IMLebanon

لماذا تحرص الصين على محاكاة التعليم الغربي؟


على مشارف مدينة ساحلية في الصين، هناك حرم جامعي يشبه كثيرا مشهدا كالذي يمكن أن تراه في وسط انجلترا.

هنا، يناقش الطلاب الذين يضعون سماعات الأذن وتعلو رؤوسهم القبعات، ويرتدون نظارات سميكة ذات عدسات مستطيلة، مسألة “التفكير النقدي”. وفي يوم مشمس يجلسون واضعين ساقا فوق أخرى على العشب الأخضر على ضفة بحيرة، وسط هبوب الرياح المحملة بغبار الانشاءات من حولهم.

لكن بعض هؤلاء الطلبة لم يستعمل خاصية المحادثة “الماسنجر” على موقع فيسبوك، ولم يسبق لهم أن أرسلوا طلب صداقة على ذلك الموقع. لكنهم يرسلون تغريداتهم على موقع ويبو وليس موقع تويتر، ويرفعون الصور على موقع ويكسين وليس انستغرام. أنت هنا في نينغبو في الصين، شمالي مقاطعة شينجيانغ، على بعد خمسة آلاف ميل من المملكة المتحدة.

كل نوع من أنواع الصناعة والتجارة يحاول الدخول إلى السوق الصينية. ولا يختلف عن ذلك مجال التعليم. وتشتهر مدينة نينغبو برجال أعمالها، والمستثمرين الأجانب.

ففي السنوات العشر الماضية، أصبحت المدينة موطناً لجامعة نوتينغهام نينغبو، والتي تعرف اختصارا باسم “يو إن إن سي”، التي تعد بمثابة نسخة من جامعة نوتنغهام البريطانية.

وهذه الجامعة عبارة عن مشروع مشترك بين جامعة نوتنغهام في بريطانيا ومجموعة وانلي التعليمية، وهي شركة صينية تملكها الدولة. وتم تسويقها في الصين كجامعة بريطانية حقيقية، ويعمل فيها أكاديميون صينيون وأجانب.

الحلم الصيني

هذه المجموعة الجديدة من الجامعات تعد جزءا من طموح الصين الكبير لكي تصبح مركز قوة للتعليم في العالم، وذلك للطلاب من سان فرانسيسكو حتى شنغهاي.

وتتسابق المؤسسات الأجنبية على إقامة شراكة مع الجامعات الصينية، بداية من مشاريع تعاونية إلى افتتاح فروع لها في المدن الصينية.

ويقدم ذلك للجامعات الأجنبية فرصة لايجاد موطئ قدم لها في بلد معروف بشغفه بالتعليم. ولكن الأهم بالنسبة للطلاب، وخاصة لرجال أعمال المستقبل، أن ذلك يوفر فرصة للاطلاع عن قرب على سوق العمل والاستثمارات في الصين، والتي مازالت خادعة وغير واضحة المعالم بالنسبة للشركات العالمية.

يقول جوزف هيلي وهو اسكتلندي في بداية الخمسينات من عمره ويعمل في قطاع البنوك “أعتقد أن انخراطك في الحياة في الصين يغير من مستوى معرفتك بهذا البلد”.

ويضيف هيلي الذي حصل على درجة الماجستير في جامعة “يو إن إن سي” بعد أن عمل كمسؤول تنفيذي في بنك استراليا الوطني “لقد أمضيت عشر سنوات أدرس الصين مع رجال أعمال بارزين من خارج الصين، وكان جزء كبير من المشكلة يتمثل في أن لدينا فهما سطحيا للأوضاع المعقدة في هذا البلد. لذا ليس من المستغرب أن كثيرا من الاستثمارات كان مصيرها الفشل”.

ومن بين الجامعات التي افتتحت فروعا لها في الصين جامعة نيويورك، وكلية جون هوبكينز للدراسات الدولية العليا، وجامعة ليفربول، وغيرها.

في هذه الأثناء، تستثمر الحكومة الصينية أموالا طائلة لإصلاح وتغيير نظام التعليم فيها. ففي السنوات العشر الأخيرة وحدها تضاعف عدد خريجي الجامعات أربع مرات.

كما باتت الصين أكبر دولة في العالم ترسل طلابها للدراسة في الخارج، كما يتساوى عدد الطلاب الصينيين من طلاب الدراسات العليا مع الطلاب البريطانيين في الجامعات البريطانية.

