IMLebanon

تفضّل فرنسا حلفاءها الخليجيين على إغراءات الشركات الإيرانية

holland-salman
طلبت فرنسا من شركاتها التأهب للعودة إلى إيران قبل اتفاق محتمل مع القوى العالمية لكبح برنامج طهران النووي لكن موقف باريس المتشدد في المحادثات النووية وعلاقاتها بالدول العربية يعني استمرار العلاقات الشائكة مع إيران.

ورغم التاريخ الطويل للعلاقات التجارية والسياسية والاجتماعية التي تربط بين البلدين إذ أقام ايه الله روح الله خوميني في المنفى قرب باريس عام 1979 فإن فرنسا هي الأكثر تشددا في مطالبها بين القوى العالمية الست التي تتفاوض مع طهران لإبرام اتفاق نووي نهائي.

وستستمر المحادثات بعد انتهاء المهلة المحددة لإبرام اتفاق شامل الثلاثاء. ويهدف الاتفاق إلى تخفيف العقوبات التي تضيق الخناق على اقتصاد البلاد مقابل فرض قيود على الأنشطة النووية الأكثر حساسية لمدة عشرة أعوام على الأقل.

وتخاطر فرنسا بموقفها المتشدد بعزل شركاتها حين ترفع العقوبات على إيران وتتمكن الأخيرة من جمع مستحقاتها لدي البنوك الأجنبية التي قد تتجاوز 150 مليار دولار واجتذاب الشركات للاستثمار في شتى القطاعات من قطاع الطاقة الذي يعتمد على النفط والغاز إلى النقل وأعمال البناء العامة.

وقال مسؤول فرنسي كبير “السوق الإيرانية محط أطماع الجميع. إنها سوق مهمة لكنها ليست الوحيدة. كان يتوجب تبني قرار استراتيجي للتصدي لإيران وهي تغرس مخالبها في المنطقة .. السعودية ومصر .. كان هذا اختيارنا.”

وتشير فرنسا مرارا لموقفها القديم والصارم من الانتشار النووي – إذ بدأت محادثات مع إيران بشأن برنامجهاالنووي في 2003 – لاثبات أن موقفها في المفاوضات من إيران نابع من مبادئها.

لكن في الواقع أيضا شهد موقف فرنسا تجاه إيران تحولا نحو التشدد في عهد الرئيسين نيكولا ساركوزي وفرانسوا أولوند اللذين تحالفا مع قطر والسعودية.

مبيعات للخليج

وساهمت مواقف مماثلة بشأن صراعات الشرق الأوسط ودور إيران فيها فضلا عن اعتقاد بعض الدول العربية بأن حليفتها التقليدية الولايات المتحدة تنأى بنفسها عن المنطقة في أن تبني فرنسا علاقات تجارية جديدة كانت تهيمن عليها في السابق بريطانيا والولايات المتحدة.

وتعمل إيران على توسيع نطاق نفوذها في الشرق الأوسط من العراق إلى لبنان ومن سوريا إلى اليمن والأخير أحدث ساحة في المنطقة تشهد صراع قوة بين السعودية وإيران.

وقال دبلوماسي فرنسي “للسعودية ثقل كبير في المنطقة ويتخطى نفوذها حدود المملكة ونحن نستغل ذلك إلى أقصي حد ممكن.”

واتضحت نتائج ذلك إذ باعت باريس مقاتلات وسفنا حربية وطائرات هليكوبتر وأقمارا صناعية إلى قطر ومصر والكويت والإمارات العربية المتحدة على مدار العام 2014 لترتفع مبيعات الأسلحة لما يزيد على 15 مليار دولار.

ومنذ أن وجهت السعودية – أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم -الدعوة لأولوند لحضور قمة لزعماء المنطقة في مايو أيار وهو امتياز نادرا ما يمنح لرئيس دولة وقع الرئيس الفرنسي عقودا بقيمة 12 مليار دولار تشمل بيع طائرات ايرباص.

