Site icon IMLebanon

لبنان يخسر شبابه أو يربحهم…المعادلة الدقيقة في حقبة الصعوبات الإقتصادية


طوني رزق
تُعتبر ظاهرة الانتشار في الخارج ظاهرة عالمية متزايدة وناجحة مع بدء الحديث عن سحر أداء المجموعات العاملة المهاجرة أكان ذلك على مستوى الدولة الحاضنة أم في الدولة المصدِّرة. ويُصنّف لبنان بين الدول التي تفتخر بأداء المجموعات اللبنانية العاملة في مختلف أصقاع العالم.

تزداد الهجرة من دولة ما عادة عندما تكون هذه الدولة في أوضاع مأساوية غير قابلة للحياة وخلق فرص لليد العاملة فيها خصوصا للشباب المتعلِّم تحديداً. واذا كانت الهجرة اللبنانية ما زالت مستمرة منذ ما قبل العام 1900 فذلك يعني أنّ لبنان لم يخرج من نفق الصعوبات وضيق الحال منذ زمن طويل ومتواصل. ولبنان ليس الدولة الوحيدة التي تشهد مثل هذا النزوح للخارج.

بل إنه أهدى مجموعة كبيرة من الدول اشتهرت بتصدير شبابها الى مختلف أصقاع العالم. وقد أدّى ذلك الى ارتفاع تحويلات العاملين في الخارج الى الدول الام الى نحو 500 مليار دولار سنوياً. وتبلغ حصة لبنان منها ما بين 5 و8 مليارات دولار اميركي أيْ اكثر من واحد في المئة.

وإذا استبعدنا العامل الانساني والعائلي والروابط العاطفية وهي أمور ليس من السهل استبعادها فيمكن قراءة الكثير من الايجابيات في الهجرة أكان ذلك لصالح الدولة المصدِّرة للشباب أم لصالح الدول التي تستقبلهم. لا شك أنّ الشباب العامل في الخارج يحقّق انتاجية متمايزة الى جانب الخبرة والابداع فيشكل قيمة مضافة لاقتصاد الدولة المستقبلة والحاضنة له.

وفي المقابل فهو يدعم بلاده مالياً وبشكل متواصل من خلال التحويلات المالية والاستثمارات في دولته الام. ويدعم بذلك عائلته ويوفّر لها مستوىً معيشياً أفضل ويساهم ذلك في تحسين وضع المجتمع اللبناني عموماً وهذا ما بدأ يشكّل محورَ اهتمام كبير لدى مجموعة الدول التي تشهد هجرة كبيرة لشبابها.

وما دفعها كذلك لوضع استراتيجيات جدّية لادارة هذه الروابط مع مجموعات الانتشار. ومن أبرز هذه الاستراتيجيات التوصل مع الدول الحاضنة لتوفير كلّ الحقوق والاحترام والظروف الملائمة لهؤلاء العاملين في الخارج. وذلك انطلاقاً من الفائدة والمصلحة المشترَكة اقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً.

إنّ هجرة الشباب للعمل أصبحت حقيقة اقتصادية يتوجّب التعامل معها على أسس عادلة وواضحة ودقيقة، خصوصاً مع توقّع ازدياد هذه الظاهرة في المستقبل في زمن العولمة والحاجة الى العنصر البشري في الاقتصاديات النامية والناشئة على حدّ سواء.

إنّ التمييز العنصري والاخلاقي والطائفي والعرقي ولأسباب يطول تعدادها اصبح خطراً يهدد مصالح الدول المصدِرة للشباب وحتى مصالح الدول التي تستقبلهم. كما أنّ عدم تسهيل سبل التواصل وتمتين العلاقات مع شباب الانتشار يجعل الدول المصدرة لهؤلاء الشباب تتكبد الخسائر الاقتصادية الكبيرة الى جانب الخسائر البشرية والانسانية الفادحة.

وللانتشار أوجه مضيئة اخرى. إذ إنّ نجاح وتألّق الشباب في الخارج يحوّلهم الى مجموعة قادرة على دعم دولتها الام ليس فقط على الصعيد الاقتصادي بل وايضاً على الصعيد السياسي مع تحوّلها الى نوع من القوة الفاعلة في مجتمعاتها الجديدة.

إنّ دولاً كثيرة لديها مجموعات انتشار في الخارج لكنها ليست جميعها فخورة بهذه المجموعات وعلماً أيضاً أنّ دولاً ناجحة جدا وموجودة حالياً هي دول تكوّنت من ارادة تجمّع مجموعات انتشارها في الخارج. ويتكلّم البعض عن ما يمكن تسميته بسحر الانتشار في الخارج. ويُراد بذلك الاشارة الى الفوائد والنتائج المذهلة التي يحققها هذا الانتشار على مختلف الاصعدة.

ويشير البعض أيضاً الى أنّ عودة بعض هؤلاء العاملين في الخارج بعد تحقيقهم نجاحات لافتة، تساهم في الإزدهار، إذ إنهم يعمدون الى تأسيس الشركات والقيام بنشاطات تدعم سوق الوظائف والوجه الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

وارتفاع عدد الانتشار اللبناني في مختلف دول العالم الى اضعاف اعداد اللبنانيين على الاراضي اللبنانية يطرح ملفاً بالغ الاهمية يتوجب التعامل معه بكلّ حكمة لاستخراج كلّ الايجابيات الممكن تحقيقها على ضفتَي الانتشار.