وتأتي الصين في المرتبة الثالثة عالميا من حيث نسبة إقبال الطلبة الأجانب على الدراسة فيها، بعد الولايات المتحدة وبريطانيا. ويُتوقع أن تجتذب أكثر من نصف مليون طالب أجنبي بحلول عام 2020، وفقا لبيانات معهد التعليم الدولي المعروف باسم “بروجكت أتلس” ومقره الولايات المتحدة.

تحديات الحياة في الصين

لكن هذا التوسع الهائل لا يخلو من معضلات. إذ يسود القلق على المستوى الأكاديمي لدى بعض الجامعات. ففي يوليو/ تموز 2012 قامت جامعة يال (Yale) بإلغاء برنامجها التعليمي في جامعة “بيكنغ”.

وبررت الجامعة قرارها بقلة الإقبال على البرامج والدورات التي تطرحها. لكن برنامجها كان مثيرا للجدل. ففي عام 2007 انتقد أستاذ في علم الأحياء علنا إدارة الجامعة لتهاونها في عمليات الغش والانتحال التي تجري على نطاق واسع بين الطلبة الصينيين.

أما جامعات دولية مثل جامعة “يو إن إن سي” فتواجه مشاكل من نوع خاص بها. فإدارة الجامعة مهمتها ضمان أعلى مستوى من التعليم وكذلك الحرية الأكاديمية في بلد يمكن أن تتدخل السياسة فيه في كل شيء.

وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، تعهد وزير التعليم الصيني بحظر الكتب الجامعية التي تشجع “القيم الغربية”، مما أثار قلقا واسع النطاق في الأوساط التعليمية الغربية.

وقد وعدت وزارة التعليم الصينية بتوفير الحرية ذاتها التي تتمتع بها هذه الجامعات في بلادها الأصلية. لكن يتعين كذلك على هذه الجامعات التقيد بالقوانين الصينية والتي تعني أن دراسة الماركسية تعد برنامجا دراسيا إجباريا على الطلاب الصينيين، ولكن ليس على الطلاب الأجانب.

كما أن التقييد الصيني لشبكة الإنترنت يعني أن بعض المواقع الإلكترونية التي تتخذ من الغرب قاعدة لها – مثل محرك البحث العلمي “غوغل سكولر” الذي يصنف المادة الأكاديمية حسب المواضيع وطريقة العرض – أصبحت محظورة في الصين.

ويتعين على الباحثين استخدام شبكة افتراضية من خلال خاصية تقنية تعرف باسم “في بي إن” ليتمكنوا من الاستفادة من هذه الخدمة.

كما توجد صعوبات عملية أخرى. ففي الوقت الذي يجري تدريس وإدارة حلقات البحث باللغة الإنجليزية، يجد كثير من الطلاب الأجانب أنفسهم في محاضرات وشعب دراسية غالبية الطلبة فيها لا يتحدثون الإنجليزية كلغة أصلية.

ومن شأن ذلك أن يتسبب في صعوبات جمة. تقول إيلا أبيا البالغة من العمر 20 عاما، وهي طالبة من غانا تدرس للحصول على شهادة البكالوريوس في الاتصالات الدولية في جامعة يو إن إن سي “غالبا لا يشارك الطلاب الصينيون في النقاش أثناء الدروس. في بلادنا عندما تكون على صواب فإنك تخبر المُحاضر بذلك”.

ويقول أمير إمام زادة (19 عاما) وهو طالب بريطاني في الجامعة نفسها “قد يكون لذلك علاقة بنمط الثقافة السائدة أكثر من علاقته باللغة. في النشاطات الجامعية قلما يشارك الطلاب الصينيون لأنه لا خبرة لديهم في هذه النشاطات منذ أيام المرحلة الثانوية”.

لكن بالنسبة لكثير من الطلبة، يعتبر الانخراط في الحياة الصينية أهم من أي صعوبات يواجهونها. ويشير الطلاب إلى أن كونهم جزءا من مجتمع يتغير بسرعة كبيرة، يعتبر ميزة مهمة خاصة في البرامج الدراسية التي تتطلب دراسة حالة.

يقول كينيدي أوبوندو (26 عاما) وهو من كينيا ويدرس في الجامعة نفسها “كطالب أدرس الصحة العالمية، أشعر بميزة دراستي في بلد يزودني بتجربة أولية في التحديات التي تواجه العالم في الميدان الصحي خلال القرن الحادي والعشرين”.

ويضيف “فنحن نتمكن من القيام بزيارات ميدانية إلى مناطق مختلفة من الصين حيث نقف على قضايا صحية في غاية الأهمية”.