محمد صالح
تفتقر عاصمة الجنوب صيدا الى معلومات دقيقة وحقيقية عن حجم العمالة السورية التي تنافس العمالة اللبنانية بكل فئائها الإنتاجية والتجارية والحرفية وحتى الصناعية، فلم نوفق بأي إحصاء لدى اية جهة محلية في صيدا، رسمية «دائرة العمل في الجنوب»، وحتى لدى اتحاد نقابات العمال والمستخدمين المعني بأمر كهذا، ولا حتى البلدية. الجميع يشير الى ان هذا الأمر ليس من اختصاصه او أنه ليس بوارد إجراء مثل إحصاء كهذا، وكل جهة تحيل الأمر على أخرى.
تنافس كبير وخطير
ومع ذلك الكل يجمع في صيدا على أن حجم المنافسة كبير ومؤثر وخطير، ولم يعد الموضوع نظرياً إنشائياً بل صار واقعاً ملموساً، لم يعد مقتصراً على قطاع واحد من القطاعات الاقتصادية في المدينة، بعد أن بات العامل والتجاري والمهني والحرفي والصناعي السوري ينافس نظيره الصيداوي اللبناني، ومن ثم الفلسطيني (كمقيم في لبنان منذ 1948).
في ما مضى كانت منافسة العمالة السورية في صيدا ومنطقتها محصورة مع الفلسطينيين ومقتصرة على القطاعين الزراعي وورش البناء بكل تفرّعاتهما.. أما اليوم فقد بات القطاع الزراعي، وفق معلومات ميدانية متداولة، بنسبة تفوق 90 في المئة، حكراً على السوريين والـ 10 في المئة المتبقية يتقاسمها اللبنانيون والفلسطينيون معاً.. اما قطاع البناء فبقيت المنافسة فيه محصورة ايضاً بالنسبة ذاتها 90 في المئة لمصلحة السوريين و10 في المئة لمصلحة الفلسطينيين..
عمال واصحاب عمل
لكن في المقابل ومنذ أواخر 2011 وبداية 2012 حتى تاريخه، وبعد تضخم التوافد السوري النازح الى صيدا ومنطقتها كعائلات نازحة بأكملها، ومعظمها كان إما يدير او يعمل في مهن وحرف وصناعات نسيجية وحلويات، شملت المنافسة افتتاح أفران وملاحم ومحلات حلويات ومؤسسات صناعية وحرفية، كمعامل الخياطة والنسيج، إضافة الى نواطير أبنية وسائقي تاكسي وعمال توضيب و «حمالة» وإدارة المطاعم وصالات الافراح بشكل كامل من الطاهي الى من يقدم الطعام للرواد..
نشاهد اليوم سوريين يستثمرون ويديرون محلات تقدم اطعمة ساخنة ووجبات دمشقية مشهورة، تحمل أسماء تدل على انها سورية، وذلك في الاسواق التجارية في صيدا التي تعتبر الأغلى على صعيد الاستثمار التجاري. وكذلك الامر بالنسبة لقطاع النسيج، حيث توجد محلات تضع لافتات مثل «سعر متر البرادي مع تركيب بـ 4 دولارات».
لا توجد في «دائرة العمل في الجنوب» (مقرها في السرايا الحكومي) معلومات او ارقام عن حجم المنافسة، بل هناك معلومات عامة متداولة تشير الى ان مسألة عدد العمال وإجازات العمل محصورة ببيروت ضمن «دائرة رعاية العمال السوريين». لكن المعنيين في تلك الدائرة يلمسون المنافسة في صيدا ومنطقتها من خلال عشرات المراجعات والشكاوي التى تنهال عليهم من قبل لبنانيين وتشمل القطاعات العمالية كافة. ويؤكدون باننا لا نستطيع فعل اي شيء باعتبار ان هذا الملف كبير ومتشعب انسانياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
بلدية صيدا
يبادر رئيس بلدية صيدا محمد السعودي فور سؤاله عن العدد الاجمالي للعمالة السورية في صيدا وحجم منافستها العمالية والقطاعات الانتاجية والتجارية والاقتصادية في المدينة «اننا كبلدية لم نجر اية احصاءات حول هذه المسألة وحجمها فهذا ليس من اختصاصنا او مسؤوليتنا، بل من مسؤولية الاتحاد العمالي وجمعية التجار والدوائر الرسمية، لاننا كبلدية نتعامل مع هذا الملف من زاوية انسانية تتعلق بالإغاثة بشكل عام، ونشارك بفعالية وبشكل رئيسي في الهيئات الإغاثية الصيداوية المعنية بتأمين الحد الأدنى من متطلبات النازحين وفق قدراتنا وامكانياتنا وليس اكثر».
