عدنان الحاج
مهما تعدّدت الاجتهادات والكلام حول التحرّك للقطاعات والهيئات الاقتصادية بمشاركة الهيئات المدنية واتحادات المهن الحرة و «الاتحاد العمالي العام» لشرح خطورة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتنامية مع نمو أزمات الداخل والمنطقة في ظل الفراغ، والذي سيستكمل في لقاءات مناطقية و «التحذير من حافة الانتحار»، نتيجة تردّي الظروف وتضرّر القطاعات. كذلك ومهما تعدّدت الأسباب والنظريات المتناقضة في السياسة، فإن الخطورة الأكبر من تضرّر القطاعات، تبقى في دخول التنظير السياسي والخلافات والانشقاقات السياسية على خط النشاط الاقتصادي، الذي لا ينقصه سوى هزة واحدة في قطاع أو مؤسسة واحدة لتهتز الصورة، وتتحوّل المشكلة إلى أزمة، كما هو حاصل اليوم في تهديد بعض القطاعات لا سيما الزراعية، التي تطالب بدعمها لمواجهة المرحلة الخطرة. ويرتقب أن تعود هيئات القطاعات الإنتاجية والاقتصادية إلى اللقاء اليوم في نقابة الأطباء، على أن تتبع ذلك اجتماعات في نقابات المهن الحرة، إضافة الى جولات المناطق ولقاء التجمّعات الاقتصادية خلال الأيام القليلة المقبلة.
يكفي التذكير بأن الديون المشكوك بتحصيلها وصلت إلى حوالي 5.94 في المئة من الديون، والمقدّرة بحوالي 4 مليارات دولار من أصل التسليفات البالغة حوالي 52 مليار دولار للقطاعات الاقتصادية والفردية، والتي يؤشر عدم تراجعها إلى استمرار عجز المؤسسات والأفراد في العديد من القطاعات حتى على الاستدانة لعجزها عن السداد.
لا يحتاج الأمر إلى كثير من التنظير والاستخدام السياسي في الاقتصاد، على اعتبار أن لغة الأرقام تتحدّث عن حالها بعيداً عن المكاسب السياسية الموجودة كمرض عضال في البلاد، على الرغم من توافر السيولة لدى المصارف وانعدام فرص التوظيف وانحسار التسليف لهجرة المشاريع الاستثمارية وعدم توافر الفرص الجديدة بفعل تطورات المنطقة لاسيما الوضع في سوريا.
تضرّر أكثر القطاعات وتراجع متفاوت
فمن أصل حوالي 35 مؤشراً اقتصاديا ومالياً في البلاد تعبر عن النشاط الاقتصادي والمالي في البلاد، هناك أكثر من 20 مؤشراً متراجعاً، من بينها مؤشرات ثلاثة اساسية لها مساهمتها في تحديد النمو الاقتصادي، الذي لن يصل إلى 2 في المئة في نظرة متفائلة، وهي غير موجودة. فمن الصادرات الزراعية والصناعية، التي تراجعت أكثر من 5 في المئة مع صعوبات التصدير المتزايدة، واقفال المعابر لاسيما الصادرات الزراعية، إلى حركة الاستثمارات والرساميل الوافدة، التي تراجعت بشكل كبير، وصولاً إلى النشاط السياحي المضروب اصلاً، والذي خسر أكثر من 64 في المئة من نشاطه خلال السنتين الأخيرتين، نتيجة غياب زوار دول الخليج (وهو يقوم حالياً على اللبنانيين والسياحة الداخلية المرهونة بالظروف الأمنية). مروراً بحركة المرفأ والتجارة الخارجية المتراجعة استيراداً وتصديراً بالقيمة والكمية بين 3.7 و22 في المئة، وكذلك نشاط المصارف في التسليف المدعوم وغير المدعوم الفوائد، على الرغم من تسهيلات مصرف لبنان وضخ السيولة (حوالي 3000 مليار ليرة خلال السنتين الأخيرتين). ومن دون التطرق الى موضوع المالية العامة المشكوك في نتائجها، في غياب الموازنة العامة، والتقيد بالنفقات وتقدير العجز للعام الحالي بحوالي 7700 مليار ليرة، في حال تم التقيد بمضمون المشروع المعدل غير مرة. كذلك الأمر بالنسبة لعجز ميزان المدفوعات البالغ أكثر من 750 مليون دولار خلال اربعة أشهر، على الرغم من استحضار المصارف من الخارج حوالي الملياري دولار، نتيجة غياب التوظيفات وتراجع المردود في الخارج. إضافة إلى مجموعة نتائج اجتماعية منها الترك المبكر للعمال من الضمان الاجتماعي وتصفية تعويضاتهم، نتيجة الحاجة إلى التعويض من جهة، وعمليات الصرف بالجملة في القطاعات العديدة، ناهيك عن المنافسة لليد العاملة نتيجة النزوح السوري. أما مئات الشكاوى من الصرف الجماعي بالجملة وبالمفرق لدى وزارة العمل والمسجلة من بداية العام، وغير المسجلة بالتسويات فهي موضوع اجتماعي بحد ذاته، إذ يشكل معدل الترك المبكر من المضمونين حوالي 60 في المئة من طالبي تصفية تعويضات نهاية الخدمة في العديد من القطاعات الإنتاجية والخدماتية.
