Site icon IMLebanon

التنوع الديني يحمي لبنان من تهديدات “داعش”

Da3eshIraq

 

كتبت دوللي بشعلاني في صحيفة “الديار”:

 

هل صحيح أنّ ثمة قراراً خارجياً يمنع «داعش» و«جبهة النصرة» من الدخول الى لبنان، أم أنّ مواجهات «حزب الله» في جرود عرسال، ووجود الجيش اللبناني المنتشر في عرسال وعند الحدود في المناطق البقاعية والشمالية، هي التي تؤدّي الى «تحييد» المناطق اللبنانية الحدودية مع سوريا عن اقتحام التنظيمات التكفيرية لها؟! وهل إنّ هذا الغطاء الخارجي سيدوم طويلاً بعد أم سيُحدّد بفترة معينة؟! هذه التساؤلات تجيب عنها أوساط سياسية بالقول إنّ لبنان ينأى بنفسه عن الصراع في المنطقة مع التكفيريين ليس بسبب دعم الخارج له أو الإيعاز للتنظيمات المتطرفة بعدم المساس بأمنه واستقراره، ولا لأنّ المقاومة والجيش قويان كفاية وقادران على حماية لبنان وسيادته من أي عدوان أو اعتداء فقط، إنَّما لأنّ للبنان ميزة خاصة، وهو أنّه لا يتمتع بنظام آحادي يسهل بيعه أو ابتلاعه.

فالتنوّع الديني والطائفي والثقافي والفكري الذي يتمتّع به لبنان يلعب دوراً مهمّاً، بحسب الأوساط نفسها، في عدم انجرار البلاد بأكملها الى هذا المحور الخارجي أو ذاك، حتى أنّ الخلاف القائم بين فريقي 8 و14 آذار ، والذي يقسم البلد، في غالب الأحيان، الى قسمين هو الذي يحميه ممّا تخشاه دول المنطقة أي التقسيم. فلبنان بلد موحّد ظاهرياً لكنه في الواقع مقسّم الى طوائف وتيارات وأحزاب، غير أنّها تتعايش فيما بينها. وقد حاول كلّ طرف طوال الحرب إلغاء الآخر، لكنه لم يُفلح، لهذا انتزع من ذهنه فكرة السيطرة أو العيش دون جناحه الآخر. باختصار إنّ ما تعانيه الدول العربية اليوم إذاً، سبق وأن جرّبه لبنان جراء التهديدات أو غيرها، ولهذا هو ليس في وارد أن يعيده مجدّداً.

من ناحية أخرى، إنّ التنظيمات التكفيرية التي تقتحم الدول العربية بحجة القضاء على المسيحيين والشيعة أو كل الذين يخالفون ديانتها أو معتقداتها، عليها أن تواجه في لبنان 18 طائفة تختلف معها في التفكير والدين والعقيدة. وهذا بحدّ ذاته، أمر غير سهل، ولا تواجهه هذه التنظيمات في سائر الدول المجاورة. ولهذا عليها أن تخشى لبنان والدخول اليه، أكانت وصلتها الأوامر بعدم دخوله أم لا.

في المقابل، لا يمكن الاستهانة بقدرات الجيش اللبناني، على ما ذكرت الأوساط عينها، الذي تمكّن بفضل بعض المساعدات العسكرية التي حصل عليها من الولايات المتحدة الأميركية من تحقيق الانتصار لا سيما في المواجهات التي حصلت بينه وبين هذه التنظيمات الإرهابية في عرسال او في رأس بعلبك أو طرابلس أو بريتال وسواها. ولا يمكن بالتالي الإنكار ان الجيش قادر على ردع هذه الجماعات ودرء خطرها عن لبنان بفضل الدعم السياسي الداخلي له.

وتؤكد بأن لبنان محمي، وإن كانت المخاطر محيطة به، لأنّ الجميع متيقّظ، من جيشه الى شعبه ومقاومته، وجاهز للدفاع عنه وعن سيادته. غير ان أزمة النازحين السوريين الذين وصل عددهم الى مليوني نازح في تركيا، ويزداد عددهم في كل من لبنان والأردن، على ما شددت الأوساط، مرجحة لأن الخطر الأكبر على ديموغرافية البلد وكثافة سكانه وهي تهدد فعلاً كيانه ونسيجه الاجتماعي. ولهذا يُصرّ لبنان على عودتهم الى المناطق الآمنة في سوريا، لا سيما بعد ان فشل اقتراح إقامة مخيمات لهم داخل الاراضي السورية الى حين تأمين عودتهم الى مناطقهم.

وفي رأيها، انه لا يجب دراسة هذه الأزمة على أساس طائفي أو ديني، بل على أساس وطني وإلا فإنّ وجود هؤلاء سوف يتحوّل تدريجاً الى دائم ويهدد بالتالي وجود لبنان أكثر من الإقامة المؤقتة لنحو 500 الف فلسطيني في المخيمات الفلسطينية المُوَزّعة على المناطق اللبنانية، وما خلّفه هذا الوجود المؤقت من مآس ومعاناة على الجانبين. فهذه الاستضافة لا يجب ان تتكرر مع السوريين مهما حدث. ولهذا على الحكومة مجتمعة تطبيق خطتها الأمنية لتقليص أعداد النازحين السوريين وإعادتهم الى بلادهم، قبل اي شيء آخر، فضلاً عن التشدد اكثر في دخول وخروج هؤلاء، لأنهم باتوا كالسياح في حالة ذهاب وإياب متى يحلو لهم تحت ذريعة أنهم نازحون وهاربون من المعارك الدائرة في مناطقهم.

وتقول الأوساط بأنّه على الحكومة الاستفادة من المؤتمر الدولي الخاص بالأزمة السورية، والذي يُتوقَّع أن يُعقد قريباً، للمبادرة الى المطالبة بوضع خطة محدّدة لتقليص عدد النازحين السوريين قي لبنان، إن بإعادة جزء كبير منهم الى سوريا حيث المناطق الآمنة والبعيدة عن أصوات القذائف والرصاص، أو بطلب ترحيلهم الى الدول الأوروبية أو سواها، المستعدّة لاستقبال أعداد منهم. وعليها ايضا ان تشترط إيجاد طريقة مناسبة لمن لا يبقون بالملايين في دول الجوار، ولا سيما في لبنان، مع كل ما يمكن ان يجلبوه لهذا البلد من أعباء مالية واجتماعية واقتصادية وطبية تفوق قدرته على تحمُّلها.

كذلك فإن التنظيمات الإرهابية تستفيد كثيراً من وجود النازحين في لبنان ودول الجوار، لا سيما وأن عدداً كبيراً ممن بينهم ينحاز اليها لأنّه ضد النظام، ولهذا يعمل على تطبيق خططها في دول المنطقة. ومن هنا، لا بدّ من تقليص عدد النازحين الذين غالباً ما يستخدمهم «داعش» وسواه من أجل تحقيق الخروقات داخل البلدان الآمنة، ما يحدّ كثيراً من مخاطر هذه التنظيمات وكل الذين يتحالفون معها وينضوون تحت جناحها.