زياد الدباس
لا تزال قاعدة المستثمرين في صناديق الاستثمار المشتركة، أو محافظ الاستثمار الجماعية، في أسواق المال في المنطقة، لا تشكل نسبة تذكر من عدد المستثمرين في هذه الأسواق، ولا تزال قيمة أصول هذه الصناديق لا تشكل نسبة تذكر من القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة فيها، على رغم ارتفاع أخطار الاستثمار المباشر في الأسواق نتيجة سيطرة سيولة المضاربين على حركتها وتركيز سيولتهم على أسهم شركات معدودة، ما ساهم في تقلبات مؤشرات هذه الأسواق وانخفاض كفاءتها وانخفاض عمقها إضافة إلى مساهمة سيولة المضاربين في الاختلالات الهيكلية التي تعانيها الأسواق وتهميش معايير الاستثمار.
ويلاحظ خلال هذه الفترة نتيجة سيطرة سيولة المضاربين على أسواق الإمارات، مثلاً، تركيز التداول والسيولة على أسهم أربع شركات فقط تستحوذ إحداها على ما نسبته 60 في المئة من إجمالي السيولة اليومية، بينما يفترض توزيع السيولة المتدفقة على الأسواق على كل الفرص الاستثمارية المتوافرة فيها.
وسيعزز ارتفاع قيمة أصول المستثمرين وقاعدتهم في صناديق الاستثمار حصة الاستثمار المؤسسي في أسواق المنطقة كما هي الحال في الأسواق المتقدمة، وإذا كانت حصة سيولة الاستثمار الفردي المضارب في أسواق الإمارات والسعودية وقطر والكويت تصل إلى نحو 80 في المئة، فإن هذه النسبة يجب ان تنخفض إلى 40 في المئة خلال ثلاث سنوات ثم تواصل الانخفاض لتصل إلى 25 في المئة، لرفع كفاءة الأسواق وخفض أخطارها، علماً بأن حصة الاستثمار المؤسسي في الأسواق المتقدمة تصل إلى 85 في المئة. ويعزز ارتفاع هذه النسبة كفاءة هذه الأسواق ويساهم في تميزها في تطبيق متطلبات الشفافية وجودة الإفصاح والحوكمة وصعود عدد البحوث والدراسات والتقويمات بما يعزز من نضج القرارات الاستثمارية ويساهم في تدفق استثمارات كبيرة على هذه الأسواق.
وتبذل هيئة الأوراق المالية الإماراتية جهوداً لإضفاء البعد المؤسسي على التداولات داخل الأسواق بهدف تحييد الأخطار وضمان نمط أكثر استقراراً للسوق، بينما لا يزال الوعي بأهمية الاستثمار في الأسواق المالية من خلال صناديق الاستثمار في الإمارات وغيرها من دول المنطقة وفي مقدمها أسواق الخليج محدوداً جداً بعكس الإقبال الكبير على هذه الصناديق في الأسواق المتقدمة في ظل وجود كفاءات محترفة ومتفرغة تدير هذه الصناديق.
ويحقق صغار المستثمرين مكاسب كبيرة من خلال الاستثمار في هذه الصناديق نتيجة تنوع أصول هذه الصناديق وموجوداتها. والتنوع في اختيار الشركات الذي تتيحه آلية إدارة الصناديق يكون عادة متميزاً بالكفاءة لجهة اختيار الشركات أو القطاعات الواعدة بهدف خفض الأخطار وارتفاع نسبة العائد. ويفترض بالتالي ان تجذب هذه الصناديق المستثمرين القليلي الخبرة والمعرفة بأسواق المال وثقافة الاستثمار إضافة إلى جذب صغار المستثمرين الذين لا تتوافر لديهم الأموال الكافية للتنويع في أسهم الشركات بما يخفض مستوى الأخطار.
ويخدم الاستثمار في الأسواق المالية من خلال الصناديق شريحة كبار المستثمرين الذين لا يتوافر لديهم وقت كاف لمتابعة الأسواق ومتابعة أداء الشركات أو تنقصهم الخبرة الاستثمارية المطلوبة لتحقيق أهدافهم. ولا شك في ان المصارف الوطنية في المنطقة وهي التي تملك نسبة مهمة من صناديق الاستثمار أمنت أنواعاً مختلفة من الصناديق من أجل تحقيق الأهداف والإستراتيجيات الخاصة بمختلف شرائح المستثمرين، سواء صناديق الاستثمار المغلقة أو صناديق الاستثمار المفتوحة وصناديق الاستثمار ذات رأس المال المتغير وصناديق الاستثمار المتخصصة وصناديق الاستثمار الإسلامية أو غيرها من الصناديق.
وتُعتبَر سوق إدارة الأصول في المنطقة صغيرة جداً مقارنة بقيمة الودائع لدى المصارف والقيمة السوقية للشركات المدرجة والناتج المحلي الإجمالي. وحققت صناديق الاستثمار في المنطقة مكاسب كبيرة وقياسية خلال فترة طفرة أسواق المنطقة بين عامي 2004 و2008 نتيجة ارتباط أداء هذه الصناديق بأداء الأسواق التي تستثمر فيها. وخلال هذه الفترة شهدت صناديق الاستثمار إقبالاً كبيراً من مختلف شرائح المستثمرين فاتسعت قاعدة المستثمرين فيها وارتفعت قيمة موجوداتها فأصبح لها دور مهم في نشاط أسواق المنطقة. إلا ان تراجع مؤشرات أداء أسواق المنطقة بنسبة كبيرة مع بداية التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية انعكس على أداء الصناديق إذ تعرض عدد كبير من المستثمرين فيها إلى خسائر جسيمة خصوصاً المستثمرين الذين اعتمدوا على قروض المصارف أو قروض شركات الوساطة في استثمارهم. وبين 2008 و2012 انسحب عدد كبير من المستثمرين من هذه الصناديق نتيجة تراجع الثقة وتراكم الخسائر.
ومع بداية تحسن أداء الأسواق في المنطقة وتحسن أداء الصناديق بدأت العودة التدريجية للمستثمرين فيها إلا ان عددهم خلال هذه الفترة لا يشكل نسبة تذكر من عددهم خلال طفرة الأسواق. ويحتاج توسيع قاعدة المستثمرين في صناديق الاستثمار إلى وضع آليات وخطط متوسطة وبعيدة الأجل تشارك في وضعها كل الجهات ذات الصلة وفي مقدمها المصارف الوطنية وشركات إدارة الأصول والأموال وإدارة الأسواق المالية وهيئات الأوراق المالية، فمن مصلحة الجميع نشر الوعي بأهمية الاستثمار في الصناديق الاستثمارية في ظل ارتباط بعض أسواق المنطقة بمؤشرات عالمية وفي مقدمها أسواق الإمارات وقطر بمؤشرات مثل مؤشر «مورغان ستانلي» ولأن الاستثمار الأجنبي لا يفضل الاستثمار في أسواق غير مستقرة وسريعة التقلبات نتيجة سيطرة سيولة المضاربين على حركتها ما يؤدي لارتفاع أخطارها.