رصد المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج، في مقابلة مع “العربي الجديد”، أكثر الأزمات التي تزعج لبنان على المستوى المحلي والإقليمي والدولي وخطورة الخلافات السياسية الداخلية على الاقتصاد اللبناني.
ــ بداية، هل هناك تصور لدى البنك الدولي، للحد من الأثر الاقتصادي والاجتماعي لتمدد داعش في المنطقة؟
لم نعد دراسة متكاملة عن هذا الموضوع، ولكن لنتخذ العراق مثلاً، فقد التقى رئيس البنك الدولي، جيم يونغ كيم، مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في أبريل/نيسان الماضي بواشنطن، وتفاهمنا على مشروع، خطر جداً. هذا المشروع هو تمويل البنك الدولي لإعادة إعمار المناطق التي خرجت منها داعش.
– ولماذا تدعمون العراق في هذا التوجه؟
لأنه على الدولة العراقية أن تستعيد مصداقيتها ووجودها في هذه المناطق، ليس على المستوى الأمني والعسكري فحسب، بل على صعيد تأمين الخدمات الأساسيّة للناس، من الكهرباء والطبابة والنقل العام والتعليم والمياه. وفي 7 يوليو/تموز سينظر مجلس إدارة البنك الدولي في هذا الموضوع، وانشاء الله يسير به. وأول جزء من المشروع هو 350 مليون دولار على 3 إلى 4 سنوات، لإعادة إعمار هذه المناطق في وسط العراق. وما نقوم به في العراق يعطينا تصوراً للمناطق الأخرى في العراق وسورية.
– بخصوص سورية، هل هناك رقم تقديري لكلفة الحرب؟
لم يقم البنك الدولي بدراسة من هذا النوع، لكن الإسكوا وأخونا عبد الله الدردري (مدير إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة في الإسكوا) قام ببعض التصورات وكانت لديه بعض النظرة الاستشرافية. هو يتحدث عن أرقام هائلة، 200 مليار دولار على عشر سنوات.
– هل كان يُمكن للبنان أن يستفيد من الأزمة السورية؟
أنا أرى أنه في السنوات المقبلة عندما تستقر الأمور بصفة أو بأخرى في سورية، لبنان سيكون هو المنفذ الأهم في عملية إعادة إعمار سورية. وهذا سيكون له تأثير كبير جداً على الاقتصاد اللبناني. اليوم هناك بداية عمل فيما يخص طرابلس كمنفذ، إن كان على صعيد الميناء أو سكك الحديد أو المنطقة الاقتصادية الحرة. هناك مستثمرون لبنانيون يستثمرون في مصانع الإسمنت، وإذا نظرنا لما سيأتي بعد الحرب والأزمة في سورية، سيستفيد لبنان. قبل ذلك يكون من الصعب.
ــ ما هي خسائر لبنان من الخلاف السياسي فيما يتعلق بعلاقته مع البنك الدولي؟
لنضع الموضوع في إطاره العام. علاقة البنك الدولي بلبنان ليست علاقة جديدة، وفي كل مرة عانى لبنان من أزمة، وجد البنك الدولي معه. عندما ندخل في أية شراكة مع لبنان نأخذ في عين الاعتبار الضغط الموجود على البلاد، لكن في الوقت عينه نضع خططاً للمدى المتوسط والطويل. فالمشاريع الموجودة اليوم للدراسة في البرلمان، هي مشاريع تنموية للمستوى المتوسط والطويل، وأهمها مشروع سدّ بسري، الذي دخل فيه البنك الدولي منذ 3 سنوات، في إطار الدراسة والتحضير.
وقد قدمناه لمجلس إدارة البنك الدولي في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وحينها كانت هناك بعض التساؤلات حول المشروع خصوصاً أنه أكبر مشروع بتاريخ العلاقة بين البنك الدولي ولبنان.
– وماذا كانت مخاوف إدارة البنك الدولي في واشنطن من هذا التمويل؟
قيل لنا إنكم تحركون نصف مليار دولار، هل أنتم متيقنون أن المشروع سيمر في الحكومة والبرلمان في ظل الوضع السياسي في لبنان. كان الجواب أن كل القوى السياسية في لبنان ترى أن هذا المشروع وطني وأنه يُمر عبر الخلافات السياسيّة، وهذا ما أبلغته لمجلس إدارة البنك الدولي. لكن العرقلة أتت بسبب خلافات سياسيّة لا علاقة لها بالخيارات الاقتصاديّة والتنموية للبنان. للأسف في 20 يوليو/تموز تنتهي صلاحية القرض.
– وهل يمكن تمديد فترة استحقاق القرض لحين التوافق؟
لتفادي سحب القرض يجب أن يكون ثمة ضمانات قوية لنمدد لشهر أو شهرين وتكون هناك نتيجة جدية لهذا التمديد. لكن المشكلة ليست في القرض ذاته إذ يُمكن أن يمول هذا المشروع لاحقاً، لكن الرسالة التي تخرج من لبنان في حال فشل إقراره في مجلس النواب، هي رسالة سيئة، إذ تقول بأنه حتى المشاريع الكبيرة والوطنية والتي تدعمها كل القوى السياسية تخرج من دائرة الاهتمامات بمجرد حصول الخلافات السياسيّة.
