتفقت روسيا مع السعودية على خفض انتاج النفط بنسبة 15 في المئة أي ما يوازي 1,5 مليون برميل يومياً، يرجح ان يتمكن البلدان، من زيادة عائداتهما من التصدير من معدل 60 دولاراً للبرميل الى 80 دولاراً للبرميل، وتالياً تنخفض صادرات البلدين بنسبة 7,5 في المئة لكل منهما. وفي المقابل، يرتفع دخل البلدين بنسبة 25 في المئة، لأن سعر صادرات النفط يرجح ان يرتفع بنسبة 33 في المئة، من 60 دولاراً للبرميل الى 80 دولاراً للبرميل. وحينذاك يمكن روسيا ان تتحرك اقتصادياً وتنتعش من الانكماش الحالي، والسعودية بدورها تطمئن الى قدراتها المالية على تغطية تكاليف الحرب، والادارة العامة، والمشاريع، دون انتقاص جوهري من احتياطها.
ان اتاحة هذه الفرصة للبلدين تسهم في دفع روسيا الى محاولة الابتعاد عن الاسد، وذلك لسببين آخرين. فلدى روسيا اتفاق على وجود اسطولها في طرطوس لسنوات، وهذا الوجود كبير الاهمية لروسيا، لان منفذها على المتوسط محصور بمضيق البوسفور من البحر الاسود. ومن جهة أخرى، تعاقدت روسيا مع سوريا على انها صاحبة الحق الحصري في تطوير ثروات المياه الاقليمية السورية من النفط والغاز والتي تقدر انها تزيد على الكميات المقدرة في المياه الاقليمية اللبنانية. واذا تخلى الاسد عن رئاسة سوريا لن تواجه روسيا الغاء أي من العقدين المنجزين.
وارتفاع سعر النفط يشجع الروس على البحث والتنقيب في المياه الاقليمية السورية كما يقوي حجة الروس مع الايرانيين لان هؤلاء يحتاجون الى زيادة صادراتهم وارتفاع الاسعار، وقد باتوا يرزحون تحت وطأة الآثار الضارة للحصار الاقتصادي. وروسيا تعاقدت على استيراد كميات ملحوظة من النفط الايراني، وقد تتمكن من اقناع الايرانيين بجدوى تعاونهم المفترض تحقيقه مع السعودية.