يعاني قطاع السياحة في العراق شللا كاملا، بسبب تداعيات الأوضاع الأمنية في البلاد من جهة، والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالدولة العضو في أوبك من جهة أخرى، فضلا عما يرصده خبراء من عوامل الفساد الإداري، وضعف الترويج السياحي، وتسليم هيئة السياحة لرجال دين لا خبرة لهم بهذا القطاع، قاموا مؤخرا بتشويه معالم أثرية نادرة تحت مزاعم دينية.
ومثّل قطاع السياحة في العراق قبل الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003 نحو 3% من إجمالي الناتج المحلي؛ بسبب وفرة المواقع السياحية الأثرية أو الدينية، وكذا الطبيعية، كالمنتجعات السياحية المنتشرة على جانبي دجلة والفرات بمدن عدة. فيما تشير تقديرات المتخصصين إلى أن الاهتمام بالسياحة يوفر لبلاد الرافدين موارد ضخمة تساهم في الحد من الاعتماد على مصدر الدخل الواحد، وهو النفط.
العتبات المقدسة
وبينما تُظهر بيانات وزارة السياحة أن ما يربو على 1.5 مليون شخص قد زاروا العراق بهدف السياحة الدينية فقط في العام 2010، حققت بغداد من ورائهم إيرادات تتجاوز المليار دولار، يقول تقرير حديث لمنظمة “السوق العراقية” (غير حكومية) إن العام الجاري 2015 لم يسجل دخول دولار واحد إلى قطاع السياحة الأثرية في العراق، حيث لم يدخل سوى 200 شخص أجنبي، وجرى اعتبارهم مستكشفين لآثار بابل وسومر.
أما الدخل السياحي الذي تحققه البلاد من السياحة الدينية، فغالبا ما يذهب إلى حسابات ديوان الوقف الشيعي والسني، وهي هيئات لا علاقة لها بقطاع السياحة، وفق التقرير.
وتشكل السياحة الدينية في العراق حاليا أكثر من 99% من إجمالي حركة السياحة، ويأتي نحو 88% من الزوار الأجانب من إيران ثم الهند وباكستان ولبنان وأفغانستان. ووفرت هذه السياحة على مدار عقود، مصدرا مهما للنقد الأجنبي في البلاد، فضلا عن مساهمتها في دعم الناتج المحلي الإجمالي وميزان المدفوعات.
ولا توجد أرقام أو تقديرات رسمية بشأن أعداد السياح الوافدين للعراق، أو حجم الإيرادات السياحية في الأعوام بعد 2010، إذ كان العراق هو الأكثر تأثر بالأزمة السورية التي انطلقت مع ثورة مارس/آذار، فضلا عن تأثر سياحته الدينية بتردي الأوضاع المالية في إيران التي شدد المجتمع الدولي عقوباته عليها نتيجة برنامجها النووي.
وما هي إلا شهور من الأزمة السورية إلا وانتقلت التوترات إلى الجارة العراق، لتدخل بعدها البلاد نفقا مظلما بعد أن قويت شوكة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”.
ويرى تقرير منظمة “السوق العراقية”، أن إنعاش القطاع السياحي من شأنه تخفيف حدة الأزمة المالية للعراق حاليا، غير أنه لا مؤشرات على ذلك حتى الآن، بسبب الصورة الحالية للعراق أمام شركات السياحية العالمية في ظل الحرب على “داعش”.
الهروب للخارج
ولا يقتصر تأثر القطاع بانصراف السياح من خارج البلاد فقط، بل أثرت مجريات الأوضاع الداخلية على السياح المحليين.
ويقول أحد أصحاب شركات السياحة والسفر في بغداد، ويدعى عبدالله العقابي، في حديث لـ”العربي الجديد”: إن قطاع السياحة والسفر في العراق بشكل عام يشهد حالة ركود غير مسبوقة بسبب الحرب القائمة ضد “داعش”.
وأضاف: “نحن في موسم الصيف نشهد ارتفاع معدل السفر إلى المناطق السياحية، وخاصة إلى إقليم كردستان العراق وتركيا، لكن الأوضاع الأمنية تسببت في إلغاء آلاف الطلبات المقدمة لنا من قبل المنظمات المدنية والسكان المحليين الذين كانوا يرغبون في السفر إلى مدن الإقليم”.
وذكر العقابي، أن شركته كنت تُسيّر، العام الماضي، نحو 10 رحلات يومياً إلى الإقليم. في المقابل فإنهم لم يتمكنوا من تسيير أي رحلات هذا الموسم بفعل الإجراءات الأمنية المشددة التي تفرضها سلطات الإقليم على دخول العرب والسياح، فضلا عن عزوف المواطنين عن زيارة الإقليم، ما دفع شركته إلى التخلي تماما عن تنظيم رحلات سياحية لكردستان والبحث عن بدائل خارج البلاد.
وقال إن أغلب الرحلات التي خرجت من العراق اتجهت إلى تركيا ثم إيران فالأردن.
وأوضح أن توقف الحركة السياحية إلى الإقليم، تسبب في تعثر قطاع الضيافة والفنادق هناك.
ولاحظ الخبير الاقتصادي العراقي، عمر محمد، تراجعا كبيرا في أعداد زائري العتبات الدينية في مدن بغداد وكربلاء والنجف؛ بسبب الأوضاع الأمنية المضطربة في البلاد، وهو ما انعكس، برأيه، على تراجع الوافدين عبر المنافذ الحدودية والمطارات العراقية بنسبة تصل إلى 45%.
وأضاف في مقابلة مع “العربي الجديد”، أن شركات السياحة والسفر تضررت من الأوضاع الأمنية، وسجلت خسائر كبيرة تتجاوز مليوني دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري.
وتابع أن الأوضاع عززت ظاهرة الهجرة العكسية للسياح العراقيين من العراق إلى إيران، لا سيما في ظل الأسعار الرخيصة نسبيا في إيران، حيث لا تتكلف رحلة الفرد أكثر من 500 دولار وتستمر لنحو أسبوعين.
معاناة الفنادق
وقال رئيس رابطة الفنادق والمطاعم في إقليم كردستان، هيرش جاوشين، إن حجوزات الفنادق انخفضت هذا الموسم بنسبة 80 % مقارنة بما كانت عليه، الموسم الماضي، ما دفع أصحاب الفنادق إلى تسريح نحو 60% من العمالة.
وعزا جاوشين انخفاض حجوزات الفنادق، إلى الإجراءات الأمنية المشددة في نقاط التفتيش الموجودة على منافذ ومعابر الإقليم، حتى بات من الصعب على سكان الإقليم في مدن مثل السليمانية ودهوك، الانتقال إلى أربيل عاصمة الإقليم.
وأوضح أن السلطات الأمنية أمرت مطاعم سياحية فئة 5 نجوم بإغلاق أبوابها قبل الثانية عشرة ليلا كل يوم.
وقال أحد أصحاب الفنادق في محافظة النجف (جنوب العراق)، ويدعى حسين علي، في حديث لـ”العربي الجديد”: إن الإقبال على الفندق تراجع بأكثر من 40% خلال العام الجاري.
وذكر أن تسهيل الإجراءات للزوار الإيرانيين الذين يقصدون النجف بهدف السياحة الدينية، لم يعد عامل جذب في ظل الأوضاع الأمنية الراهنة.