عبد الرحيم الطويل
سيطرت أنباء برنامج التيسير الكمي الأوروبي الأضخم تاريخياً على المشهد المالي والاقتصادي العالمي منذ بداية العام الجاري، ففي حين رأى محللون أنه الحل الأمثل لمشاكل القارة العجوز المالية المتتالية، رآه البعض الآخر بداية لأزمة مالية عالمية جديدة، وللتذكير فقد كان المركزي الأوروبي قد أعلن بتاريخ 22 يناير عن برنامج لشراء السندات بقيمة 1.14 ترليون يورو يتم بموجبه شراء سندات بقيمة 60 مليار يورو شهرياً لمدة 18 شهراً.
وكانت الولايات المتحدة قد قامت بنهج نفس السياسة في العام 2012 وذلك للمرة الثالثة في تاريخها عندما قام البنك الاحتياطي الفيدرالي بشراء نحو 40 مليار دولار شهرياً من السندات والأوراق المالية المدعومة بالرهونات العقارية. ويستعرض «البيان الاقتصادي» شرحاً مبسطاً لمفهوم التيسير الكمي وتاريخه.
التضخم وسعر الفائدة
تعتبر المصارف المركزية هي المسؤولة عن إبقاء معدلات التضخم عند مستويات معقولة وتحت السيطرة. وقبل الأزمة المالية العالمية 2008 – 2009، كانت هذه المصارف تقوم بذلك عن طريق تغيير معدلات سعر الفائدة على القروض.
فمثلاً في حال كانت الشركات قلقة حول مخاطر الاستثمار، يقوم المصرف المركزي بتخفيض سعر الفائدة لتشجيعها على الاقتراض. أما في حال كانت الشركات تقترض بشكل مبالغ فيه، يتدخل المصرف المركزي لرفع سعر الفائدة من أجل الحد من الاقتراض.
لكن الوضع اختلف أثناء الأزمة العالمية، فقد أحجمت الشركات عن الاقتراض بشكل جماعي وكبير، ما دفع المصارف المركزية وعلى رأسها الأميركي والبريطاني إلى تخفيض سعر الفائدة إلى الصفر تقريباً، لكن ورغم ذلك لم تنجح هذه السياسة في تشجيع الشركات على الاستثمار، ما اضطر المصارف المركزية إلى تجربة أدوات أخرى لتشجيع البنوك على ضخ الأموال في الاقتصاد، ومنها «التيسير الكمي».
طباعة نقود
لتطبيق سياسة «التيسير الكمي» تقوم المصارف المركزية بطباعة نقود جديدة لم توجد من قبل (غالباً ما تكون إلكترونية) وذلك لشراء أصول من البنوك (مثل السندات الحكومية)، وللقيام بذلك يقوم المصرف المركزي بتخفيض سعر الفائدة لتكون عملية الشراء دون خسائر.
بعد ذلك يتم ضخ النقود الجديدة مباشرة في خزائن البنوك، والتي تقوم بدورها بالدخول إلى السوق بغية شراء أصول جديدة بدل تلك التي باعتها إلى المصرف المركزي. وأثناء هذه العملية، تحاول المصارف المركزية التدخل بشكل مستمر من أجل الحرص على دخول المال الجديد إلى السوق بشكل أسرع.
انعكاسات
هذه العملية لها انعكاسات إيجابية، أولها ضخ نقود جديدة في السوق المحلي، وثانيها رفع الملاءة المالية للبنوك، لكن أهمها يتمثل في رفع مستويات الثقة عند سكان البلد، ومنهم المستثمرون طبعاً، حيث انهم يشعرون أن الحكومة قد تدخلت لإنقاذ البلد اقتصادياً.
وبعودة الثقة بالإضافة إلى أسعار فائدة منخفضة «جداً»، يأمل المصرف المركزي أن يعاود المستثمرون ضخ أموالهم في الاقتصاد وعود الحركة المالية إلى طبيعتها.
