كان من المفترض أن يكون الوضع الحكومي السياسي الطبق الرئيسي على طاولة «حوار إفطار» عين التينة بين حزب الله وتيار المستقبل بحضور الرئيس نبيه بري هذه المرة. ولكن الوضع الأمني يفرض نفسه بندا أولا على جدول أعمال الحوار. فقد دار الحوار السني ـ الشيعي دورة كاملة ليعود الى نقطة البداية: تثبيت الأمن وتنفيس حالة التشنج والاحتقان. وعاد الأمن الى صدارة الحوار بعد تطورات حصلت في الشارع في الفترة الأخيرة وانطوت على مؤشرات مقلقة وعكست وضعا غير سليم على الأرض:
– الأول تمثل في حركة الاحتجاج التي عمت الشارع السني (البقاع الأوسط طرابلس الطريق الجديدة) بعد تسريب شريط التعذيب في سجن رومية لسجناء إسلاميين.
وكان البارز في هذه الأحداث أربعة أمور: مشاركة أنصار تيار المستقبل وتصدرهم حركة الاحتجاج، ووقوف المستقبل والجماعة الإسلامية معا في الشارع، واقتصار تحرك التيارات الإسلامية المتطرفة على الجانب السياسي والإعلامي في مهاجمة الوزير نهاد المشنوق، وخروج المشكلة من إطارها السني (تعذيب سجناء سنة على يد قوى الأمن التي يرأسها مدير عام سني ووزير داخلية سني) الى إطار سني ـ شيعي مع توجيه وزير العدل أشرف ريفي اتهاما صريحا الى حزب الله بأنه يقف وراء التسريب لغايات عدة.
وهذا الاتهام كان وراء زيارة عاجلة قام بها وزير حزب الله محمد فنيش الى الرئيس تمام سلام للاحتجاج لديه على موقف صادر عن وزير في حكومته وتترتب عليه انعكاسات سلبية في الشارع وفي السياسة. وهذا الموضوع سيثيره مجددا حزب الله في جلسة الحوار مع «المستقبل».
– الثاني تمثل في «اشتباك السعديات» الذي شكل تطورا مقلقا للغاية الى حد أنه ساهم في إعادة شحن الأجواء والتوتير المذهبي.
وهذا الموضوع سيبادر الى طرحه وفد المستقبل ومن خلفية أنه ليس حادثا فرديا عابرا وإنما له أبعاد وخلفيات أمنية وسياسية يختصرها في نقطتين: سعي حزب الله الى السيطرة على الخط الساحلي بين بيروت وصيدا عبر استحداث نقاط تمركز له في مبان سكنية ومجمعات تجارية. وسعي حزب الله الى التحكم بمدخل إقليم الخروب وساحله من خلال تواجد مفتعل ومستحدث في السعديات والجية ووادي الزينة. ما جرى في السعديات أيقظ حساسيات وهواجس، وأوجد خط تماس جديدا بين المستقبل وحزب الله: المستقبل الذي يعتبر إقليم الخروب «خزانا شعبيا أساسيا له، وحزب الله الذي يعتبر ساحل الإقليم الرابط بين الضاحية والجنوب خطا حيويا له وجزءا من «أمن المقاومة». وإذا كان تيار المستقبل يطرح المشكلة من زاوية «أفعال حزب الله الاستفزازية التي لا تساعد في ضبط الشارع وتهدئته»، فإن حزب الله يطرحها من زاوية أخرى هي التشكيك بموقف المستقبل أو بقدراته، فإما أنه يحرك الشارع ويعتمد لعبة الشارع بحجة استيعابه وعدم إخلاء الساحة للتطرف وهذه لعبة خطيرة، وإما أنه غير قادر على ضبط الشارع الذي خرج عن سيطرته فأصبح المستقبل منقادا للشارع بدل أن يقوده.
ترى مصادر في 8 آذار، وتشاركها في هذا الاعتقاد أوساط في 14 آذار أيضا، أن تيار المستقبل يواجه ضغوطا وأوضاعا غير مريحة في مجالات مختلفة أولها الشارع حيث تتقلص قدرته على التحكم بإيقاعه وإدارة تناقضاته. ويضاف الى ذلك ما يجري داخل تيار المستقبل من نشوء لمراكز قوى ومحاور لم تعد خافية على أحد (السنيورة ـ ريفي ـ المشنوق ـ نادر وأحمد الحريري). وما يجري داخل تحالف 14 آذار الذي لم يعد على ما كان عليه من تماسك وانسجام بدليل «النفور» الحاصل بين المستقبل الذي يعطي أولوية لحواره مع حزب الله عبر بري، والقوات اللبنانية التي تعطي أولوية لحوارها مع التيار الوطني الحر تحت «مظلة النوايا». ومجمل هذا الوضع بات يستدعي عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان والإقامة فيه إقامة دائمة مستقرة. فغياب الحريري سبب أساسي من أسباب الارتباك والتفكك والفقدان الجزئي للسيطرة على الوضع، وحضوره شرط أساسي لاستعادة زمام المبادرة والإمساك بالوضع. ولكن إذا كانت عودة الحريري ضرورة وحاجة، هل هي ممكنة ومتاحة؟
في نظر هذه الأوساط السبب الأمني موجود ولكنه ليس الأهم وبإمكان الحريري أن يفعل ما يفعله بري من تمركز وتحصن في مقر إقامته. هناك السبب المالي في ظل استمرار الضائقة المالية وتراكم مستحقات وأعباء. وهناك السبب السياسي في ظل ظروف تؤجل عودة الحريري الى رئاسة الحكومة لأنها مكلفة سياسيا ويترتب مقابلها دفع ثمن سياسي لحزب الله وعون وظروفها لم تنضج. ولأن عودة الحريري الى لبنان غير مطروحة إلا في إطار مشروع وتسوية تعيده الى السرايا الكبير، فإنها عودة مؤجلة، ولأنها كذلك فإن الحريري أوقف كل خططه والتزاماته مع عون لتعود العلاقة بينهما الى ما كانت عليه قبل حكومة سلام.