استفاق أهالي بلدة السعديات عند منتصف ليل الثلاثاء على أصوات نيران كثيفة، اثر هجوم عناصر من “حزب الله” عليها بالاسلحة الخفيفة والمتوسطة، وما لبث أن تدخل الجيش بعد ساعتين وحال دون تطور الوضع. واستفاق الاهالي صباحاً على آثار الرصاص الذي اخترق جدران المنازل ونوافذ السيارات وواجهات المحال التجارية التي انهارت بالكامل.
وأفاد شهود عيان من أبناء البلدة صحيفة “المستقبل” أن “هذه الاحداث جاءت نتيجة تراكمات وتهديدات أطلقتها مجموعة من حزب الله كانت تنوي اقامة مركز للحزب قبل بضعة أشهر، الا أنها لم تستطع ذلك بسبب رفض أهالي البلدة، فعمدت الى بناء مركز على أنه مصلى ووضعت عليه مكبرات الصوت، الا أن الجهود السياسية أفضت الى وقف الاذان من المصلى، مما دفع بعناصر حزب الله الى اعتماد طرق أخرى للاستفزاز عبر تسيير سيارات ذات دفع رباعي سوداء ورفع شعارات مذهبية”.
وأكدت المعلومات أن “ما بثته بعض وسائل الاعلام من صور وأخبار عن أن ابناء البلدة هم من هجم على المصلى، هو كذب وافتراء، والحقيقة هي أن مسلحين خرجوا من سيارتين واحدة توقفت فوق الجسر الموجود على مدخل البلدة وواحدة تحته، وبدأوا باطلاق النار على كشك كان يتواجد فيه عدد من الاهالي للسحور، ما كاد أن يتسبب بمجزرة، وفروا، الا أن الاسلحة والمسلحين أخذوا بالظهور بشكل علني من المصلى، وبدأت السيارات تصل من خارج المنطقة وتقل مسلحين راحوا يطلقون الاعيرة النارية يميناً وشمالاً، وهذا ما استفز الاهالي الذين خرجوا للدفاع عن أرضهم، فيما انطلقت الاتصالات لمحاولة تهدئة الوضع، وحضرت القوى الامنية بعدما أصبح الوضع متوتراً جداً”.
وأشارت المعلومات الى أن أهالي السعديات رجعوا الى منازلهم فور وصول الجيش، وكل ما قيل عن أن أبناء البلدة أطلقوا النار على الجيش كذب، فهم لم يكونوا يوماً فوق القانون ويضعون أنفسهم بعهدة القوى الامنية التي تحقق بالحادث.
وشرح مختار السعديات رفعت الاسعد ملابسات ما جرى، فأكد أن “حزب الله هو من استفز أهالي السعديات وشبابها ليثير فتنة مذهبية يحاول بشتى الطرق الوصول اليها”، معتبراً أن “أهدافهم أصبحت مكشوفة وواضحة لكل اللبنانيين”.
وفي حديث إلى صحيفة “المستقبل”، أكد عضو كتلة “المستقبل” النائب محمد الحجار أن ما حصل في السعديات “سببه قرار للحزب باستحداث مواقع عسكرية له ولما يسميه سرايا المقاومة في المناطق اللبنانية كافة، تحت شعارات وحجج وذرائع مختلفة من دون أي استثناء، متحدياً بذلك الناس والمواطنين والمؤسسة العسكرية والاجهزة الامنية الاخرى”.
وقال: “هذه الفتنة المتنقلة التي يذهب اليها حزب الله بشكل مباشر أو غير مباشر، عن قصد أو عن غير قصد، نتيجة قرارات يتخذها كما لو أنه الآمر الناهي في البلد وعلى الجميع الخضوع لمشيئته وارادته. هي مشكلة السلاح المتفلت الخارج عن الشرعية بدءاً بسلاح الحزب غير الشرعي والذي يؤدي الى حمل الناس أسلحة غير شرعية خوفاً على حياتهم وكرامتهم. وهذا الامر يستوجب قراراً جريئاً ومسؤولاً من حزب الله باغلاق كل هذه المكاتب التي لا هدف لها سوى شحن النفوس وزرع التوتر في أي مكان تواجدت فيه”.