ومن المفارقة أنه في حين تحذر القوى الغربية من انتشار الأسلحة النووية في المنطقة في حالة إبرام اتفاق نووي ضعيف مع إيران فقد أضحت فرنسا الأسبوع الماضي أول دولة توقع على اتفاقات لاجراء دراسات جدوى لبناء مفاعلين نووين في السعودية قد تتجاوز قيمتهما العشرة مليارات دولار.

وصرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في الاونة الأخيرة أن فرنسا حليف قديم وشريك تجاري أثبت أنه بوسع دول الخليج أن تعول عليه.

وأضاف أن البلدين تجمعهما رؤية مشتركة فيما يخص التحديات الحالية في المنطقة في سوريا واليمن والعراق والإرهاب وبرنامج إيران النووي مشيرا لوجود علاقات تجارية وعسكرية واسعة النطاق بين البلدين ومبديا أمله في أن تحقق مزيدا من النمو.

لا مخاوف

تاريخيا كان لشركات فرنسية من بيجو لصناعة السيارات إلى شركة النفط العملاقة توتال دور مهم في السوق الإيرانية لكن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في 2011 أبعدت الشركات الفرنسية عن إيران.

وتقدر وزارة الخارجية الفرنسية أن واردات إيران من فرنسا نزلت إلى 62 مليون يورو في 2013 من 1.77 مليار يورو في 2011. وتراجعت صادرات فرنسا لإيران إلى 494 مليون يورو من 1.66 مليار في 2011.

وفي إطار حملة لجذب الشركات في الآونة الأخيرة عرج عدد من الوزراء الإيرانيين من بينهم نائب وزير النفط على باريس لفتح شهية المسؤولين التنفيذيين الباحثين عن فرص. واستعانت السلطات الإيرانية برجال أعمال ايرانيين يتمركز نشاطهم في باريس لإحياء العلاقات مع الشركات المحلية.

وتنوي مجموعة ضغط فرنسية كبرى ممثلة لمصالح الشركات إرسال وفد مؤلف من أكثر من 100 شركة لطهران في سبتمبر/أيلول.

وقال دبلوماسي شارك في المحادثات وأطلع الشركات الفرنسية في الفترة الأخيرة على احتمالات إبرام اتفاق “أقول للشركات الفرنسية إنه حتى في حالة التوصل لاتفاق فإنه سيستغرق وقتا وإن رفع العقوبات سيسير ببطء في 2015.”

وأبلغ الدبلوماسي الشركات الفرنسية أن شركات من دول أخرى من بينها الولايات المتحدة وألمانيا تأهبت لدخول السوق الإيرانية وأنه “لم يعد هناك وقت لاهداره.”

وأكد الدبلوماسي أنه في حالة التوصل لاتفاق سيتوجه وزير الخارجية الفرنسي لوارن فابيوس إلى طهران بعد فترة قصيرة من ذلك. ويقول بعض الدبلوماسيين إن فابيوس يكن عداء شخصيا لإيران منذ أن شغل منصب رئيس الوزراء في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.

وقال وزير النقل الإيراني عباس أحمد أخوندي خلال مؤتمر في باريس في الفترة الأخيرة “تهيمن مشاعر الحب والكراهية على جميع جوانب العلاقات بيننا” شاكيا من غياب استراتيجة تجاه إيران من جانب فرنسا في حين أشار إلى أن حجم الأعمال في قطاع النقل يبلغ 80 مليار دولار.

وتابع “عاجلا أم آجلا سيتم حل النزاع النووي وينبغي أن تحدد فرنسا موقفها الآن.”

ورغم المبادرات أوضح مسؤولون فرنسيون أن إيران ستأتي في المرتبة الثانية بعد دول الخليج على الصعيد التجاري والسياسي في المستقبل القريب.

وفي فرنسا أثار هذا الموقف بعض الانتقادات ويقول عدد من أعضاء البرلمان إن تفكير باريس ينم عن قصر نظر.

وقال مسؤول ثان كبير في الحكومة الفرنسية “لن يكون الحال أن من يصل أولا ستكون له الأولوية. سنكون على أهبة الاستعداد. لا يوجد ما يدعو للقلق على شركاتنا”.