Site icon IMLebanon

“هيئة إدارة البترول”.. هدر “مقونن”

LebanonOilSummit
عزة الحاج حسن
بعيداً من مسارب الهدر الكثيرة التي تنخر الإدارات العامة وهيئاتها، وبمعزل عن سوء الإدارة العامة وقيادة الملفات، وشيوع المحاصصة، واقتسام غنائم الدولة، وشلل المؤسسات، وما نتج عن ذلك كله من دين عام فاق السبعين مليار دولار، يبدو ملف النفط والغاز في لبنان كـ”طاقة فرج” وعصا سحرية، قد تنقذا البلد من الغرق، وتدرّا عليه من المال ما يفوق ديونه بأضعاف، لكن منذ العام 2006، تاريخ اكتشاف مواقع تحتوي على كميات واعدة من الغاز الطبيعي في قاع البحر، وحتى اليوم، ما يزال ملف النفط عالقاً، ولم ير نفط لبنان وغازه النور حتى اللحظة، ولا أمل ببتّ الملف على المدى المنظور، بحسب مصدر مسؤول في لجنة الطاقة النيابية.

تحضيراً لاستخراج النفط والغاز، وعلى الرغم من اختلاف السياسيين على غالبية تفاصيل الملف، بما فيها المرسومان الأساسيان للقطاع، اي مرسوم تقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة الى قطع بحرية (بلوكات)، والمرسوم التنقيبي المتعلق بعقد التنقيب، اتفق هؤلاء السياسيون في العام 2012 على تشكيل هيئة إدارة قطاع البترول، بناء على إصرار وإلحاح وزير الطاقة والمياه آنذاك جبران باسيل، فأصدروا مرسوماً حمل الرقم 7968، نصّ على تحديد تعويضات ومخصّصات شهرية “كبيرة جدا” لأعضاء الهيئة الستة، باعتبار أن مخصصات الهيئة يجب أن تتناسب وحجم مهامها في إدارة قطاع من المفترض أن يدرّ مليارات الدولارات على الخزينة العامة.
وبعد دخول ملف التنقيب عن النفط زواريب السياسة وخضوعه لتدخلات محلية ودولية، علقت مراسيمه في أدراج مجلس الوزراء، وأُرجئ البت بملف النفط الى أجل غير مسمى، وتحوّلت بالتالي أعمال هيئة إدارة قطاع البترول إلى “أعمال تمهيدية” لا تتناسب ومخصّصاتها، كما أنها باتت تشكّل عبئاً على موازنة وزارة الطاقة المعنية بدفع مخصصات الأعضاء التي تجاوزت حتى اليوم 3 ملايين دولار أميركي.
تزايد الخلافات بشأن ملف النفط، وعدم إقرار المراسيم، يطرحا العديد من علامات الإستفهام حول سبب الإسراع في تشكيل الهيئة وتخصيص آلاف الدولارات شهرياً لكل من أعضائها، في ظل غياب التشريع. وهنا لا نتحدث عن الآلاف بل عن الملايين من الدولارات، فراتب كل عضو من أعضاء الهيئة شهرياً يبلغ 22 مليون ليرة تضاف إليه 3 ملايين ليرة بدل سكن، أي 25 مليون ليرة ما يعادل نحو 16666 دولاراً شهرياً، يضاف إليها سدس المخصصات الشهرية كتعويض امتناع عن العمل في القطاع بعد انتهاء التعيين، والعديد من الإمتيازات، بينها طبابة درجة أولى للأعضاء وعائلاتهم. فالعضو الواحد إذاً يتقاضى سنوياً نحو 200 ألف دولار، أي أن الهيئة تكلّف الدولة سنوياً ما يفوق المليون و200 ألف دولار كرواتب فقط، وبمرور أكثر من سنتين ونصف السنة على تشكيلها، تكون تكلفة الدولة عليها قد فاقت 3 ملايين دولار.

الملايين الثلاثة التي تكبّدتها الدولة على هيئة إدارة قطاع البترول، من دون تفعيل ملف النفط إفساحاً في المجال للقيام بدورها، جعل منها “طاقة هدر” بحسب العديد من المراقبين، في حين أن المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية زياد عبد الصمد، اعتبر في حديثه لـ “المدن” أن وجود الهيئة أمر بالغ الضرورة لما تضمه من خبراء رفيعي المستوى، غير أن غياب التشريع والعرقلة السياسية لملف النفط، جعلا من الهيئة محط أنظار المراقبين، وأحاط مخصّصاتها بعلامات استفهام. أمّا رئيس الهيئة غابي دعبول فلم يرَ في حديثه لـ “المدن”، أي تقصير من جانب الهيئة “التي تقوم بالتحضيرات اللازمة للشروع بالتنقيب”، بانتظار الإفراج عن المراسيم العالقة.
أياً تكن الأسباب التي تقف في طريق التنقيب عن النفط والغاز في لبنان، فالنتيجة تبقى واحدة، هي خسارة مبالغ كبيرة في قطاع لم يتم استثماره بعد، وفي هيئة مخصّصة لإدارة قطاع لم يندرج في سلّم القطاعات الإنتاجية حتى اللحظة، ولا يمكن وضع وقائع كهذه إلا في خانة “الهدر وسوء الإدارة”.