المؤشرات والنتائج السلبية كثيرة ولا تحتاج إلى عمليات مكياج لتحسّنها بالسياسة لمصالح فئات ضد فئات أخرى هي الطبقة العاملة واليد العاملة اللبنانية الباقية منها والباحثة عن فرص عمل في الخارج.
من المؤشرات الرئيسية على تراجع الوضع الاقتصادي وتردي الوضع الاجتماعي في شكل عام، تراجع حجم الرساميل الوافدة بما فيها الاستثمارت الجديدة والتحويلات من اللبنانيين العاملين في الخارج، والتي خسرت حوالي 45 في المئة خلال العام 2015، مقارنة مع منتصف العام الماضي. أخطر نقطة في الأمر هي أن الديون المشكوك في تحصيلها، وعلى الرغم من تحسن الأداء بعض الشيء، فإنها ما تزال تشكل حوالي 5.9 إلى حوالي 6 في المئة من اجمالي التسليفات البالغة حوالي 52 مليار دولار، وبما يعني أن الديون المشكوك بتحصيلها مع الديون المأخوذة لقاء ضمانات تبقى بحدود 3.9 إلى حوالي 4.1 مليارات دولار. مع الإشارة إلى أن القسم الأكبر من التسليفات يذهب إلى القطاعات الفردية وغير الإنتاجية، ومنها القطاع السكني لأصحاب الدخل المحدود والدخول المتوسطة بشكل عام.
مؤشرات تدل على نفسها
ومن المؤشرات الأكثر تفسيراً لتردي الوضع المعيشي، هي نمو البطالة في لبنان أكثر من 10 في المئة خلال السنتين الأخيرتين، لجملة أسباب منها منافسة اليد العاملة السورية في العديد من المهن، من السياحة إلى الصناعة بعد (الزراعة والبناء، وهي المهن التي كان يشغلها السوريون واليد العاملة العربية بشكل عام قبل تطورات أحداث المنطقة). معروف أن معدل البطالة في لبنان تخطى الـ 25 في المئة خلال هذه السنة، على الرغم من غياب الإحصاءات الرسمية الدقيقة التي تبين حالة واحتياجات سوق العمل، ومعدلات البطالة في صفوف الذكور والإناث، وهو أمر يتناول القوى العاملة اللبنانية البالغ عددها حوالي المليون و100 الف عامل في القطاع الخاص، وحوالي 185 الفاً في القطاع العام. هذه الأرقام بدورها ليست حديثة وتحتاج إلى يوممة في ظل تسارع التطورات. اما حركة البطالة في صفوف الخارجين إلى سوق العمل فتصل إلى أكثر من 36 إلى 40 في المئة، على اعتبار أن حاجة لبنان إلى خلق حوالي 35 الف فرصة عمل سنوياً، يتمّ تأمين حوالي 13 الفاً إلى 14 الفاً، حسب احصاءات المنتسبين حديثاً الى الضمان الاجتماعي، مما يعني أن القسم الأكبر من هؤلاء يذهب إلى الهجرة أو المهن الهامشية، في حين ينضمّ القسم الباقي، وهو الأكبر، إلى نادي العاطلين عن العمل، لاسيما في تضييق فرص الهجرة للعمالة إلى بعض الدول الخليجية، وهي كانت الملاذ وستبقى إلى المدى غير المنظور، المجال الأكبر لاستيعاب القوى العاملة من العناصر الشابة اللبنانية، لاسيما أصحاب المهن والكفاءة الهاربين من مناخ العمل في لبنان. إشارة إلى أن عدد العاملين في اسواق الخليج من اللبنانيين حسب آخر إحصاءات يفوق 500 الف عامل من مختلف الكفاءات يمولون الاقتصاد اللبناني بحوالي 8.5 مليارات دولار سنوياً.
