عبّر خبراء اقتصاد ومحللون تونسيون، عن مخاوفهم من أن تعمق العملية الإرهابية الأخيرة التي هزّت محافظة سوسة الساحلية وقتل وأصيب فيها عشرات السياح الأجانب، جراح الاقتصاد التونسي المتعثر، فيما وصف عدد من المسؤولين الاعتداء بأنه ضربة موجعة وكارثة على قطاع السياحة.
وأشاروا إلى أن الاعتداء الإرهابي الدموي جاء بعد أقل من 3 أشهر من الهجوم على متحف باردو بالعاصمة، الذي قتل وأصيب فيه عشرات السياح الأجانب، وهو اعتداء لاتزال السلطات التونسية تحاول احتواء تداعياته.
وتراجعت إيرادات السياحة التونسية خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة 6.8 بالمئة، بمقارنة سنوية، متأثرة بتراجع عدد الوافدين الأجانب خاصة بعد الاعتداء على المتحف في شهر مارس الماضي.
وتوقعوا أيضا، أن تتراجع الإيرادات السياحية بشكل قياسي خلال الموسم الحالي بنحو 15 بالمئة على أقلّ تقدير، خاصة بعد إلغاء آلاف الحجوزات ومغادرة آلاف السياح الأجانب لتونس عقب الاعتداء الإرهابي الأخير.
وكشف ياسين بن عامر ممثل وكالة سفر ألمانية، أنه تم الغاء نحو 30 بالمئة من الحجوزات، وقال إن ذلك يبدو أمرا طبيعيا نتيجة الصدمة التي أحدثها الهجوم.
وكانت الحكومة التونسية تراهن قبل الاعتداءين الإرهابيين على المنشآت السياحية مثل متحف باردو وفندق ريو امبريال، على نجاح الموسم السياحي الحالي، لتعويض جزء من الخسائر التي تكبدتها خلال المواسم الماضية.
وتكبد المستثمرون وأصحاب النزل خسائر فادحة طيلة السنوات الأخيرة، وفقدت آلاف من فرص العمل.
ويمثل قطاع السياحة نحو 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويشغل حوالي 400 ألف شخص، ويوفر ما يصل إلى 20 بالمئة من إيرادات العملات الأجنبية، كما يوفر أعدادا كبيرة أخرى من فرص العمل المؤقت خلال الصيف.
ويقول المحلل التونسي ناصر بن حديد، إن السياحة التي تعد شريان الاقتصاد التونسي، ستحتاج إلى وقت طويل للتعافي بعد الاعتداء الإرهابي الأخير، مشيرا إلى أن فاتورة الاعتداء ستكون مكلفة هذه المرّة بالنسبة لتونس.
وأكد الحبيب رجب الكاتب العام للجامعة العامة للسياحة والمعاش أن للاعتداء الإرهابي وقع الصاعقة على القطاع السياحي، وأن الإرهابيين خططوا لضرب الاقتصاد وهم يعون تماما أن إصابة الاقتصاد في مقتل تمر عبر قاطرة السياحة وهي قاطرة معطلة أصلا”.
وأضاف أن آلاف العائلات تعيش من قطاع السياحة، داعيا إلى وضع خطّة إنقاذ تستجيب للرهانات والتحديات الحالية.
وقال رجب “لم نتعظ من العمليات الإرهابية السابقة وخاصة عملية باردو” وتساءل كيف تمكن الإرهابي من اختراق النزل والوصول إلى الشاطئ في وضح النهار وإطلاق النار على السياح.
وأضاف أن العاملين بالقطاع، يتوجسون من استمرار العمليات الإرهابية وتكرارها وعدم السيطرة عليها في وقت كانوا يراهنون فيه على انقاذ الموسم السياحي الحالي.
وتوقع أن تلغي وكالات الأسفار العالمية، العديد من الحجوزات، خاصة مع ترديد وسائل اعلام أجنبية تقارير حول تفشي الارهاب وانتشار الخلايا الارهابية في تونس.
وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس حكومته الحبيب الصيد قد وصفا الاعتداء بأنه استهداف للسياحة، التي تعدّ من بين أهم شرايين الاقتصاد. وأكدت وزيرة السياحة سلمى الرقيق، أن الهجوم يشكل “كارثة وضربة كبيرة للاقتصاد والسياحة”.
ودخلت الحكومة التونسية في سباق مع الزمن لاحتواء تداعيات الهجوم واتخذت سلسلة إجراءات أمنية لحماية المدن والمواقع السياحية، وسط توقعات بحدوث هجمات أخرى، لكن مراقبين اعتبروا أن تحركها جاء متأخرا.
وأعلن وزير الداخلية محمد ناجم الغرسلي، أنه قرّر تسخير ألف رجل أمن مسلّح داخل المنشآت السياحية وخارجها. وأوضح أن مهمة تلك القوات ستكون حماية السياح والوحدات السياحية.
وكانت الحكومة قد اتخذت في أبريل الماضي سلسلة إجراءات أمنية مشدّدة في المناطق السياحة، وكثّفت مراقبة المطارات والموانئ، كما أطلقت حملة ترويج واسعة في الخارج لتطمين واستقطاب السياح الأجانب، في محاولة لإنقاذ الموسم السياحي، بعد الهجوم الإرهابي على متحف باردو.
وقالت مصادر حكومية حينها، إن الاجراءات الامنية الاستثنائية تتمثل بالخصوص في تعزيز الأمن بالمواقع والمسالك السياحية، وتشديد المراقبة في المطارات والطرقات ووسائل النقل، غير أن تلك الإجراءات لم تحل دون وقوع الاعتداء الارهابي على فندق ريو امبريال.
وكانت وزارة السياحة والهيئات التابعة لها في الداخل والخارج، قد دخلت بدورها في سباق مع الزمن مع اقتراب الموسم السياحي الصيفي، وأطلقت حملة ترويج دولية واسعة للتعريف بالمنتوج السياحي التونسي والمقاصد السياحية، في مسعى لاستقطاب المزيد من الزوار.
وقدمت الوزارة عروضا مغرية تضمنت تخفيضات غير مسبوقة في الأسعار، وركّزت على السوق الجزائرية بدرجة أولى لتعويض الخسائر المتوقعة بعد تراجع قياسي في الحجوزات من البلدان الأوروبية.
ويقول مراقبون، إن الحكومة التونسية ستواجه مصاعب كبيرة هذه المرّة لاستعادة ثقة السائح الأوروبي، خاصة أن حصيلة الاعتداء الإرهابي الأخير كانت ثقيلة، إضافة إلى أن ذلك الهجوم هو الثالث من نوعه بعد الهجوم الدموي على متحف باردو في مارس الماضي، والهجوم الفاشل على أحد شواطئ محافظة سوسة الساحلية في 2013.