Site icon IMLebanon

الإفلاس يهدد شركات الصيرفة السعودية

Remittances-Office-Gulf
على الرغم من أن موسم العمرة خلال شهر رمضان ظل لسنوات ماضية، هو الموسم الذهبي لمحلات الصيرفة في السعودية، إلا أن الكثير من المحلات تعاني هذا العام من انحسار نشاطها بشكل كبير لتراجع عدد المعتمرين، ومزاحمة المصارف والمؤسسات المالية لهذه المحلات، ما يهدد بانزلاقها لخطر الإفلاس والإغلاق والاختفاء من الأسواق خلال سنوات قليلة.

ويعمل في المملكة نحو 3200 محل للصيرفة، تتمركز غالبيتها في مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة، فيما اتجه الكثير منها، وفق عاملين في القطاع، إلى الإتجار بالعملة في محاولة للاستفادة من تذبذب أسعار بعض العملات، مثل اليورو والجنية الإسترليني، مقابل الريال السعودي، لتحقيق أرباح أكبر، ولكنها تجارة محفوفة بالمخاطر.

وهبط دخل محلات الصيرفة القريبة من الحرم المكي، والتي تعتبر الأكثر نشاطاً من نحو 40 مليون ريال (10.6 ملايين دولار) يومياً إلى أقل من مليوني ريال فقط (533 ألف دولار)، وفق بيانات محلية.

ويتوقع أصحاب محلات الصيرفة خروج أغلب المحلات من السوق خلال فترة تراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات على أقصى تقدير، بسبب المنافسة “غير العادلة” مع المصارف التي تقوم أيضاً بخدمات تحويل العملة بجانب أنشطتها الأخرى.

ويقول الأمين العام للجنة التوعوية المصرفية في المصارف، طلعت حافظ، إن المصارف تأخذ دور محلات الصرافة في وقت لا تستطيع فيه هذه المحلات أن تفعل بالمثل.

ويضيف حافظ أن “محلات الصيرفة لا تأخذ ودائع من العملاء، كما أنها لا تقوم بالإقراض، لذلك هي لا تأخذ دور المصارف وعملها يقتصر على صرف العملات والتحويل بينها”.

ويؤكد الخبير الاقتصادي، أمجد العميري، أنه خلال سنوات قليلة ستكون محلات الصيرفة مجرد ذكرى، كون المصارف تقدم هذه الخدمة بشكل مكثف، ولكنها لن تستطيع أن تقوم بكل الأدوار، لأنها لا تستطيع أن توفر كل أنواع العملات، خاصة تلك التي لا يتم التداول بها بكثرة.

ويقول العميري، لـ”العربي الجديد”: “بدأت المصارف تعمل في تحويل العملات، بعد أن ركزت على تحويل الأموال، وهذا الأمر لا يحقق منافسة عادلة مع محلات الصيرفة التقليدية. لهذا أصبحت هذه المحلات مهددة بالخروج من السوق والإفلاس”.

ويصيف: “يعتقد البعض أن الدولارات التي يحصلون عليها من المصارف أكثر مصداقية، وهم يخافون من الوقوع في مشكلة التزوير، لذلك يفضّلون المصارف، وهذا غير صحيح، فمحلات الصيرفة مراقبة بشكل صارم، ولا يمكن أن يتم تداول أي عملات مزورة فيها”.

وتعاني محلات الصيرفة في العاصمة الرياض والمنطقة الشرقية من ضرر أكبر، فهي على عكس مثيلاتها في مكة المكرمة والمدينة المنورة لا تستفيد كثيراً من موسم العمرة، ولا توجد طلبات كبيرة على صرف الريال السعودي مقابل العملات الأخرى، وخاصة أن غالبية السعوديين يفضّلون اللجوء للمصارف التجارية لضمان عملية التحويل.

ويقول أصحاب محلات الصيرفة إن المصارف تستحوذ على العملات القوية، مثل الدولار الأميركي واليورو الأوروبي والجنيه الإسترليني، وتترك لمحلات الصيرفة العملات الآسيوية والعربية، التي لا يكون الطلب عليها كبيراً.

