IMLebanon

هل ما زال الذهب يُشكل الملاذ الآمن للمستثمرين؟

DollarsGold4
ناتاشا بيروتي
إن ما يحصل في سوق الذهب لا يعني أكثر من أن الذهب مادة أولية كغيرها من المواد عرضة للمضاربة، وأن ارتفاع سعره او انخفاضه بهذه النسب القياسية ليس إلا نتيجة مضاربة يقوم بها حفنة من المضاربين يتنازعون خلالها على كمية محدودة جدًّا من الذهب، الأمر الذي يمكن أن يحصل عكسه والأمر الذي يؤكد أن الذهب لا يمكن أن يشكل مرتكزًا للنظام النقدي الدولي أو مرتكزًا فيه.
هل ما زال الذهب يشكل الملاذ الآمن للاضطرابات الجيوسياسية والامنية العالمية وهل ما زال يشكل الضمانة في الازمات المالية والاقتصادية؟ وهل يعتبر الذهب جزء من الاحتياطي العالمي.
ـ كامل وزني ـ
يشير المحلل الاقتصادي كامل وزني الى ان رئيس البنك الفدرالي الاميركي السابق بن برنانكي سئل عن فهمه لصعود وهبوط اسعار الذهب فكانت الاجابة «ليس هناك فعلياً من يفهم كيفية تحرك اسعار الذهب لكن في المحصلة هناك مؤشرات تلعب دوراً اساسياً يمكن ان يتكهن من خلالها المتابع التقلبات الكبيرة في اسعار اونصة الذهب».
ويتابع: اهم هذه المؤشرات هو عامل التضخم الذي له علاقة عكسية مع اسعار الذهب باعتبار ان اي ارتفاع لمؤشرات التضخم يؤدي الى ارتفاع اسعار الذهب والسبب في ذلك ان القيمة الشرائية للعملة تفقد قيمتها الشرائية ويصبح الذهب الملاذ لحماية القيمة الشرائية للمستثمرين والمستهلكين، وخلال الـ 45 عام الماضية فان اسعار الذهب ومؤشر الاستهلاك الاميركي قد اظهرت بأن هؤلاء المؤشرين متناغمان في عملية الصعود والهبوط وفي الآونة الاخيرة وبعد الازمة المالية العالمية في عام 2008 بدأت البنوك العالمية بضخ الاموال لكن بكميات لم تعهدها في السابق وهذا يعتبر في علم الاقتصاد مؤشر تضخم، وهذا ما يؤكده جميع الباحثين وكتب الاقتصاد في العالم، الا ان ذلك لم يحدث منذ عام 2008 وحتى عام 2015 بحيث ان الانكماش اصبح عنوان المرحلة الحالية والخوف الاكبر للبنوك الدولية، ما دفع الارتفاع بالشكل التدريجي ليصل الى 1920 دولاراً في العام 2011 ومن ثم الانهيار الكبير لسعر الاونصة لتصل الى ما دون 1200 دولار في الوقت الحالي.
ويضيف وزني: العامل الثاني الذي يؤثر على سعر الذهب هو الفائدة العالمية وبالاخص سعر الفائدة الاميركية وربما اليوم ما يغلب على اسباب التأرجح في اسعار الذهب هو قرار البنك الفدرالي الاميركي اذا كانت رئيسة البنك الفدرالي الحالية جانيت يالين سترفع الفائدة قبل نهاية العام او لا، ربما يكون هذا المؤشر الاكبر على سعر الذهب من الازمة اليونانية وغيرها من الازمات وهذه المراقبة قد تصلح لهذا الوقت وقد تتغير مع تغير الظروف لكن هذا المعدن الاصفر لا يدفع اي فائدة فإن سعر الذهب وسعر الفائدة ايضاً لهما علاقة معاكسة. لكن تاريخياً وحسب مصادر اكاديمية فإن سعر الذهب والفائدة قد تحركا بطريقة معاكسة نصف الوقت منذ العام 1969 لكن في باقي الاوقات فان سعر الذهب ارتفع وانخفض مع الفائدة في الوقت نفسه.
