IMLebanon

شطب ديون اليونان يوفر إغاثة فورية

EuroGreece

فيليب ستيفنز

لا يمكن لليونان الفوز في الاستفتاء الذي سيجري غدا. أن رفض الشروط التي طالب بها دائنوها قد يعجل الهبوط إلى حالة من الفوضى الاقتصادية، وعلى الأرجح، الخروج من منطقة اليورو. أما التصويت بعدم الثقة بالاستراتيجية التفاوضية لحكومة سيريزا – التصويت بنعم حيث الإطار الموضوع بلغة الاستفتاء الغامضة – قد يجعل اليونان مهجورة في منطقة سياسية فارغة. قد يتم تجريد رئيس الوزراء، أليكسيس تسيبراس، من سلطته كليا، لكن ليس من الواضح تماما كيف سيتم استبدال شخص آخر به، أو من قبل من.

حتى في ظل معايير سيريزا غريبة الأطوار، كانت ألاعيب تسيبراس الأخيرة استثنائية. رفض شروط الإنقاذ لمنطقة اليورو أعقبه الحركة المسرحية المفاجئة التي تدعى الاستفتاء. وفي الوقت الذي تعثرت فيه الحكومة في تسديد مدفوعات صندوق النقد الدولي وبدأت الأموال تنفد من المصارف، حدث تغيير مفاجئ في المواقف جعل تسيبراس يقترح إلغاء التصويت والقبول بشروط الدائنين مع تعديلات بسيطة فقط. تم إلغاء الصفقة. لذلك، في تحول عكسي ثان، شجب محاوريه ونعتهم بأنهم “صافرات إنذار بالدمار” وأشخاص مبتزون.

أيهما تسيبراس؟ هل هو حوار بين المقترض والدائنين حول تفاصيل تخفيضات المعاشات التقاعدية والزيادات الضريبية، أم أنها محاولة من جانب “القوى المحافظة المتطرفة” في برلين وخارجها لتكبيل اليونان في حالة فقر دائمة؟ حتى الآن، يكافح رئيس الوزراء ليصدر قراره. كما سمعت من أحد المسؤولين الأوروبيين المرهقين، التفاوض مع أصحاب المواقف الفكرية المتشددين يكون دائما أمرا صعبا، وإيجاد أرضية مشتركة مع أصحاب المواقف الفكرية المراهقين أمر مستحيل.

يأمل أولئك الذين يرغبون في رؤية اليونان تعود إلى حالة الازدهار داخل الاتحاد الأوروبي في التصويت بنعم في استفتاء الغد، حتى لو أنه كان لا يزيد على كونه أهون الشرّين. ويدعي حزب سيريزا أن التصويت بالرفض قد يرغم منطقة اليورو إلى العودة إلى طاولة المفاوضات. هذا خطأ. لا تشعر حكومات منطقة اليورو الأخرى بأنها ملزمة بذلك في أي حال من الأحوال. لماذا ينبغي لها ذلك؟ الثقة تلاشت. لم يدرك تسيبراس أبدا أن الدول الأخرى أيضا لديها ديمقراطيات. إن التصويت بالرفض قد يتم اتخاذه كقرار للعودة إلى الدراخما. قد تتعرض أوروبا وكذلك اليونان للإفقار بشكل كبير بسبب ظهور دولة فاشلة أخرى في منطقة البلقان.

رغم ذلك، ينبغي أن لا يتصور أي أحد أنه بتحدي سيريزا والتصويت بنعم، قد تتمكن اليونان من رسم طريق مختصر للعودة إلى مسار النمو المستدام ومستويات المعيشة المرتفعة. إن مصير اليونان في يدها هي. بالتأكيد، هي تحتاج إلى تخفيف عبء ديونها. فقط هذا الأسبوع قال صندوق النقد الدولي إنه، كحد أدنى، تتطلب الاستدامة تمديدا كبيرا لآجال استحقاق الديون. لكن لا شيء من هذا يمكن أن يكون غير مشروط. إن شطب الديون يوفر إغاثة فورية، لكن في نهاية المطاف يكون عديم القيمة من دون إجراء إصلاحات جذرية في البلاد. لذلك، ينبغي أن يكون الجدل الحقيقي حول تسلسل الإجراءات.

