Site icon IMLebanon

الحلم الأوروبي يحتضر في اليونان

AusterityGreece

جديون راشمان

المصارف المُغلقة في اليونان تُمثّل فشلا عميقا للاتحاد الأوروبي. الأزمة الحالية ليست مجرد علامة على فشل الدولة اليونانية الحديثة، بل هي أيضاً علامة على فشل الحلم الأوروبي في الوحدة والسلام والرخاء.

على مدى الأعوام الـ 30 الماضية، كانت أوروبا تحتضن نسختها الخاصة من “نهاية التاريخ” التي أصبحت معروفة باسم الاتحاد الأوروبي. الفكرة كانت أن الدول الأوروبية تستطيع إيداع مآسي الحرب والفاشية والاحتلال في زوايا الماضي. من خلال الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بإمكانها معاً بناء مُستقبل أفضل قائم على الديمقراطية وسيادة القانون ونبذ القومية.

اللورد باتين، المفوّض السابق في الاتحاد الأوروبي، تباهى ذات مرة بأن نجاح الاتحاد ضمن أن الأوروبيين الآن يقضون وقتهم في “الجدال بشأن حصص الأسماك أو الميزانيات بدلاً من قتل بعضهم بعضا”.

عندما أطيح بالعسكر اليونانيين في عام 1974، أصبحت اليونان هي الرائدة لأنموذج جديد لأوروبا – الذي من خلاله تم تأمين استعادة الديمقراطية على المستوى الوطني عن طريق تطبيق مُتزامن للانضمام إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية (كما كان اسمها في ذلك الحين).

أصبحت اليونان العضو العاشر في النادي الأوروبي في عام 1981. عضويتها المُبكرة في الاتحاد الأوروبي الذي يضم الآن 28 بلدا هي بمثابة توبيخ لأولئك الذين يدّعون الآن أنها دائماً ما كانت عضواً هامشياً.

الأنموذج الذي تأسس أول مرة في اليونان – تعزيز الديمقراطية، المضمون من التكامل الأوروبي – تم نشره في أنحاء القارة كافة على مدى العقود الثلاثة التالية. إسبانيا والبرتغال، اللتان تمكنتا أيضاً من القضاء على الأنظمة الاستبدادية في السبعينيات، انضمتا إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية في عام 1986. وبعد سقوط جدار برلين، تقريباً جميع بلدان الاتحاد السوفياتي السابق تبعت أنموذج اليونان في ربط التغيير الديمقراطي في البلاد بطلب ناجح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

بالنسبة للاتحاد الأوروبي نفسه، أصبح التوسّع على الطراز اليوناني أداته الأكثر قوة لنشر الاستقرار والديمقراطية في أنحاء القارة كافة. قال لي أحد السياسيين البولنديين قبل وقت قصير من انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي “تخيّل أن هناك نهرا كبيرا يجري عبر أوروبا. على أحد الجوانب توجد موسكو. وعلى الجانب الآخر توجد بروكسل. نحن نعرف على أي جانب من النهر علينا أن نكون”.

تلك الفكرة القوية – أن الاتحاد الأوروبي كان يُمثّل حكومة جيدة وديمقراطية آمنة – استمر صداها يتردد في أوروبا الحديثة. هذا هو السبب في أن المُتظاهرين الأوكرانيين كانوا يُلوّحون بعلم الاتحاد الأوروبي عندما أطاحوا بحكومة فيكتور يانوكوفيتش الفاسدة في عام 2014.

الخطر الآن هو، مثلما كانت اليونان فيما مضى الرائدة في ربط التحوّل الديمقراطي بالمشروع الأوروبي يُمكن أن تُصبح رمزاً لعملية جديدة وخطيرة: تفكيك الاتحاد الأوروبي. الأزمة الحالية يُمكن أن تؤدي بسهولة إلى انسحاب اليونان من اليورو وفي نهاية المطاف من الاتحاد الأوروبي نفسه. وهذا من شأنه تقويض المهمة الأساسية للاتحاد الأوروبي: الانضمام إلى النادي الأوروبي هو أفضل ضمانة للرخاء والاستقرار في المستقبل.

وحتى لو بقيت اليونان الغاضبة والفقيرة في النهاية داخل الخيمة، فإن الصلة بين الاتحاد الأوروبي والرخاء ستكون قد تمزّقت. ذلك أن الحقيقة المُروّعة التي أخذت تستقر في أذهان الناس ليست فقط أن الاتحاد الأوروبي فشل في الوفاء بوعوده عن الرخاء والوحدة، بل إن الاتحاد من خلال حجز اليونان وغيرها من أعضائه في تجربة اقتصادية فاشلة – اليورو – يُدّمر الثروة والاستقرار والتضامن الأوروبي.

مخاطر هذه العملية جميعها أكثر وضوحاً، لأن اليونان تقع في موقع استراتيجي للغاية. إلى الجنوب تكمُن الفوضى وسفك الدماء في ليبيا، وإلى الشمال يكمُن عدم الاستقرار في منطقة البلقان، وإلى الشرق تقع روسيا الغاضبة والناهضة.

ولأن إدارة باراك أوباما تعرف كل هذا، فإنها تشعر باستغراب متزايد بشأن استعداد الاتحاد الأوروبي الواضح للسماح بفشل اليونان. بالنسبة لبعضهم في واشنطن، يبدو كما لو أن الأوروبيين قد نسوا جميع الدروس الاستراتيجية التي تعلّموها خلال الحرب الباردة بشأن أهمية اليونان.

لكن هذا يُعتبر تجنيا على الأوروبيين. ردّهم على هذا الانتقاد من واشنطن هو أن الاتحاد الأوروبي يعمل فقط لأنه مجتمع من القوانين والالتزامات المتبادلة. إذا سمحت لبلد مثل اليونان أن يتحايل على تلك القوانين والالتزامات – مثلا، من خلال التراجع عن سداد ديونه – عندها سيبدأ النادي في التفكّك على أي حال. لكن في المقابل، إذا تم طرد اليونان، فلا تزال هناك فرصة لحصر الأضرار في بلد واحد.

تترتب على الأزمة أيضاً مضامين عميقة بالنسبة للديمقراطية؛ فكرة التجمّع الأصلية التي جذبت اليونان إلى الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من ثلاثة عقود. أليكسيس تسيبراس، رئيس الوزراء، يجادل الآن بأنه بدلا من تأمين ديمقراطية اليونان، فقد أصبح الاتحاد الأوروبي عدوّها، لأنه الآن يسحق إرادة الشعب.

في الواقع، بطبيعة الحال، هذا يُعتبر بمثابة تضارب في الصلاحيات الديمقراطية – وضع رغبة الناخبين اليونانيين بالتخلّي عن سياسة التقشف مقابل الناخبين (ودافعي الضرائب) في بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى، الذين يرغبون في رؤية قروضهم مُسدّدة ويكرهون جعل اليونان التي لم تقم بأي عملية إصلاح، تستمر في الاستفادة من أموال الاتحاد الأوروبي.

ربما يكون الأمر أن الإرادتين الديمقراطيتين يمكن أن تتصالحا بألم في استفتاء يوم الأحد المُقبل. في حال صوّت الشعب اليوناني لمصلحة قبول مطالب الدائنين في الاتحاد الأوروبي – المطالب التي رفضتها حكومته للتو – فقد تبقى اليونان داخل كل من اليورو والاتحاد الأوروبي. لكنه سيكون قرارا من قِبل دولة خائفة وحاقدة. اليونان قد تبقى عضواً في الاتحاد الأوروبي، لكن حلمها الأوروبي سيكون قد مات.