من جانب آخر، بدأت هذه المحلات، التي تكافح للبقاء، في فرض بعض القيود على عدد من العملات، التي لا تحقق لها الربح المطلوب، أو تهددها بالخسارة، فاتجهت إلى رفض التعامل بالريال اليمني، الذي يعاني من تدهور قيمته، كما أن العملة لم تعد مطلوبة بسبب تراجع عدد المعتمرين اليمنيين.

ويؤكد المحلل المالي والمتخصص في أمور الصيرفة، أحمد الرويس، لـ”العربي الجديد”، أن الريال اليمني يعاني من تراجع حاد، ما دفع محلات الصيرفة للإحجام عن التعامل به.

وليس الريال اليمني فقط، بل بدأت كثير من محلات الصيرفة ترفض بيع اليورو الأوروبي، بسبب هبوط قيمته أمام الريال السعودي والدولار، وتوقفت المحلات عن تبديل اليورو خوفاً من أن يكبدهم ذلك خسائر كبيرة.

ويقول الرويس: “إن كثيراً من محلات الصيرفة اشترت اليورو الواحد بأكثر من 4.85 ريالات، واليوم هو أقل من ذلك بكثير، والتعامل مع السعر الجديد الذي يلامس 4.18 ريالات، يعني أنهم سيخسرون نحو 15% من القيمة التي اشتروا بها العملة الأوروبية، ولهذا هم ينتظرون أن ترتفع قيمتها لتجنب الخسارة”.

ويضيف: “يفضّل أصحاب محلات الصيرفة التعامل بالدولار الأميركي، لأن سعره ثابت ويحقق لهم مكاسب جيدة، وهم في مأمن من الخسارة، ولكنهم يواجهون مزاحمة شديدة من المصارف التجارية، التي بدأت تركز على هذا النشاط، خاصة في فروعها القريبة من الحرمين في مكة والمدنية المنورة”.

وبحسب الصيرفي ناجي العلياني، يتباين المدخول اليومي للمحلات، فالتي تكون قريبة من الحرم يكون دخلها أكبر، ولكن في الوقت ذاته إيجار تلك المحلات يكون أعلى بكثير من البعيده عنه.

ويقول: “بشكل عام، هناك تراجع كبير في الدخل، ولم يعد يتجاوز الأربعة آلاف ريال (1.06 ألف دولار) يومياً في أفضل الحالات، مع أنه في السابق كان يصل لأكثر من 15 ألف ريال (4 آلاف دولار)”.

ويتابع: “نحن مضطرون، حسب قواعد مؤسسة النقد، إلى التعامل بأغلب العملات، مثل الجنية المصري والدينار الجزائري والعملات الأفريقيه والآسيوية، ولكن الطلب عليها قليل جداً لأنه محصور بالزوار من جنسيات محددة، وهذا من سلبيات هذه التجارة، كما أن غالبية العملات لا يكون التعامل بها مجدياً إلا في موسم العمرة والحج فقط، فلا أحد يطلبها في الأوقات الأخرى، بينما الطلب على الدولار واليورو والجنية الإسترليني مستمر طوال العام”.

ويشير إلى أن هناك تراجعاً حتى في تبديل العملات العربية، فالجنية المصري لم يعد مطلوباً كما كان في السابق، وهو حال الريال العماني والدينار البحريني.

ويقول: “تضاعفت خسارتنا مع عمليات توسيع الحرم المكي، الذي قلّص المعتمرين قرابة النصف، ونأمل أن يتحسن الوضع قليلا مع فتح الحرم بتوسعته الجديدة”.

ويشير المحلل المالي والمتخصص في أمور الصيرفة، أحمد الرويس، إلى أن الكثير من المحلات لجأت للإتجار في العملة لتحقيق أرباح أكبر من أجل بقاء نشاطها، وذلك عبر شراء العملات عندما تتراجع أسعارها، والقيام باكتنازها ترقّباً لارتفاع سعرها من جديد، ومن ثم طرحها للبيع، خاصة اليورو والجنية الإسترليني. ويؤكد “هي تجارة مربحة، لكنها محفوفة بالمخاطر، لكنها الفرصة الأخيرة للبقاء”.