قبل كل شيء، يتطلب الانتعاش اليوناني المتواصل تطبيق سيادة القانون. الغريب، قبل انتخابات هذا العام، أن تسيبراس كان يتحدث عن هذه الأمور بالضبط: الحملة ضد القلة، والاحتكارات، والمحسوبية، والفساد التي شوهت المجتمع اليوناني منذ فترة طويلة وتسببت في اختناق المؤسسات. لكن كما تبين فيما بعد، فضل سيريزا الاعتناء بعملائه. لقد تسببت تقلباته المتعددة وتحولاته في إصابة محاوري تسيبراس باليأس، لكن أشد ما أفزعهم كان غياب الجهود الجادة باتجاه الإدارة الرشيدة.

الأمر اللافت للنظر حول الشروط المنصوص عليها في خطة الإنقاذ الأخيرة المرفوضة لمنطقة اليورو كان عدد الشروط التي كانت تدور حول الحوكمة: التدابير الرامية إلى تحسين الشفافية في عملية اتخاذ القرار، والتصدي لعملية التلاعب بالأسعار، وردع الفساد، والقضاء على الاحتيال، وبكل بساطة إنفاذ القانون. تلك هي إصلاحات تحسب لخدمة شعب اليونان. هل حقا يعتبر الأمر ابتزازا حين يطلب من أثينا تضييق الخناق على التهرب من دفع الضرائب، أو حظر تزوير الأسعار الذي يرغم المواطنين على دفع ما لا يقل عن ضعف السعر اللازم مقابل شراء الأدوية الحيوية؟

إن بقية أجزاء أوروبا لا يمكنها الشعور بالراحة بسبب مأزق اليونان. إن إلقاء اللوم على سيريزا، مهما كان حظه من الإنصاف، لا يمكنه حل أي مشكلة. تقول أنجيلا ميركل إنها لا تستطيع التذكر متى واجهت أوروبا آخر مرة مثل هذه الأوقات العصيبة. المستشارة الألمانية على حق. التهديدات ليست فقط بسبب خروج اليونان، أو بسبب موجات المهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط، أو بسبب الإرهابيين الإسلاميين الذين يجعلون أوروبا هدفا لهم. لقد شهدت القارة في وقت واحد انهيارا في الثقة وحدوث تآكل عميق لما كان يسمى التضامن.

خلال سفري في جميع أنحاء أوروبا في الأشهر القليلة الماضية، سمعت وزراء المالية ومسؤولي البنوك المركزية يصرون على أن منطقة اليورو ستجتاز مسألة خروج اليونان. إنهم يقولون هذا، بالطبع، لكنني أعتقد أنهم يؤمنون بذلك. ما يغيب عن مثل هذه الأحكام هو التأثير التراكمي، والتحول النفسي الذي قد يتبع حتى فشلا جزئيا في مشروع التكامل الأكثر طموحا للاتحاد الأوروبي.

من بين معظم النخبة السياسية، يبقى هناك اقتناع بأن المستقبل ملك لأنموذج تقاسم السيادة في الاتحاد الأوروبي. نعم، قد يعمل خروج اليونان على تسريع وتيرة التكامل داخل منطقة اليورو بغية إنشاء اتحاد نقدي واقتصادي، لكن المزاج العام عبر القارة تدهور. أصبح التعاون يتم عن طريق المعاملات، وأصبحت الحكومات مترددة أكثر في تحديد مصالحها الوطنية في المنفعة المتبادلة الأوسع نطاقا.

رغم جميع مساعي تسيبراس لجعل الأمر غير مفهوم، يعتبر استفتاء الغد في المقام الأول والثاني والثالث حول ما إذا كانت تريد اليونان فرصة لإنقاذ نفسها. لكن النتائج المترتبة على خيارها سيصل أثرها إلى ما هو أبعد كثيرا من أثينا.