كتبت صحيفة “السفير” أن شظايا «ويكيليكس»، أصابت «إعلان النيات» بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، واعادت نثر علامات استفهام في فضاء العلاقة بين الطرفين “اللدودين”!.
أسئلة كثيرة، اثيرت في أوساط «القوات»، عن سرّ «حماسة» وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي العائدة لـ «التيار الحر»، لإعادة تظهير الوثائق الاخيرة لـ «ويكيليكس» التي كشفت جانبا من تبعية سمير جعجع المالية للسعودية.
هي خطوة مستفزّة لا يجدون لها مبرراً، كما يقول قواتيون. لا بل إن اعادة نشر وثائق معيّنة، وبالطريقة التي تمّت بها، في رأي هؤلاء، خطوة مقصودة عن سابق تصوّر وتصميم، بل تثير الريبة حول المرامي والابعاد، خاصة انها تأتي على مسافة ايام قليلة من ولادة «اعلان النيات»، كما لا تنسجم مع الاعلان نفسه، ولا مع الاجواء التي رافقت تلك الصورة الحميمة على منبر الرابية لكل من ميشال عون وسمير جعجع.
اكثر من ذلك، هي خطوة يراها هؤلاء القواتيون، تضع الجانب العوني في موقع المتّهَم بمحاولة اغتيال «اعلان النيات»، وتضعه ايضا، في موقع المطالَب بتوضيحات.
ثمة «عتاب» حصل بين الجانبين، والهواتف والاتصالات اشتغلت في اكثر من اتجاه، ومحاولات لتهدئة الخواطر، وكلام عن مبادرة فردية، وسوء تقدير من قبل الناشر. هناك من قال «ان الجنرال لا يقبل». ولكن هناك من عبر، في المقابل، عن الخشية من نيات مبيّتة. وهناك من قال ايضا: إن «الحكيم» لم يعصّب من نشر الوثائق السعودية، بقدر ما عصب من اعادة نشرها عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل البرتقالية.
هل اهتز «اعلان النيات»؟
الملاحظ انّ الطرفين، ابقيا تلك «النقزة» خلف الكواليس. وقامت قنوات التواصل بين الطرفين، بما عليها لكي لا تترك تفاعلات، ولكي لا تذهب بجهد أشهر للثنائي ابراهيم كنعان وملحم رياشي. ولكن، هناك شيء اهتز بلا شك، على ما يؤكد قواتيون قالوا انهم تلقوا توضيحات «غير مقنعة» تفيد بأن إعادة نشر الوثائق، جاء من باب التعاطي مع تلك الوثائق كمادة خبرية لا أكثر، ولا ابعاد لها.
لم يفاجأ المتحفظون باهتزاز «اعلان النيات»، إذ ان ما حصل، برأيهم، دليل على هشاشة هذا «الاعلان»، خاصة ان الهمروجة التي رافقت جلسات التمهيد له، وصولا الى اعلانه المشترك من الرابية، قد انتهت مع انتهاء المؤتمر الصحافي لعون وجعجع وعادت الامور لتتموضع في مكانها ما قبل اعلان النيات. وبالتالي فإن ما بين الطرفين من تاريخ صدامي وافتراقات جذرية حول الاساسيات (رئاسة الجمهورية، قيادة الجيش، الموقف من سوريا، الموقف من المقاومة…) تجعله عرضة للاهتزاز والاستهداف من قبلهما في اية مناسبة او محطة سياسية، وفي أي وقت.
الا ان مسيحيين محايدين يخالفون القائلين بأن نشر «الويكيليكس» العائد لجعجع، يضع «اعلان النيات» على طريق السقوط، وكذلك القائلين بأن هذا الاعلان قد انهى ذكريات الحقبة الماضية للطرفين، او القائلين بأنه سيفتح صفحة توافقية بينهما تقتضيها المصلحة المسيحية، بحيث تصل الى حد التكامل بينهما. فالموضوعية في نظر هؤلاء المحايدين تقتضي لفت الانتباه الى ما يلي:
اولا، هذا الاعلان هو افضل ما توصل اليه الطرفان. مجرّد عناوين لا تتسم بصفة الالزام لأي من الطرفين. وبعضها عناوين فضفاضة يتطلب تحقيقها والاتفاق عليها مشوار طويل جدا من الجلسات والحوارات.
ثانيا، هذا الاعلان ليس تكامليا، وبالتالي ليس هناك ما يبرر النقزة القواتية او الخوف على الاعلان بعد نشر الوثائق. كما ليس هناك ما يبرر الارتباك العوني او الاحراج امام القوات من نشر تلك الوثائق. فالطرفان، ومن الاساس هما في جو السقف الذي سيصل اليه التفاهم بينهما، اي الى لا شيء جوهريا، ما خلا مجاملات وكلام اعلامي جميل ولكن بلا مضمون سياسي او الزامي لكليهما. شأنهما في ذلك شان الحوار الدائر بين «تيار المستقبل» و»حزب الله»: لقاءات ونقاشات من فوق ، ونار مشتعلة من تحت!
ثالثا، من الخطأ القول ان نشر «وثائق جعجع»، يمكن ان تزعزع الثقة بين جعجع وعون، خاصة ان هذه الثقة لتبنى اصلا، تحتاج الى مسافات زمنية.
رابعا، «اعلان النيات» حاجة للطرفين، كل منهما يريد استثماره في الشارع المسيحي الذي يؤكد احصاء كنسي ان اكثريته الساحقة باتت خارج الاصطفافين العوني والقواتي. وكلاهما يراهنان على الكسب الجماهيري. فجعجع، وبعدما نال «الاعتراف به»، يراهن على «الوقت» لعله يستقطب او يرث مزيدا من المسيحيين «بعد عمر طويل». وعون صار مقتنعا بأن في الشارع المسيحي كتلة وسط كبيرة جدا كانت معه، فمع «اعلان النيات» يمكن ان يسترد معظمها، واما جعجع فقد يستقطب القليل منها والذي قد يأخذه من «الكتائب» حصراً.