والمؤشر الثالث هو ارتفاع وانخفاض الاسواق المالية العالمية وبالاخص الاسواق المالية الاميركية التي تحتل التأثير الاكبر على تقلبات المعدن الاصفر ويذكر هنا ان الاسواق الاميركية منذ العام 2008 حتى الآن استرجعت كل ما خسرته وهناك مؤشرات «التكنولوجي النازداك» وقد وصل الى ارتفاعات لم يشهدها في السابق بينما كان العكس الصحيح لاسعار الذهب منذ 2011 حتى الآن بحيث ان الذهب خسر ما يقارب الـ 700 دولار للاونصة.
والعامل الرابع هو التوترات السياسية والامنية والمشهور ان اول ارتفاع كبير للذهب كان في العام 1980 عندما بلغت الاونصة ما يقارب 850 دولاراً عندما اجتاح الاتحاد السوفياتي افغانستان وقد تزامن هذا مع ازمة الرهائن الاميركيين في ايران في ذاك الوقت، فهناك مؤشرات عديدة بحيث ارتفع الذهب عبى سبيل المثال 12% في الاسبوعين الاولين في حرب «الفوكلاند» عام 1982.
وهناك مؤشرات عديدة تؤكد هذا الترابط بين التوترات العالمية والارتفاعات في اسعار الذهب.
ويردف وزني: العامل الخامس هو سعر صرف الدولار باعتبار ان الذهب هو كباقي المعادن وانه مسعر بالدولار الاميركي وله علاقة عكسية مع الذهب بحيث ان ارتفاع سعر الفائدة الاميركية يؤدي الى ارتفاع سعر الدولار وان ارتفاع سعر الدولار والفائدة يؤدي في اغلب الاحيان الى انخفاض سعر الذهب.
والعامل السادس هو اسعار النفط التي في اغلب الاحيان تتماشى في نفس الاتجاه فان الانهيار الكبير في اسعار النفط تزامن مع انخفاض في سعر الذهب ولكن بنسب متفاوتة.
واخيراً العامل السابع وهو الطلب الآسيوي على الذهب وبالاخص السوق الصيني والهندي، حيث اظهرت الارقام الاخيرة بأن هناك تراجع في شهية الصينيين في شراء المجوهرات بينما كان هناك ازدياد في شراء المستهلك والمشتري في الهند للمعدن الاصفر وهنا لا بد من التركيز لان استخدام الذهب له ثلاث عوامل اساسية، وهي كعملة احتياط، وثانياً في الصناعات، وثالثاً للاستخدامات الشخصية من شراء وبيع المجوهرات.
ـ الازمة اليونانية ـ
اما فيما يخص الازمة اليونانية فإن الكثير توقعوا ان ترتفع اسعار اونصة الذهب باعتبار ان اليونان وتخلفها عن دفع مستحقاتها الى صندوق النقد الدولي يمكن ان يكون حدثاً كبيراً في ارتفاع أسعار الذهب لكن هذا حتى الآن لم يحدث ويعود حسب اعتقاد السوق بان مخاوف التضخم لم تتحقق وان المخاوف الحقيقية اليوم هي ان البنك الفيدرالي الاميركي يبدا برفع الفائدة التي تقارب الصفر قريباً وهذا الحدث ان حصل قد يكون الاول في السياسة المالية الاميركية نحو التشدد المالي منذ العام 2002 وهذ العامل سوف يكون عامل غير ايجابي للذهب.
وثانياً فإن سمعة الذهب التي كانت معروفة عالمياً على مر السنين ملاذاً آمناً، وهذه السمعة لم تعد كما كانت في السنوات الماضية بعد اللذعات الكبيرة التي تلقاها المستثمرين منذ 2011 حتى الآن وربما هناك من يعتقد من المستثمرين بأن العالم ما زال متخبط بأزمات مالية وسياسية وامنية والارهاب يضرب ويفجر في اماكن عديدة من العالم وان هذا العالم ما زال مخيفاً لكن الذهب لم يعد يشكل الامان للمستثمر كما كان بريقه يفعل في السابق.