تبقى إشارة إلى عنصر أساسي، يؤشر إلى تأثر القطاعات، وهي هجرة المؤسسات اللبنانية وفتح فروع لها في الخارج، سعياً وراء المناخ الأفضل للاستثمار. وهذا العنصر يبرز أكثر من خلال تراجع التسليفات المصرفية إلى القطاعات الاقتصادية. كذلك في مجال حركة الرساميل والاستثمارات الوافدة، فقد تراجعت خلال الثلث الأول من حوالي 48 في المئة، من حوالي 5 مليارات دولار في العام 2014 إلى حوالي 2.5 مليار دولار في العام 2015 (4 أشهر). هذا الواقع، وكما أشارت «السفير» سابقاً، دفع المصارف إلى استحضار حوالي الملياري دولار من الخارج لتحسين صورة نمو الودائع التي زادت حوالي المليار دولار عن الفترة ذاتها من العام الماضي، ولكنها لم تنعكس تحسناً في القروض والتسليفات.
الخدمات أيضاً تراجعت
على صعيد الخدمات فقد تراجع إنتاج الكهرباء حوالي 6 في المئة، مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية، بفعل سياسة توفير العجز والأعطال، على الرغم من تراجع عجز الكهرباء حوالي 1000 مليار ليرة، مقارنة بتراجع أسعار النفط مع العام الماضي، لكن التقنين يزداد والعجز يبقى على حاله على الرغم من تحسّن الجباية حوالي 10 في المئة من قبل بعض شركات الخدمات، وعلى الرغم من بقاء الهدر في المتوسط العام أكثر من 33 في المئة معظمها في الجنوب والشمال والبقاع، حيث يصل الهدر إلى أكثر من 50 في المئة من الطاقة المنتجة.
أما المبيعات العقارية، وهي من المؤشرات الأبرز على النشاط الاقتصادي والحركة التجارية، فقد تراجعت بدورها عن الفترة ذاتها من العام 2014 بحوالي 600 مليون دولار بما نسبته 21 في المئة، من حوالي 2.8 مليار دولار في نهاية الثلث الأول من العام 2014، إلى حوالي 2.2 مليار دولار خلال العام 2015. علماً أن المثل الاقتصادي الشائع، في لبنان خصوصاً، كان يقول: «طالما العقار والحركة العقارية بخير فإن الاقتصاد بخير».
حتى التسليفات خارج لبنان (غير المقيمين) التي بلغت حوالي 1.6 في المئة من إجمالي التسليفات المصرفية، تراجعت حوالي 9 مليارات خلال شهرين، نتيجة تراجع التوظيف في الخارج. إشارة إلى أن إجمالي التسليفات المصرفية تقدر بحوالي 87 الف مليار ليرة (حوالي 57 مليار دولار). يستفيد منها حوالي 614 الفاً و632 مقترضاً، أكثرها من القروض الفردية لحوالي 52 الفاً معظمها قروض سكنية واستهلاكية، بمتوسط قرض قيمته حوالي 48 مليون ليرة للقرض الفردي وحوالي 146 مليون ليرة للقرض السكني.
تبقى إشارة إلى أن عدد القروض السكنية بلغت حتى الآن حوالي 103 آلاف و812 مستفيداً بما قيمته حوالي 15.168 ألف مليار ليرة.