أما الآثار السلبية فتتمثل في الأساس في الارتفاع الكبير في معدلات التضخم، حيث إن أموالاً جديدة دخلت السوق دون أن يكون لها مقابل في عملية «العرض والطلب»، حيث ورغم محاولات المصارف المركزية كبح التضخم إلا أنها تاريخياً لم تستطع ذلك.
أما ثاني هذه الانعكاسات فيتمثل في مستوى الأخطار الكبير الذي يصاحب هذه العملية، ففي حال لم تنجح سياسة التيسير الكمي في تحقيق المطلوب، يدخل الاقتصاد في حالة من الركود قد تستمر سنوات. أما الثالث فهو ديمومة نتائج التيسير الكمي، فالمختصون بالشأن المالي يؤكدون أنه عندما تتراكم الأصول المشتراة عن طريق المال الجديد، ستقوم البنوك ببيع بعضها ما يؤدي مرة أخرى إلى رفع سعر الفائدة.
تاريخ
تاريخياً، كانت اليابان أول من نهج سياسة التيسير الكمي من 2001 إلى 2006، حيث قام بنك اليابان بطباعة نقود جديدة بقيمة 35 تريليون ين ياباني (300 مليار دولار آنذاك)، لمحاربة الانكماش الاقتصادي المحلي في بدايات الألفية الثالثة. وقد حافظ البنك على معدلات الفائدة قصيرة الأجل عند صفر أو ما يقرب منه منذ عام 1999.
وبالتيسير الكمي، أغرق البنوك التجارية بالسيولة الفائضة لتشجيع الإقراض الخاص، وترك لها كميات كبيرة من الاحتياطيات الفائضة، وبالتالي لا خطر من حدوث نقص في السيولة. وحقق بنك اليابان ذلك بشراء سندات حكومية أكثر من اللازم لضبط معدل الفائدة عند صفر. واشترى أيضاً أوراقاً مالية بضمان الأصول والأسهم ومدّ آجال عمليات شراء السند الإذني التجاري.
وقامت اليابان مرة أخرى بنهج نفس السياسة في أبريل من العام 2013 لضخ أموال مقدارها 80 تريليون ين سنوياً، ورغم عدم تحديد موعد لانتهاء برنامج «التيسير الكمي»، إلا أن تحقيق الاقتصاد الياباني نمواً بلغ 1.5 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي ينذر بقرب نهايته.
أميركا وأوروبا
بدروها قامت الولايات المتحدة بتطبيق سياسة التيسير الكمي بين 2012 إلى 2014، حيث ضخ الاحتياطي الفدرالي آنذاك 40 مليار دولار شهرياً في خزائن البنوك الأميركية، وقد نجحت هذه السياسة إلى حد ما في تحسين مؤشرات الاقتصاد المحلي، خصوصاً في ما يخص رفع أصول البنوك من تريليون دولار إلى 4 تريليونات دولار.
لكن في الوقت ذاته، يجمع المراقبون أن ضخ هذا من النقد الجديد في الاقتصاد أدى بشكل مباشر إلى خلل في السلوك المالي عبر تشجيع الاقتراض مرة أخرى وبشكل أكبر، ولم يقتصر هذا «التهور المالي» على المستوى الأميركي المحلي، بل انتقلت هذه الأموال إلى العديد من الدول الناشئة التي لم تستطع التعامل مع هذا الكم من النقد.
كما تقوم أوروبا حالياً بنفس الأمر، حيث أطلق المصرف المركزي الأوروبي بداية العام الجاري برنامجاً لشراء سندات من البنوك بقيمة 60 مليار يورو شهرياً ـ والجدير بالذكر أن المملكة المتحدة أيضاً أطلقت برنامج تيسير كمي اشترى من خلاله بنك إنجلترا نحو 165 مليار جنيه إسترليني من الأصول بحلول شهر سبتمبر عام 2009 ونحو 175 مليار جنيه إسترليني من الأصول بحلول نهاية شهر أكتوبر عام 2010.
وفي اجتماعه المنعقد في شهر نوفمبر عام 2010، صوتت لجنة السياسة النقدية (MPC) لزيادة إجمالي مشتريات الأصول إلى 200 مليار جنيه إسترليني. وقد تم الانتهاء من برنامج الشراء هذا.