Site icon IMLebanon

موضة انقطاع الكهرباء في الدول العربية

electricity
وليد خدوري
تزايدت انقطاعات الطاقة الكهربائية في الدول العربية لتصبح «موضة» تطل علينا كل صيف. والغريب في الأمر أن ساعات هذه الانقطاعات تتزايد كل سنة، وأن بعض هذه الانقطاعات مر عليه عقد من الزمن من دون أي محاولة جدية لحل المشكلة. والأغرب من هذا وذاك استمرار الانقطاعات في بعض المناطق لأيام متتالية. الواضح أن من المفروض علينا أن نتعايش من الآن فصاعداً مع اقتطاعات أطول وفي مدن ودول عربية أكثر، ما دمنا في زمن رديء، وما انقطاع الكهرباء إلا ظاهرة أخرى من ظواهر هذا الزمن الرديء، وما الخلاص إلا من خلال دفع الفواتير المتزايدة للمولدات وأصحابها ووقودها.

آخر الأخبار التي نشرت على مواقع الاتصال الاجتماعي العراقية أن بعض مناطق مدينة البصرة عانى أخيراً ثلاثة أيام متواصلة من انقطاع الكهرباء وذلك في وقت تراوحت فيه درجات الحرارة بين 45 و50 درجة مئوية. وتفيد مواقع الاتصال الاجتماعي بأن سكان هذه المناطق المنكوبة تظاهروا في الشوارع وتصادموا مع قوات الشرطة والمليشيات الموالية للحكومة.

وفي لبنان، لا تزال الكهرباء تنقطع لفترة لا تقل عن ثلاث ساعات يومياً في العاصمة بيروت ونحو 8 – 16 ساعة في المناطق الأخرى. والمنقذ الوحيد من هذا الوضع المزري هو المولدات الباهظة التكاليف، التي تنشر الضجيج وتزيد التلوث. ولا تستطيع كل عائلة الاشتراك في مولد، نظراً إلى التكاليف الباهظة.

تكمن حجة المسؤولين حول هذه الانقطاعات في الخراب الذي أصاب محطات الكهرباء خلال الحروب والنزاعات المسلحة وعدم توافر الأموال اللازمة للاستثمار في محطات كهرباء جديدة. وهناك اليوم انقطاعات كهربائية متزايدة في دول أخرى. والسبب عند المسؤولين هو عدم توافر الوقود الكافي لمحطات الكهرباء، خصوصاً الغاز الطبيعي.

المضحك المبكي في هذا الأمر هو أن الشرق الأوسط يحتوي على احتياطات غاز ضخمة. لكن المشكلة في عوامل كثيرة: سوء التخطيط، وثقافة الفساد، وعدم تعاون الدول المتجاورة لتصدير الكهرباء واستيرادها إقليمياً. وتبقى تجارة الغاز بين الدول العربية مقتصرة حالياً على مشروعين أو ثلاثة.

تُستخدَم المنتجات البترولية في تغذية معظم محطات الكهرباء العربية. لكن يُفضَّل الآن تغذية المحطات الجديدة بالغاز، لأنه أفضل بيئياً، ولأن الدول النفطية المصدرة تفضل تصدير النفط بدلاً من الغاز نظراً إلى الأرباح التي يمكن تحقيقها.

لكن لماذا هذا الإهمال لاستخدام بدائل أخرى؟ هناك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وإمكانية مشاركة القطاع الخاص في توليد الكهرباء. لماذا التشبث بشركات الكهرباء الحكومية المقصرة في واجباتها أو التي تفتقر إلى رأس المال اللازم لتوسيع أعمالها؟ ولماذا لا يتم الاستعانة أكثر وأكثر برأس المال الخاص في تشييد محطات الكهرباء وإدارتها، بدلاً من توجه كثير من رأس المال هذا إلى قطاع العقارات وتجارة التصدير والاستيراد؟ ولماذا لا تنال الطاقة الشمسية الأهمية التي تستحقها، خصوصاً للاستخدام في المنازل لتشغيل السخانات أو لتأمين الكهرباء للأرياف؟ ولماذا عدم استخدام طاقة الرياح؟ تتوافر في بلادنا، كبقية مناطق العالم الأخرى، هذه المصادر، بل يمكن القول إن منطقتنا لديها فائض من الطاقة الشمسية لا يقل أهمية عن الاحتياطات الضخمة من النفط والغاز.

بادرت بعض الدول إلى استخدام الغاز في شكل واسع، مثل قطر والجزائر ومصر والإمارات. وتحاول السعودية اكتشاف احتياطات أكثر للغاز الحر، بدلاً من الغاز المصاحب. والسبب في هذا عدم ربط توفير الكهرباء بكمية الإنتاج النفطي الذي يزود الغاز المصاحب. والحقيقة أن نسبة زيادة استهلاك الكهرباء في السعودية في ازدياد عال سنوي.

وهناك الأردن الذي اعتمد في تغذية محطاته ومرافقه الصناعية على الغاز المستورد من مصر. لكن الاتفاق الآن في مهب الريح، بسبب انقطاع إمدادات محطة الضخ في العريش التي جرى نسفها مرات خلال السنوات الأخيرة، وبسبب الخلاف على المعادلة السعرية. ويحاول الأردن الآن استيراد الغاز المسال من قطر، ناهيك عن الاستيراد من دول أخرى، مثل إسرائيل.

وتتمثل صعوبة استيراد الغاز، في أهمية الاعتماد على مصدر ثابت لعقود من الزمن، على عكس النفط، الذي يمكن استيراده بوسائل متعددة ومن مصادر مختلفة. وهناك لبنان، الموعود باكتشافات غازية بحرية. وتأخر لبنان في اكتشاف الغاز لأسباب متعددة، منها الخلافات بين كبار السياسيين. وبسبب هذا التأخير لا يُتوقَّع في حال اكتشاف الغاز بدء الإنتاج قبل منتصف العقد المقبل، وأما إمكانية استخدام الغاز في تغذية محطات الكهرباء، فهذه ستأخذ وقتاً إضافياً، خصوصاً إذا استمرت المناكفات بين الســياسيين ومصالحهم الحزبية والخاصة.

وثمة دول عربية بدأت تستخدم بدائل الطاقة المستدامة في شكل أوسع. وتأتي في أولوية هذه الدول الإمارات، التي تشيد حالياً محطات للطاقة النووية، بالإضافة إلى مشاريع «مصدر» للطاقة الشمسية. ويخطو الأردن خطوات في مجال الطاقة الشمسية لكن الخطى بطيئة. وفي مجال مشاركة القطاع الخاص في توليد الكهرباء وتوزيعه، هناك تجربة كل من إقليم كردستان العراق وتجربة مدينة زحلة في البقاع اللبناني.

هذه أمثلة محدودة. إلا أنها إن دلت على شيء فهو قلة البدائل ومحدوديتها في فك الارتباط عن شركات الكهرباء الحكومية، التي أصبحت تحتاج وسائل دعم ومشاركة جديدة لتلبية احتياجات البلاد الصناعية والحضارية وضمان راحة المواطنين.