جمعية التجار
وحده رئيس جمعية التجار في صيدا وضواحيها علي الشريف اطلق صرخة استغاثة اشبة بنداء، لانقاذ الوضع التجاري والاقتصادي في صيدا ومنطقتها.. ويؤكد الشريف ان لا احصاء دقيقاً شاملاً بالأعداد والأحجام للمنافسة السورية، ولكن وجود العمالة السورية والتجارية بهذا الشكل المنفلش من دون اية ضوابط قانونية رسمية او اقتصادية كان له انعكاس سلبي على مجمل الاقتصاد في لبنان ومن ضمنه صيدا ومنطقتها..
ويؤكد الشريف أن القطاع التجاري في صيدا يعاني من الآثار السلبية الناتجة عن المنافسة السورية، والتي كان لها آثار سلبية على القطاع التجاري في المدينة برمّته من «النوفوتية والالبسة الى قطاع الحلويات والمخابز وانتهاء بكل شيء في صيدا».
ويلفت الشريف الانتباه الى ان «هناك محلات ومؤسسات تجارية عريقة في المدينة لم تتمكن من دفع بدل إيجار مؤسساتها لا العام الماضي ولا العام الحالي». مضيفاً «هناك عدد من المؤسسات التجارية في صيدا وضعها صعب للغاية واذا تمكنت من تحمل مصاريفها وأعباء نفقاتها فقط وجب علينا تعليق اوسمة لها.. وانا لا أستبعد ولا أستغرب اذا اعلنت هذه المؤسسة او تلك او صاحب هذا المحل إفلاسه او إقفال مؤسسته التجارية وحتى الصناعية وصرف العمال».
ويؤكد الشريف «أن مشكلات كثيرة اقتصادية واجتماعية نجمت عن المنافسة السورية، وحده المكلف اللبناني يتحمل أعباءها، من بينها الضرائب للمالية وتسجيل الموظفين في الضمان اضافة الى فواتير الكهرباء والمياه وغيرها للبلدية، وهذا ايضاً يؤثر في نمو تلك المؤسسات.. في حين نجد مؤسسات سورية فتحت في صيدا وتدير محلات وبداخلها اكثر من 15 و20 عاملا سوريا من صاحبها وصولاً الى الحاجب، ولا يتوجب عليهم اعباء مالية قانونية وضريبية واقتصادية واجتماعية للدولة اللبنانية…
ويشير الشريف الى انه في صيدا وفي شوارع رئيسة وفرعية ينتشر اليوم اكثر من 15 محلاً ومؤسسة سورية للحلويات الشامية فقط، وعدد مماثل من المطاعم التي تقدم الوجبات السورية وأكثر من عشرة محلات لبيع الاقمشة والانسجة ومحلات لخياطة البرادي وتركيبها و20 فرناً للخبر والكعك ومشتقاتهما، عدا انتشار البسطات لبيع الاطعمة والالبسة فوق ارصفة الشوارع وامام واجهات المحلات الصيداوية التي تبيع المنتجات نفسها.. اضافة الى مصانع النسيج، وهذا كله يؤثر سلباً في المنافسة القطاعية لأن التاجر والاقتصادي اللبناني مكبلان، بينما مثيله السوري محرر من هذه الالتزامات ما يؤثر على الحركة الاقتصادية.
ويؤكد الشريف أن الوضع الاقتصادي والتجاري تراجع خلال خمسة أشهر فقط من العام 2015 ما بين 25 الى 30 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي 2014. وأن المنافسة السورية وانفلاشها بهذه الطريقة وعدم وضع ضوابط لها ساهمت وزادت في معدل البطالة في لبنان، ومن ضمنها صيدا، عما كان عليه ما بين 25 الى 30 في المئة.
وختم الشريف «نحن نتوق الى عودة مؤسسات الدولة بانتخاب رئيس جمهورية وأن يأخذ مجلس النواب الدستور بعين الاعتبار ويشرع ويحل مشكلات المواطنين، وان يأخذ مجلس الوزراء ايضا دوره الطبيعي، والا نحن في الوضع الاقتصادي الذي نمر به في سنة 2015 نترحم على الـ14.. واذا نظرنا الى مقارنة بين السنوات من 2011 حتى اليوم 2015 نرى تراجعاً بأكثر من 55 في المئة».
الاتحاد العمالي
رئيس الاتحاد العمالي في صيدا عبد اللطيف الترياقي أكد «ان اﻻتحاد يريد إجراءات تقوم بها الحكومة تهدف الى تنظيم موضوع العمالة السورية وحماية اليد العاملة اللبنانية مع التشدد في اعطاء اهمية للمواضيع اﻻنسانية تجاه العمال السوريين وعدم جعل الموضوع مادة للمزايدة السياسية».
وقال «يمكن للحكومة، ﻻسيما وزارة العمل ووزارة الزراعة تقديم إجراءات توجّه العمال السوريين إلى مهن ﻻ يعمل فيها إجماﻻً العمال اللبنانيون وبشكل منظم. وعلى أصحاب العمل التقيد بقوانين التشغيل ﻻسيما موضوع العمال الوافدين».