ودان عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب علاء الدين ترو الحادثة بكل المقاييس، وقال: “عليهم أن يفهموا جميعاً أن البلد غير مهيأ اليوم لمثل هذه المسائل الصغيرة، وملزمون بالتعايش في ما بينهم واحترام بعضهم البعض، واحترام عاداتهم وتقاليدهم وشعائرهم”، داعياً القوى الأمنية الى “ضبط الوضع الأمني ومحاسبة كل من يخل بهذا الوضع”.
ورفض منسق عام جبل لبنان الجنوبي في تيار “المستقبل” محمد الكجك “التذرع بحجج واهية لجر الناس الى فتن تودي بالبلد الى حروب”، مشدداً على أن “حزب الله لم يفهم بعد أن البلد للجميع”. وقال: “نحن نرفض ونستنكر ما حصل في السعديات، ونشدد على ضرورة تجنيب البلد أي خضات لأنه على حافة الهاوية، وأي خضة ستوصله الى خراب محتم”.
من جهته، أعرب وكيل داخلية الحزب “التقدمي الاشتراكي” في اقليم الخروب سليم السيد عن استنكاره للحادثة “في هذه الظروف الدقيقة والصعبة التي تعيشها البلاد والمحيطة بالمنطقة”، مشيراً الى أن توجيهات رئيس الحزب النائب وليد جنبلاط “هي عدم السماح بدخول الفتنة من أي مصدر كان الى المنطقة”.
واعتبر المسؤول السياسي لـ “الجماعة الإسلامية” في جبل لبنان عمر سراج، أن ما حدث في السعديات “أمر يصب في زعزعة الأمن في إقليم الخروب، وهو مستنكر ومرفوض لما يحمل في طياته من اعتداء غير مباشر على قرى الإقليم كافة”. وأكد أن “عمليات الإستفزاز المتكررة تجاه أهل المنطقة والتي تطورت اليوم إلى اشتباكات مسلحة، لن تخدم الجهة التي تقوم بالإستفزاز، كما لن تخدم الجهود التي تبذلها القوى السياسية في المنطقة للحفاظ على الإستقرار في الإقليم وتحييده عن تداعيات الأزمات المحيطة”.
وكشفت معلومات أمنية لـ”المستقبل” عن مسار مشبوه يسلكه الحزب في الآونة الأخيرة ويتجسد باستحداثه مراكز مسلّحة “على المفارق” على طول الخط الساحلي الممتد من بيروت إلى الجنوب وباتجاه الشوف والإقليم، وسط علامات استفهام تُرسم حول الأسباب والغايات الكامنة وراء إنشاء مثل هذه المراكز الحزبية باعتبارها تقع في بيئة أهلية لا توالي “حزب الله” ولا تشكل سوى أوكار موصوفة لإثارة الفتن مع أبناء تلك المناطق.
في سياق متصل، لم تستبعد مصادر أمنية لصحيفة “الحياة” أن يدرج الإشكال الأمني على طاولة الحوار بين تيار “المستقبل” و “حزب الله” في جلسته اليوم برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سيقيم إفطاراً للمشاركين فيه.
الى ذلك، أعربت مصادر غير سياسية لصحيفة “اللواء” عن توجسها من هذا حادث السعديّات الذي تدرجه القوى السياسية في إطار الحادث المحلي، ولا يحتضنه قرار مركزي عام، بدليل حصر ذيوله في المحلة التي وقع فيها، وحرص الطرفين على تجنّب تبنّي المسلحين أو إصدار البيانات والحملات، لا سيما وأنه يأتي بالتزامن مع محاولة تحريك الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة ومحيطه، في وقت يتصدى فيه الجيش اللبناني لمحاولات متكررة من قبل جبهة “النصرة” ومجموعات أخرى مسلحة تحاول التسلل بين بلدة عرسال وجرودها، الأمر الذي من شأنه أن يخلق إرباكات للقوى الأمنية، إذا ما تحوّل الطريق الساحلي بين بيروت والجنوب إلى منطقة ساخنة، في ظل تزايد التغيّرات الميدانية على الجبهات السورية المشتعلة.
