وصل للتو جهازان من أجهزة الليزر إلى مصنع صغير في جنوب يوركشاير، قادران على اختراق أي شيء من الورق إلى الفولاذ بدقة متناهية. كفاءة تلك الآلات تعادل ضعف كفاءة الآلات التي حلت محلها، التي اقتربت من نهايتها بعد أكثر من عقد من الاستخدام. تقول جين روبنسون، مديرة شركة “كتينج للتكنولوجيات”، التي شاركت في تأسيسها في عام 2003: “لقد كنا في حالة اضطراب لوقت طويل جدا حتى استعدنا الثقة للخروج وإنفاق المال”.
في بعض النواحي، كانت بريطانيا تعيش حالة من الاضطراب أيضا. بينما استؤنف النمو الاقتصادي منذ حالة الركود في عام 2009 وارتفعت العمالة، توقف نمو الإنتاجية – المحدد النهائي للأجور ومستويات المعيشة. يبلغ مقدار الناتج الاقتصادي الذي يحققه كل عامل في المملكة المتحدة في الساعة تقريبا 15 في المائة، أي أقل مما كان يمكن أن يكون لو استمرت الإنتاجية على نفس مسارها ما قبل الأزمة.
مع ذلك، قدمت البيانات الرسمية أمس بادرة أمل: خلال الربع الأول من عام 2015 كان الناتج في الساعة أعلى بنسبة 1.3 في المائة مما كان عليه قبل عام، وهو معدل النمو السنوي الأسرع منذ ثلاث سنوات – رغم أن هذا باهت مقارنة بما كان سائدا قبل الأزمة بنحو 2 في المائة في السنة.
أحد الأسباب التي يعتقد الاقتصاديون أنها وراء ركود الإنتاجية لفترة طويلة هو أن الشركات مثل شركة روبنسون، والتي تضررت بسبب الركود والذعر الذي أعقبه، عملت على تأخير الاستثمارات في تكنولوجيا وآلات أفضل. يعتقدون أيضا أن بعض أصحاب العمل، بدلا من محاولة إبراز مزيد من الكفاءة في أعمالهم للتعامل مع الطلب المتزايد، اختاروا توظيف عمال أرخص تكلفة بدلا من ذلك.
الآن، هنالك آمال مؤقتة بأن تلك الاتجاهات ستنعكس فيما لو ركزت شركات مثل شركة كتينج للتكنولوجيات على الكفاءة مرة أخرى. وفقا لمنظمة المصنعين (إي إي إف)، فإن 95 في المائة من الشركات التي شملها الاستطلاع تزيد الاستثمار الآن لتحسين الإنتاجية. قالت فيكي ريدوود من وكالة كابيتال إيكونومكس: “نحن نعتقد أن هذا يمكن أن يكون نقطة تحول. نحن متفائلون جدا حول انتعاش النطاق المتاح للإنتاجية.. في الوقت الذي يبدأ فيه الارتفاع الأخير في الاستثمارات في دفع الأرباح، وفي الوقت الذي يشجع فيه ارتفاع النمو في الأجور الحقيقية الشركات على الحصول على إنتاجية أكبر من الموظفين الحاليين بدلا من زيادة التوظيف”.
في حين يمكن أن تكون البيانات متقلبة، إلا أن أحدث الأرقام ستروق لجورج أوزبورن، الذي غامر بولايته الثانية كوزير للمالية في إصلاح مشكلة الإنتاجية في المملكة المتحدة. سينشر “خطته الخاصة بالإنتاجية” مع السياسات المتعلقة بالإسكان والنقل والمهارات في الأسبوع المقبل.
أصبح المسؤولون في بنك إنجلترا أخيرا أكثر تفاؤلا بشأن الإنتاجية. قال السير جون كونليف، نائب المحافظ لشؤون الاستقرار المالي، في خطاب له ألقاه الأسبوع الماضي هنالك “محاذاة لمجموعة من العوامل التي تشير إلى أن نمو الإنتاجية، سيبدأ في التحرك في الاتجاه الصحيح على مدى السنوات القليلة القادمة”.
ومن رأيه أن المحرك الرئيسي في المستقبل القريب سيكون في الاستعاضة عن العمل برأس المال، بينما تستثمر الشركات بشكل أكبر بدلا من مجرد توظيف مزيد من العمال. والسبب، بالنسبة له، هو التسارع الأخير في الأجور، التي ارتفعت بعد ركودها خلال السنوات الأولى من الانتعاش. ارتفع متوسط الأجور الأسبوعية، المعدَل لاحتساب التضخم، بنسبة 2.8 في المائة في فترة الأشهر الثلاثة المنتهة في نيسان (أبريل) الماضي، وهذه الزيادة هي الأسرع منذ الأزمة.
وقال نائب المحافظ: “في الوقت الذي ينمو فيه الاقتصاد، يتم استنفاد القدرة الاحتياطية. تزداد التكلفة الحقيقية للعمل نسبة لتكاليف الاستثمار. لدى الشركات حافز أكبر لإيجاد مكاسب الكفاءة وللتحول عن مزيد من أشكال الإنتاج كثيفة العمالة. هذا ينبغي أن يزيد من الإنتاجية”.
أما خبراء الاقتصاد فيرون أن الآلية التي يلمح إليها السير جون غير مرئية حتى الآن في البيانات. وتقديرات كمية حقوق الملكية تأتي فقط بعد فارق زمني لا يستهان به وغالبا ما يتم تنقيحها.
قال جوناثان هاسكيل، أستاذ الاقتصاد في كلية إمبريال في لندن: “من المبكر جدا معرفة ما يحدث لرأس المال، لكن إلى الحد الذي نجد فيه أن (الاستبدال يحدث)، فإن هذا من شأنه أن يعيد الطريقة المجربة والمختبرة التي رفعت من خلالها المملكة المتحدة مستوى الإنتاجية”.
ليس كل شخص متفائل. يعتقد فيليب رش، الخبير الاقتصادي لدى بنك نومورا، أن سوء تخصيص الموارد في الاقتصاد، إلى جانب تحول طويل الأجل نحو وظائف وقطاعات أقل إنتاجية، سيؤدي إلى تراجع الإنتاجية.
قال أيضا: “هذا لا يعني أنها ستستمر في التراجع كما فعلت سابقا… أعتقد أن بإمكاننا اعتماد اتجاه أقرب إلى الطبيعي بعد انتهاء الأزمة، يمكن أن يكون أضعف إلى حد كبير من الاتجاه القديم”.