– وما هو أثر ذلك على لبنان؟
أهمية هذا القرض أنه أكبر تمويل من البنك الدولي للبنان، ويأتي في ظل ظروف صعبة جداً، مثل الأزمة السورية، فالدول المانحة تقول إنها مستعدة لتمويل لبنان، لكن إذا لم يكن هناك قدرة لاستعمال هذه الأموال لماذا نقدمها؟ المشكلة هي الرسالة. وما حاولنا في البنك الدولي أن نقوله إن المشاكل السياسيّة لا يجب أن تكون عائقاً للتنمية الاقتصادية فكل البلدان لديها مشاكل سياسية. نحن في القرن الواحد والعشرين والناس كانت في الصيف الماضي تشتري المياه في الشاحنات. حرام ألا يكون لدى لبنان مياه وكهرباء ونقل عام.
ــ يعيش لبنان بلا موازنة منذ العام 2005، ما أثر ذلك على الاقتصاد الوطني، وعلى تصنيف لبنان العالمي من الناحية المالية والنقدية؟
ذهب لبنان للسوق المالية العالمية منذ ستة أشهر، واقترض ملياري دولار بفائدة 6.6% عبر طرح سندات. هذه تكلفة على لبنان. ورغم أن معظم من اشترى هذه السندات هم لبنانيون، لكن هذا يبقى ديناً على البلاد. لو كان لدى لبنان إطار ماكرو اقتصادي متوازن، لكانت الفائدة بين 3 و4%. هناك تكلفة على الاقتصاد اللبناني، ما يرفع المديونية العامة على كل مواطن لبناني بسبب هذا الأمر. هذا نموذج بسيط. لا توجد ميزانية يعني لا يوجد تخطيط ما يعني أن كل شيء يُقرر في لبنان اليوم على مستوى الإنفاق يُقرر على المستوى القصير وتكلفته تكون أكبر. وهذا ما يؤثر على المناخ الاستثماري إذ لا يوجد انترنت وشبكة اتصالات حديثة ولا يوجد نقل عام ولا يوجد ماء وكهرباء. إنه بلد الفرص الضائعة.
– سبق للبنك الدولي أن أعد دراسة حول قطاع الكهرباء في لبنان، ما هي مكامن الخلل في هذا القطاع برأيكم؟ ومكامن الفساد وكلفته؟ ولماذا أوصيتم بعدم رفع الدعم؟
قطاع الكهرباء يكلف الميزانية 2.3 مليار دولار سنوياً، وتلك خسارة كبيرة وكلفة واضحة وغير مقبولة. ولا تزال مشاكل القطاع منذ عام 1982 (قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان) هي ذاتها. ليست المشكلة في الدراسات والحلول، فالحلول معروفة. الموضوع هو الإرادة السياسيّة، وهذه الإرادة غير موجودة اليوم. في يونيو/حزيران 2014، زار رئيس البنك الدولي لبنان والتقى وزير المالية ورئيس الحكومة، وقال إن البنك الدولي يرى أن هناك أربعة مشاكل كبرى في لبنان: النقل، الاتصالات، المياه والكهرباء. وأشار إلى أن البنك الدولي دخل في حلّ مشكلة المياه عبر سد بسري، وأن موضوع الكهرباء مهم. وقلنا إن البنك الدولي مستعد لتمويل أي مشروع يحلّ مشكلة الكهرباء، خصوصاً أننا شعرنا بوجود إرادة سياسيّة، إذ تحدث وزير المالية ورئيس الحكومة والبرلمان عن حلول ممكنة. مع الأسف، الذي كنا نتصوره لم يحصل!
– ما هو أثر إغلاق الحدود السورية على الاقتصاد اللبناني؟
عندما قمنا بدراسة عن أثر الأزمة السورية على لبنان كانت تغطي الأعوام 2012، 2013 و2014 قيمنا التكلفة على الاقتصاد اللبناني بـ 7.5 مليارات دولار، وفي ذلك الوقت كانت ثمة منافذ للصادرات اللبنانيّة وحتى للسورية. لا نملك تقييماً خاصاً إذ لم نجر دراسة بعد، ولكن أتصور اليوم الخسائر أكبر من ذلك.
ــ هل وضعت الحكومة اللبنانية خطة متكاملة لإدارة ملف اللجوء؟ ما هي ملاحظاتكم عليها؟
عندما أتيت إلى لبنان أواخر عام 2012، كنت أسمع من اللبنانيين أن هؤلاء إخوتنا وهم استقبلونا عام 2006، ولا مشكلة في ذلك. ومع الوقت ازداد تدفق اللاجئين وازداد الضغط على المجتمع اللبناني بدأنا نسمع أصواتا أخرى. على مستوى المواطنين بدأوا يشعرون بضيق، وعلى مستوى الحكومة، باتت الرسائل مختلفة.
اليوم هناك تسارع كبير بعدد المقيمين في لبنان، يعني كان هناك 4.2 ملايين مقيم عام 2012 واليوم هناك قرابة 6.5 ملايين وبنفس الاقتصاد، بل تدهور. هناك ضغط يتصاعد. لكن هل كان ثمة خطة؟ لم أرَ خطة.