وفي تقدير مصادر مطلعة، أن حادثة السعديات شكلت اول امتحان حقيقي للحوار القائم بين الطرفين منذ انطلاقته في عين التينة، قبل سنة تقريباً.
وسلطت هذه الحادثة الضوء مجدداً على مصير هذا الحوار الذي ينعقد في الجولة الرابعة عشرة اليوم، ورسمت أكثر من علامة استفهام بشأن فعاليته، بعدما أظهرت المواجهات التي استمرت لأكثر من ثلاث ساعات ليلاً، دليلاً على عدم نجاحه في تنفيس الاحتقان المذهبي، ولا في حماية السلم الأهلي كما يفترض.
وأكدت أوساط تيّار “المستقبل” أن ما جرى، على خطورته، لن يؤثر على مجريات الحوار طالما انه ذو طابع محلي، إلا انه سيحضر بقوة في جلسة اليوم، حيث سينعقد الحوار إلى مائدة افطار يقيمها الرئيس برّي.
هذا وأكدت مصادر قيادية في “تيار المستقبل” تمسكها بخيار الحوار مع “حزب الله”، إلتزاما بتوجيهات الرئيس سعد الحريري، مشددة على أن حادثة السعديات أظهرت أهمية الجلسات التي تعقد بين الطرفين.
ولفتت المصادر في حديث لصحيفة “السفير” الى أن حدثا أمنيا بهذه الخطورة، كان من شأنه أن يرفع منسوب التوتر والاحتقان في كل المناطق اللبنانية وأن يؤدي الى ما لا يحمد عقباه، لولا التواصل القائم بين التيار والحزب من خلال هذا الحوار، مشيرة الى أن الجيش اللبناني قام بواجبه في فرض الأمن وفي إعادة الحياة الى طبيعتها، وعلى الجلسة رقم 14 أن تنزع كل الفتائل وأن تحاول معالجة الأسباب الحقيقية.
ورأت المصادر نفسها أن ما حصل في السعديات هو إنعكاس لجو الاحتقان في البلد ولما يحصل في سوريا وفي المنطقة بشكل عام، مبدية خشيتها من أحداث مماثلة في مناطق متداخلة مذهبيا على الخط الساحلي من الضاحية الى الجنوب، خصوصا إذا كان ما حصل في السعديات ليس وليد صدفة، وإنما هو جس نبض لاجراءات معينة يستعد “حزب الله” لاتخاذها في المستقبل القريب، لافتة الانتباه الى المسؤولية الوطنية التي تقع على عاتق المتحاورين في هذا الاطار.
من جهة اخرى، أكدت مصادر مواكبة لحادث “السعديات” لصحيفة “الأخبار” وقوع ثلاثة قتلى وأربعة جرحى من المهاجمين. القتلى تابعون للمستقبل، فيما هناك جريحان من شحيم.
لكن أين القتلى ولم جرى التستر عليهم؟ المصادر أشارت إلى اتفاق بين الأطراف المعنية على تطويق ذيول الحادث، إذ إن الأنباء المتتالية عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أشاعت انطباعاً بأن مجزرة تحدث في السعديات، ما أدى إلى استنفار في عدد من المناطق بين صفوف الجماعة والمستقبل. في طرابلس، دعت هيئة علماء المسلمين إلى النزول وقطع الشوارع. وعلى طريق الناعمة – الجنوب، قطع مناصرون للجماعة والمستقبل الطريق لبعض الوقت قبل أن يفتحها الجيش مجدداً. وفي صيدا وإقليم الخروب، سجل استنفار مماثل.
كما تحدثت المصادر عن اتصالات أجراها مسؤول لجنة التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا بمرجعيات أمنية في “المستقبل”، دعاهم إلى ضبط الشارع كي لا يقع الأسوأ. الاتصالات أثمرت انسحاباً من الشارع بعد ثلاث ساعات.